إضراب المعلمين في الجزائر... معلم مظلوم وطالب ضحية؟

إضراب المعلمين في الجزائر... معلم مظلوم وطالب ضحية؟

09 ابريل 2016
معلمو الجزائر يضربون عن الطعام لتحقيق مطالبهم(العربي الجديد)
+ الخط -
لا يمر عام إلا ويشهد قطاع التربية والتعليم بالجزائر إضراباً مع اختلاف الأسباب في كل مرة، وقد بدأ احتجاج المعلمين هذا العام في مارس/آذار الماضي من خلال مسيرة "الكرامة والصمود" والتي ضمت 2500 معلم يطالبون بالتعيين الفوري بلا شروط، ساروا على الأقدام من ولاية بجاية التي تبعد عن العاصمة بحوالى 400 كلم، لكن تم إيقافهم من قبل الشرطة على مشارف العاصمة ومنعهم من مواصلة المسيرة، لذلك قرروا التصعيد بالمكوث بميدان "الإدماج" بولاية بومرداس، والدخول في إضراب مفتوح عن الطعام، خاصة وأن من بينهم معلمات حوامل، كما تعرضت المعلمة "فلة جلال" للضرب من قبل الشرطة، وأكملت المسيرة على كرسي متحرك بعد كسر في ساقها، كما تعرض معلم آخر لحادث، حيث صدمته شاحنة خلال المسيرة، وحُبس الكثيرون في أقسام الشرطة للاستجواب.
وأثناء المسيرة قضى المحتجون الليل في الشوارع، لكنهم تلقوا المساعدات من قبل سكان المنطقة ومختلف حركات المجتمع المدني الذين أبدوا تضامنهم، بالإضافة إلى زيارات نواب البرلمان كزيارة النائبة نعيمة ماجر، ورئيس كتلة حمس، كما كان هناك دعم من قبل الطلاب الذين زاروا مقر الاعتصام للبحث عن معلميهم الذين وصلتهم خطابات توقيف عن العمل.

حقيقة نظام التعاقد

استناداً لوزارة التربية الوطنية، فإن عدد المعلمين المتعاقدين قد بلغ 50 ألف أستاذ، ويطالبون بتعيينهم في مناصبهم دون قيد أو شرط، ودون دخولهم في مسابقات التوظيف، حيث تربطهم عقود استخلاف مع المؤسسات التربوية طالت مدتها، فهناك من يعمل بنظام التعاقد منذ 16 عاماً دون تعيين.

وترى الوزارة أن تعيين هذا العدد من المعلمين مستحيل وغير قابل للتفاوض، لأنه يتعارض مع القانون الذي يشترط إجراء مسابقات التوظيف، وأن قرار تثمين الخبرة المهنية للأساتذة المتعاقدين تطلب جهداً كبيراً من الوظيفة العمومية، لكن الوزارة ستقوم بمنح نقطة إضافية لكل سنة عمل للمعلم خلال مسابقة التوظيف المقبلة، والتي ستغلق باب التسجيل في 14 إبريل، مؤكدة في مبرر قد يبدو منطقياً أن التعيين مستحيل لأنه لا يتوفر هذا العام إلا 28 ألف منصب فقط!

وأكدت الوزيرة نورية بن غبريط على هامش الندوة الوطنية المخصصة للتحضير لمسابقة التوظيف، أنها أعطت تعليمات لتسهيل عملية سحب الشهادات بالنسبة للأساتذة المتعاقدين، مضيفة أن قرار التوظيف العمومي بتثمين الخبرة المهنية، هو قرار هام وتتعهد الوزارة بتوفير كل الظروف المواتية لتطبيقه على أرض الواقع، معترفة بأن مسابقة التوظيف لهذا العام ستجرى في "ظروف خاصة"، وأن الوزارة ستتجند لمكافحة البيروقراطية.


لا شفافية!

وشهدت الحركة الاحتجاجية للمعلمين المتعاقدين تعاطفاً من نقابات التعليم المختلفة، ففي خطوة تضامنية بدأ المجلس الوطني المستقل للتربية إضرابه المفتوح في كل ولايات الجزائر، وهدد بمقاطعة الفصل الدراسي الثالث وشل الامتحانات الرسمية تماماً، ويؤكد الأستاذ يوسف بوزيد عضو المجلس الوطني أن تجاهل وزيرة التربية والتعليم لمطالبهم سوف يصعد الأمور ويدفع بقطاع التربية إلى الهلاك قائلاً: "يعاني المعلم المتعاقد من تأخر دفع الرواتب، فهو يضطر للاستدانة لتغطية مصروفاته، ولا يحصل على المنح التي توفر لمن تم تعيينهم، وقد قاموا باحتجاجات سلمية عديدة، ولم يُستجب لهم، فاضطروا لنقل الاحتجاج إلى العاصمة عند مقر وزارة التربية الوطنية، وقد أرسلت لجنة - لا تمتلك قراراً- من الوزارة للتفاوض مع المعلمين لكن تم رفضها، فيجب أن يتم احترام هؤلاء بالتحدث معهم عبر ممثل رسمي من وزارة التربية".

ويقول الأستاذ المحتج أمير فالوف: "يجب أن تستجيب الوزارة لمطالبنا، وهذا حال حكومتنا الجزائرية أنها تنصت لشعبها الذي لا يضرب إلا بعد معاناة حقيقية، فمسابقة التوظيف التي أجريت العام الماضي يشهد الجميع بأن من فازوا فيها وتم تعيينهم كانوا أقل خبرة من الآخرين، وهذا يثبت أن القائمين عليها لم يتمتعوا بالشفافية، فكيف تستبعد معلمة بخبرة 16 عاماً؟".

ويضيف قائلاً: "والأسوأ أنه في عامي 2011 و2012 تم تعيين بعض المعلمين دون إجراء مسابقة توظيف! فلا يتم مراقبة التزوير والتلاعب بالنتائج في مثل هذا الاختبار، والعام الماضي أقصوا من هم في القوائم الاحتياطية، ووظفوا معارفهم بدل المتعاقدين القدامى، لذلك سوف نستمر في إضرابنا عن الطعام حتى الموت، وسوف ينضم إلينا المئات من المعلمين القادمين من ولايات مختلفة".

وتتفق معه ميرال أنيس:"نطالب بالإدماج مع إبقاء المسابقة للمترشحين الجدد، فمع تقاعد عدد من المعلمين ستتاح الكثير من المناصب التي تكفي الناجحين في المسابقة وكذلك المتعاقدين القدامى".

إلا أن كريم سعيدة الذي يعمل في مدرسة خاصة يختلف معهم قائلاً: "التصعيد ليس حلاً، أرى أن يتم احتساب نقاط إضافية حسب سنوات العمل، فهذا يرضي الجميع، فمن الظلم مساواة من يعمل في التدريس بخبرة 10 سنوات، بمن هو حديث التخرج!".

ورغم هذا، فإن طريقة الاحتجاج أثارت غضب بعض المعلمين حيث يقول يوسف بوشاشي: "هل المال والمنصب أهم من الشرف والقيم؟ كيف يبتن المعلمات في العراء لمدة تتجاوز عشرة أيام مشياً من ولاية بيجاية للجزائر العاصمة، حتى وإن كان معهن الحق؟".

تعديل المناهج الدراسية

وبالتزامن مع الإضراب انتقدت 5 نقابات بقطاع التربية الوطنية تغيير المناهج التربوية، ودعت إلى ضرورة إطلاعها على المحتويات الجديدة قبل إصدارها.

وقد اعترضت هذه النقابات على سياسة التعتيم والسرية المنتهجة فى تغيير البرامج والمناهج المدرسية، ورفضت سياسة الأمر الواقع والتسرع في تطبيق الإصلاحات الجديدة في ظل هذه الظروف، وأوضحت في بيان مشترك حمل توقيع كل من الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين، والمجلس الوطني المستقل لمستخدمي التدريس للقطاع ثلاثي الأطوار، والنقابة الوطنية لعمال التربية، والاتحادية الوطنية المستقلة لمستخدمي الإدارة والنقابة الوطنية المستقلة لأساتذة التعليم الابتدائي، إلى جانب المنظمة الوطنية لأولياء التلاميذ، أن الإعلان عن تنصيب برامج ومناهج الجيل الثاني وإطلاق الكتب المدرسية تم في تغييب مقصود لفاعلي القطاع وممثليهم الشرعيين، وبالاستعانة بخبراء فرنسيين.

في حين أكدت وزارة التربية أن كتابة البرامج التربوية الجديدة لا يمكنها بأي حال من الأحوال المساس بالثوابت الوطنية، لأنه من واجب القطاع ترقية القيم المتصلة بالإسلام والعروبة والأمازيغية، كما أنه يسعى إلى غرس الشعور بالهوية الوطنية في نفوس أطفالنا وتنشئتهم على حب الوطن والاعتزاز بالانتماء إليه وتعلقهم بالوحدة الوطنية ورموز الأمة، لكنه من الطبيعي التعاون مع خبراء أجانب للاستفادة من الخبرة الأجنبية بهدف تحسين خبرة الأساتذة والمفتشين، كما أنه لم يتم الاستعانة بالخبرة الفرنسية فحسب، بل أيضاً بالخبرة التي تتيحها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) والخبرة البلجيكية والإنجليزية.

الطلاب ضحية الإضراب

وقد راسلت المنظمة الوطنية لأولياء التلاميذ الرئيس بوتفليقة مطالبين بإنقاذ الفصل الدراسي الثالث بعد فشل وزيرة التربية السيدة نورية بن غبريط في التفاوض مع المعلمين، وذلك لتمكين التلاميذ من استكمال المنهج الدراسي والخضوع لامتحانات نهاية العام، وأكدت المنظمة تضامنها مع المعلمين بالمطالبة بتعيينهم بعد تكوينهم بيداغوجياً.

وعن معاناة الطلاب يقول يحيى باقيلي: "التأخر في الدروس سيجعل استدراكها عبئاً على التلاميذ، فهذا سيتطلب مجهوداً إضافياً من المدرسة وضغطاً نفسياً على الأولاد، لذلك يجب أن توفر الوزارة معلمين بديلاً عن من دخلوا في الإضراب، فمصلحة الطلاب فوق الجميع الآن، وحتى ذلك يجب توفير أنشطة بديلة حتى تتفق الأطراف وينتهي الإضراب، كمطالبتهم بتجهيز بعض الأبحاث الدراسية من خلال الإطلاع في المكتبة حتى لا يضيع وقتهم، أو قد يتم نقلهم إلى المراكز الثقافية خلال ساعات الدراسة، أو غيرها من الأفكار".

المساهمون