التعليم السريع.. الحل السحري للاجئين

التعليم السريع.. الحل السحري للاجئين

30 سبتمبر 2015
التعليم السريع يختصر الدراسة الابتدائية إلى 3 سنوات (Getty)
+ الخط -
وفق إحصاءات "اليونسكو" والتي وردت في تقرير "التعليم للجميع" لعام 2013، فإن عدد الأطفال غير الملتحقين بالمدرسة وصل إلى 57 مليون طفل، و50% من هؤلاء غير الملتحقين بأي برنامج تعليمي رسمي هم الأطفال القاطنون في مناطق النزاع، وقد أثبتت الدراسات أن ثلاثة أرباع من يلتحقون بالمرحلة الابتدائية فقط هم من يكملون مسيرة التعليم إلى نهايتها. 

ومن بين المناطق الأكثر تعرضاً لمثل هذا الأمر منطقة الصحراء الكبرى، فالدول الأفريقية جنوب الصحراء شهدت انخفاضا في عدد الملتحقين بالمدرسة من 58% إلى 56% ما بين 1999 وعام 2000، وأخذت النسبة في الانخفاض بعد ذلك وخصوصا بعد تفشي مرض الإيبولا وتكرار الجفاف في القرن الأفريقي. ولا يعني هذا أن من يلتحقون بالمدرسة حالتهم ممتازة إذ إن التعليم الذي يتلقونه بعيد كل البعد عن المستوى التعليمي عالي الجودة، أو المحقق لأدنى معايير الكفاءة.

وفي أحدث الإحصاءات الواردة في هذا الشأن، نجد أن 250 مليون طفل، على مستوى العالم، يفتقرون لمهارات التعلم الأساسية مثل القرائية ومهارات الكتابة أو العمليات الحسابية الأساسية من جمع وطرح.

التعليم السريع
في مثل هذه الأجواء يلجأ العاملون في مجال التعليم مع اللاجئين والمهمشين إلى أنماط تعليمية غير معتادة ومختلفة، لتتوافق مع الظروف والبيئات التي يتواجدون فيها، وتتوافق خصوصا مع قلة الموارد والتي من بينها الكادر التدريسي المدرب والمناهج المطبوعة.

ومن بين الأنماط التي يلجأ إليها كثير من الهيئات والمؤسسات العاملة مع فئة اللاجئين والنازحين "التعليم السريع" أو "التعليم المتسارع"، كما يطلق عليه البعض.
وفي الأدبيات الغربية، يسمون هذا النمط بالفرصة السانحة أو الفرصة الثانية، كما يطلق عليه وصف "العودة للمسار" أو "المسار الأسرع".

وقد قامت الشبكة العالمية لوكالات التعليم في حالات الطوارئ بتعريف نمط التعليم السريع بأنه "برامج تعليمية تساعد الطلبة الذين توقفوا عن استكمال مسيرتهم التعليمية، أو لم يلتحقوا بالمدرسة قط، على أن ينخرطوا في العملية التعليمية من خلال مناهج تركز على الأساسيات التعليمية تقدم بصورة مكثفة في فترة زمنية أقل، مع دمج عدد من المستويات مع بعضها البعض".

وتعتبر برامج المرحلة الابتدائية والتي تستهدف أن يكمل الطلبة المرحلة، وينخرطوا في المرحلة التي تليها، من أكثر البرامج شيوعاً، ففي برامج تقدم مناهج المرحلة التأسيسية في 3 سنوات بدلاً من ست سنوات مستفيدة من الفترات البينية، كالإجازات الصيفية والإجازات الأخرى ومستفيدة من عملية دمج السنة التعليمية الواحدة في فترة زمنية أقل.

تجربة ليبيريا
تهدمت أكثر من 80% من المباني التعليمية أثناء الحرب الأهلية الطاحنة، التي مرت بها دولة ليبيريا في الفترة التي سبقت التسعينيات، وفي أواسط التسعينيات سادت البلاد فترة من الهدوء النسبي أمكن خلالها إعادة بناء بعض ما تهدم، ولكن سرعان ما عادت النزاعات السياسية لتلقي بظلالها الكئيبة على البلاد ما بين عام 2001- 2003 وتهدم عدد كبير من المباني التعليمية وما بقي قائماً لم يسلم من الأضرار.

وخلال الفترة من 2003- 2004 قامت وزارة التربية والتعليم – بعد أن هدأت الأمور قليلا بالتعاون مع اليونسيف في وضع خارطة طريق لتقييم الوضع التعليمي وكانت البداية بتقييم ما تم تسميته بالمساحات القابلة لعملية تعليمية، وأشارت النتائج إلى أن 20% من المدارس تهدمت بالكامل، أما الباقي فبحاجة ماسة لإعادة التأهيل.

وبالنسبة للكادر التربوي فقد أثرت الحرب عليهم بصورة كبيرة ونزح عدد كبير منهم أو خرجوا من البلاد، ومن بقي منهم لم يستلم مرتبه منذ عام 1989 بصورة منتظمة، فلحق العديد منهم بوظائف أخرى. وبالتالي لجأت المدراس للاستعانة بكادر غير مؤهل بالمرة وأشارت التقييمات إلى أن 62% منهم ليست لديهم الخبرة أو الكفاءة المطلوبة.

وبخصوص الطلبة، فقد أدت زيادة مصروفات المدارس إلى تسربهم، وبصفة خاصة الإناث منهم، فقد كانت نسبة البنات الملتحقات بالمدراس قبل الحرب الأهلية 75% ، وانخفضت النسبة لتصل إلى 35% في 2002 بالمقارنة بـ 48% نسبة للذكور.

الواقع والتطبيق
قامت الحكومة الليبيرية بالتعاون مع اليونسيف بتصميم برنامج للتعليم السريع في عام 1998 وبالرغم من الحرب والظروف السياسية، إلا أن الالتزام بالبرنامج ظل قائماً لفترات مطولة، وشهد تفعيلا كاملا (بكل مكوناته بدءاً من 2006).
ويعتبر هذا البرنامج من أكثر البرامج نجاحا في أفريقيا، وقد قام على فكرة دمج المرحلة التأسيسية إلى ثلاث سنوات بدلا من ستة.
وفي عام 2005 قامت هيئة اللاجئين النرويجية Norwegian Refugee Council (NRC) بتنفيذ الجزء الأكبر من البرنامج في ليبيريا وبدأت بالمناطق الغربية والتي ضمت مائة مدرسة.
واستهدف البرنامج التلاميذ من المرحلة السنية 10-17 الذين تسربوا من التعليم، أو الذين لم يلتحقوا بالمدرسة قط، وعملت على تيسير استكمال مناهج المرحلة الابتدائية كلها في 3 سنوات.

اقرأ أيضا: للتعليم في مناطق النزاع.. "معايير الحد الأدنى"

خصائص البرنامج
1. منهج صمم خصيصا للتعلم السريع من قبل اليونسيف بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم.
2. ينتهي البرنامج بامتحان المرحلة التأسيسية المؤهل للمرحلة المتوسطة.
3. المستهدفون للبرنامج هم المتسربون من سن 10-17.
4. المناهج التي يتم تدريسها: الرياضيات – اللغة – الفنون – العلوم – الدراسات الاجتماعية.
5. هناك منهج خاص بالمهارات الحياتية يتضمن دروساً عن حقوق الإنسان – مرض الإيدز والأديان.
6. حجم الصف لا يزيد على 30 طالباً.
7. الدراسة على مدار العام ولها تقويم محدد بها.
8. يتم تشارك كافة الموارد التعليمية بين الهيئة التنفيذية والحكومة لاستخدامها في باقي المدارس (التي لا يُطبق فيها
البرنامج).
9. الدراسة في المتوسط 4 ساعات يومياً.
10. الحصة مدتها 40 دقيقة.
11. معلمان في الصف الواحد – معلم ومعلم مساعد.
12. هناك آليات للرقابة والتقييم .

نتائج التطبيق
يعتبر البرنامج الذي تم تطبيقه في ليبيريا ما بين 2005- 2009، من أبرز النماذج الناجحة، وتوجد العديد من المؤشرات لذلك النجاح، فقد طبق البرنامج في 15 ولاية وغطى 59% من مدارس البلاد حتى عام 2009، إلا أن النتيجة والتأثير الكبير كانا عندما أدرجت الحكومة الليبيرية هذا البرنامج وهذا النمط من التعليم في سياستها التربوية، وبالتالي تم التعاون مع العديد من الهيئات والأطراف لتنفيذ البرنامج حتى وصل إلى 12 هيئة ومؤسسة حتى نهاية 2011.

أما بالنسبة للطلبة والمنخرطين في البرنامج فقد نجح أغلبهم في اجتياز الامتحانات، ومن ثم التحاقهم بالمرحلة المتوسطة، فقد قام 90% منهم باجتياز امتحان الابتدائية، بالرغم من أن نسبة الإناث اللائي قمن بامتحان الابتدائية كان أقل من نسبة الذكور ( 37 % من الإناث) إلا أن علاماتهم كانت أعلى من علامات الذكور.

قصة حواء
إحدى الطالبات الملتحقات بالبرنامج، وهي حواء فانبولا، كانت في السابق تدرس بالمرحلة الابتدائية ولكن ظروف الحرب حالت دون استكمال دراستها، حيث قام الأهل بالترحال والإقامة في منطقة نائية، وقد تجاوزت الـ 16 عاما، ولم تعد في سن من هم بالمرحلة الابتدائية.

تقول حواء: " سعدت أيما سعادة عندما أخبرني عمي بافتتاح برنامج للتعلم السريع يستهدف من هم مثلي، وسرعان ما انخرطت في البرنامج في أكتوبر/تشرين الأول 2007، وقد سافرت إلى معسكر ماريد للاجئين، حيث كان الامتحان"، وعندما سئلت حواء عن انطباعها حول الامتحانات، وكيف كان أداؤها، ردت بانفراجة واضحة في ملامح وجهها كما رفعت إبهامها إلى أعلى مرتين كعلامة على الاستحسان، ثم قالت: "كل شيء على ما يرام أنا الآن بخير". وتتمنى حواء أن تلتحق بالمراحل التعليمية التالية، وأن تدرس الطب وأن تكون طبيبة لأهلها وأهل منطقتها.

تقييم البرنامج
وفي نهاية البرنامج، قام القائمون عليه بتقييم التجربة وتدوين وتوثيق كافة مراحلها للاستفادة منها، حيث يعتبر العاملون في مجال تعليم اللاجئين تلك الوثائق بمثابة مرجع هام، ومن أهم ما جاء في الوثيقة النهائية ما عرض لعوامل نجاح التجربة، وهو "العمل على ومن ثم النجاح في إقناع الحكومة الليبيرية في إدراج (نمط التعليم السريع) كأحد الأنماط المعتمدة، وقد ساعد ويسر التعاون الوثيق مع الحكومة في عملية تسجيل الطلبة وعملية الرقابة على المعلمين وتدريبهم.
فكانت الحكومة دوما على دراية بما يتم، وما هي الخطة المتبعة، وبالتالي تم تلافي التحدي الأكبر الذي يعيق كثيراً من البرامج في الدول الأخرى، وهو اعتراض الحكومة أو وقوفها حجر عثرة أمام الخطط التعليمية للهيئات والمؤسسات غير الحكومية العالمية أو الإقليمية.

اقرأ أيضا: إذا توقفت المدرسة فعلّم ابنك في 20 خطوة

المساهمون