"قمر"... الفتاة التي انتصرت على الحرب

"قمر"... الفتاة التي انتصرت على الحرب

29 سبتمبر 2015
حينما تتحول أحلام الطيران إلى أحلام باستكمال الدراسة فقط(Getty)
+ الخط -
حلمت قمر طوال حياتها بدخول كلية طب الأسنان في الجامعة، كانت تفصح للجميع عن حلمها هذا، كلما سألها أحد عن السبب تقول له "ببساطة لأنني لا أحب الذهاب إلى طبيب الأسنان"، كانت الحرب تقترب من مدينة قمر.
الحديث عن الحرب والمخاطر والمآسي كان الشغل الشاغل للجميع، لكن شيئاً لم يثنِ قمر منذ بداية السنة الدراسية عن الدراسة، كانت تدرس كأن شيئاً لا يحدث حولها. 

ولكن وكما هو متوقع ومنتظر، تغيّر كل شيء في يوم واحد، تقول قمر "وصلت الاشتباكات إلى شارعنا في أحد الأيام، سقط صاروخ قريب منّا، فلملمنا حاجياتنا استعدادا للنزوح. طلب والدي من كل واحد منّا أن يأخذ كيساً واحداً فقط، فقد نضطر للمشي مسافات طويلة. حمل الجميع ملابسهم، أما أنا فقد حملت كتبي، فلم أكن مستعدة لأن أخسرها مهما حدث. كنا نعرف أننا قد لا نعود إلى بيتنا مرة أخرى بعد الآن".
مشت قمر ذات السبعة عشر ربيعا مع عائلتها واستقر بهم الأمر مع 3 عائلات أخرى في إحدى القرى المجاورة، "في البيت أكثر من 10 أطفال، لم يكن الوضع مناسباً للدراسة على الإطلاق، كل ما كان يشغلني أن لا يضيع تعبي وأن أستطيع التقدم لامتحان الثانوية العامة بعد عدّة أشهر".

فوق السطح
بعد عدّة أيام فقط عادت قمر للدراسة، "كان سطح المنزل المكان الوحيد المتاح للدراسة".
وبدا لقمر أن التحاقها بمدرسة أخرى أو دروس خاصة ذلك الحين مهمة شبه مستحيلة، في ظلّ الضيق المادي الذي كانت تعاني منه عائلتها، بعد أن خسر والدها عمله "كلما طلبت أن ألتحق بأي مدرسة يشعرني جميع من حولي بالذنب ويقولون لي: ما الذي ستنفعك به المدرسة في هذه الظروف، إننا لا نجد ما نأكله".

لم تستسلم قمر لما يقال لها ويثنيها عن الدراسة، صمّمت على أن تعتمد على نفسها ولا تضيّع المزيد من الوقت، وقررت متابعة دراستها وحيدة حتى يحين موعد الامتحان "لم أستطع الوصول إلى أساتذتي في المدرسة. لم ينزح أحد منهم إلى القرية نفسها، انقطعت أخبارهم كلياً. طوال فترة دراستي كنت أستذكر جملهم وعباراتهم التشجيعية لأستمدّ العزيمة".

الأمر لم يكن سهلاً عليها "وجدتُ صعوبة في فهم العديد من المسائل. لم يكن هناك من أستعين به. استعصت عليّ الكثير من المسائل، خاصة في الفيزياء والرياضيات. في بعض الأحيان كنت أشعر بالعجز"، مارس المحيطون بقمر دوراً سلبياً "كانوا جميعاً مكسورين بسبب مآسي الحرب، البعض كان يسخر مني، كلما وجدوا الكتاب في يدي طلبوا مني أن أساعدهم في شيء ما أو أن أقوم بأعمال المنزل".

اقرأ أيضا:إذا توقفت المدرسة فعلّم ابنك في 20 خطوة

على ضوء الشموع
هرباً من الضجيج والمضايقات، باتت قمر تدرس خلال ساعات الليل على ضوء الشموع، خاصة أن البرد اشتد ولم تعد تستطيع المكوث طويلاً في الخارج. قالت أيضاً إنها ابتكرت حلاً "طلبت من صديقتي التي تسكن في جوار بيتنا وتحضر دروساً خاصة، أن تعيرني دفاترها خلال ساعات الليل على أن أعيدها لها خلال ساعات الصباح الباكر. ساعدني هذا كثيراً، كنت أطلب منها أحياناً أن تسأل أستاذها عن بعض الاستفسارات وتأتي لي بالأجوبة لاحقاً".

التهرّب من الزواج كان المهمة الأصعب بالنسبة إلى قمر، ازدادت الضغوط العائلية عليها أكثر "عرض عمي على والدي تزويجي بابن عمي، وبقائي لديهم في منزلهم، وافق أبي بسرعة، قال لي إنه الحل الأفضل حتى أتخلّص من مشقة النزوح من منزل إلى آخر".

رفضت قمر عرض الزواج بإصرار، قالت للجميع إنها تريد أن تكمل تعليمها وتصبح طبيبة أسنان، لكن أحداً لم يقنع بكلامها. تطورت خلافات قمر مع أهلها بسرعة "كان الجميع غاضباً مني، أرادوا منعي من الدراسة حتى أقبل بالزواج، أصريت على الرفض بعناد، قال والدي لي إنه لن يزوجني غصباً عني لكنه لن يسمح لي بالدراسة أيضاً، جمع كتبي وأحرقها أمامي".

توقفت قمر عن الدراسة قرابة أسبوع، كانت تبكي كل يوم، وقعت في اليأس إلى أن نزحت خالتها إلى المنزل الذي كانوا يعيشون فيه، كانت تحمل لقمر كنزاً معها "جاءت خالتي بكتب الثانوية التي كانت لابنها بالخطأ، ظنّت أنها كتبه الجامعية، فأصبحت من نصيبي، شعرت أن الله أرسل لي هدية من السماء، هرعت لأشتري شموعاً في اليوم نفسه وعدت للدراسة من جديد".

الحلم يتحقّق
كانت قمر تقترب من حلمها مع اقتراب موعد الامتحان، "كان عليّ الذهاب إلى مدينة أخرى حتى ألتحق بمركز الامتحان، خفت كثيراً أن يمنعني والدي، لكنه وافق بسلاسة، كانت المرة الأولى التي أشعر فيها أن عائلتي تساندني في تحقيق حلمي. سافرت مع والدتي، وبتنا في منزل أقاربنا طوال فترة الامتحان".

حازت قمر على معدل (93%) في نتائج الثانوية العامة، "لم يخوّلني المعدل لالتحق بكلية طب الأسنان، لكنه يتيح دخول إحدى كليات الهندسة. لا بأس لا تزال أمامي سنوات طويلة لأنجز الكثير. خسرت الكلية التي أتمناها، لكنني انتصرت على الحرب".

تعتبر قمر أن الواقع السيئ الذي عايشته لا ينفصل عن الظروف الصعبة التي يعيشها جميع الطلاب السوريين، بعد أن دمّرت منازلهم ونزحوا مع عائلاتهم من منطقة لأخرى ومن مدينة لأخرى بسبب الحرب والقصف المستمر.

اقرأ أيضا:تفاءلوا.. لا بديل عن ذلك

المساهمون