دراسة: نُظُم التعليم العربية لا تراعي سوق العمل

دراسة: نُظُم التعليم العربية لا تراعي سوق العمل

25 اغسطس 2015
25% من الشباب العربي عاطلون عن العمل (Getty)
+ الخط -
حذر تقرير دولي جديد من التحديات التي تواجه النظم التعليمية في العالم العربي، وأبرزها افتقاد الربط بين التعليم من أجل حياة منتجة وتوظيف الشباب، موصياً بضرورة اتخاذ إجراء عاجل لتطوير المهارات الأساسية لدى الأطفال والشباب لتمكينهم من التقدم في المدارس وإيجاد فرص عمل لائقة تناسب سوق العمل في المستقبل الذين سيحييون فيه. 

كشف التقرير، الذي أصدره أخيراً مركز التعليم العالمي في مؤسسة بروكينجز المختصة بقضايا جودة التعليم في العالم النامي، أن الاستثمار المبكر في حياة الأطفال هو أحد أهم الاستثمارات التي يمكن للدول أن تقوم بها، مؤكداً أن التعليم المبكر يحسّن من قدرات التعلّم والتحصيل المدرسي وإنتاجية سوق العمل، مشيراً إلى أنه كلما بكّرنا بالاستثمار كلما زاد العائد الاقتصادي. 

اقرأ أيضا:طلاّب سورية... قتلى وعمّال ومجندون

ويأتي التقرير متزامناً مع ما تشهده بعض الدول العربية من تدهور في الأحوال الاقتصادية خلال الأعوام الأخيرة بسبب عدم الاستقرار السياسي والنزاعات المسلحة، صاحبتها خيبة أمل وإحباط بين ساكني هذه الدول وخاصة الشباب منهم بسبب ارتفاع نسب البطالة بينهم والتي يعتبرها التقرير من أخطر القضايا إثارة للقلق. 

ويشير التقرير إلى أن نحو 83% من التونسيين وأكثر من 70% من المصريين لا يشعرون بالسعادة إزاء الأوضاع الاقتصادية الراهنة، موضحاً أن نسبة البطالة بين الشباب التونسي وصلت إلى 75%، وهو ما يدق ناقوس الخطر على الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد. 

ويعاني أطفال سورية من الحرمان من دخول المرحلة الأساسية، حيث يبلغ عددهم 6 ملايين طفل، ما جعل المنطقة تواجه أكبر أزمة تعليمية في تاريخها. 

جودة التدريس 
وينتقد التقرير عدم الاهتمام بقضايا التعليم في الوطن العربي من أجندة الاهتمام العام في الدول العربية رغم خطورتها، ويدعو لتسليط الضوء على قضية التعليم وفتح حوار مجتمعي حول هذه القضية المحورية. 
ويشدد التقرير على أنه لا يمكن تحسين نتاجات التعلّم من دون معالجة لمشكلة النقص في أعداد المعلمين وفي جودة التدريس، مشيراً إلى دراسة أجرتها منظمة اليونيسكو تؤكد أنه توجد في الوطن العربي ثاني أكبر فجوة على مستوى العالم من حيث التدريس بعد الدول الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى. 

وفي هذا الإطار، يؤكد التقرير أن الوطن العربي يحتاج إلى إيجاد 500 ألف وظيفة إضافية واستبدال 1.4 مليون مدرّس ممّن سيتركون المهنة، حتى يصل إلى مستوى التعليم الأساسي العالمي. 
ويشدد التقرير على أن الحكومات وحدها لا يمكن أن تحسّن جودة التعليم، مؤكداً أن القطاعات الخاصة والأهلية لا بد أن تشارك في عملية التحسين لأنها من أهم المستفيدين من نتائج التعلّم العالي المستوى، وذلك بسبب أن الأطفال والشباب سيشكلون الكوادر العاملة لديها في المستقبل. 

ويرصد التقرير الانخفاض الكبير في عدد الأطفال غير الملتحقين بالمدارس بمقدار 3.1 ملايين طفل عربي منذ العام 2002 وحتى الآن، كما أن هناك 8.5 ملايين طفل بعيدين عن التعليم، والكثيرين منهم هم فتيات من المجتمعات الفقيرة والريفية والتي تعيش غالباً متضررة من النزاعات والصراعات. 

ويكشف التقرير أن 56% من الأطفال في المرحلة الابتدائية لا يتعلمون شيئاً أثناء وجودهم في المدرسة و48% في المرحلة الإعدادية. 
كما يذكر التقرير أنه رغم أن الفتيات أقل التحاقاً بالمدارس من الفتيان، إلا أنهن أكثر نجاحاً في الانتقال من المرحلة الابتدائية إلى الإعدادية والثانوية، كما يتفوّقن على الفتيان من حيث التعلّم، ورغم ذلك فإنهن أقل حظاً في التعيين في الوظائف من الشباب. 

أزمة العمالة 
ويعتبر التقرير أن هناك عدة فجوات ونقصاً في بيانات التعليم في البلدان العربية، فلا يوجد سوى عدد قليل من البلدان هي التي تعمد بشكل منهجي لقياس أمية القراءة والكتابة والحساب في كل من المراحل الابتدائية والإعدادية. 
ويؤكد التقرير أن الدراسات المسحية التي أجراها القطاع الخاص في الوطن العربي تؤكد أن أزمة المهارات في المنطقة ساهمت في تعميق أزمة العمالة، مشيراً إلى أن الأزمة تتفاقم مع النمو السريع في التعداد السكاني للشباب. 
فبحسب التقرير، هناك 55% من السكان هم دون سن الـ24 عاماً، أما من هم دون سن الـ30 عاماً، فيبلغ عددهم 67%. وعلى الرغم من ذلك، فإن معدل التوظيف الإجمالي يزداد بنسبة 3.3% سنوياً، إلا أن هذا النمو لا يكفي لاستيعاب التزايد في أعداد الفئة العمرية العاملة.

ويضرب التقرير مثالا على مصر حيث أنه في منتصف السبعينات من القرن الماضي وجد حوالي 80% من الشباب وظائف لهم في المؤسسات العامة أو الحكومية، إلا أن مثل هذه الفرص لم تعد موجودة اليوم، حيث أن عوامل العرض والطلب هذه قد أدت مجتمعة إلى رفع معدلات البطالة بمعدل 10%.

ويضيف التقرير إلى أنه مع تراجع القطاع العام أصبح الشباب العرب يعتمدون أكثر على الفرص التي يقدمها لهم القطاع الخاص، ولكن في حين أن الاستثمار الخاص يشهد نموا الا ان الدراسات تشير الى انعدام المؤهلات المتوافرة مما يشكل عائقا أمام عملية التوظيف.

وفي هذا السياق أصدر البنك الدولي تقريرا عام 2013 منطلق من الدراسات المسحية التي تجريها شركات القطاع الخاص أوضح فيه أن حوالى 40% من أصحاب الأعمال في القطاع الخاص في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يعتبرون النقص في المهارات من أهم العوائق التي تقف في طريق تيسير الأعمال ونمو الشركات، وتعد هذه النسبة هي الأكبر مقارنة بجميع المناطق النامية حول العالم.

ولعل أزمة امتلاك المهارات بين الشباب وتأثيرها على التوظيف وارتفاع معدلات البطالة، يصاحبها ظهور أزمة أخرى وهي ظروف العمل السيئة لمن يعملون، فمن بين الشبان والشابات الحاصلين على وظائف في مصر هناك ما نسبته 28% يعملون في القطاع الرسمي العام والخاص، منهم 18% يعملون في القطاع العام و10% يعملون في القطاع الخاص، أما الباقي، 72%، فيعملون في القطاعات الصغيرة والصغيرة جداً بدون عقد عمل أو ضمان وظيفي أو ضمان اجتماعي. 

كما تشير الدراسات المسحية الرسمية في مصر إلى أن معدلات توظيف النساء في القطاعات الصغيرة والصغيرة جداً تبقى متدنية بنسبة لا تتجاوز 11.4%، وأن أكثر من نصف النساء العاملات في هذه القطاعات دون سن 25 عاماً، وبالتالي فإن فرص العمل بالنسبة للشابات في العالم العربي ومعدل مشاركتهن في سوق العمل متدنية جداً، حيث بلغت نسبة البطالة في صفوف النساء 20%، وهي أعلى نسبة مقارنة بأي منطقة نامية في العالم. 

الخروج من الأزمة 
ويتّفق خبير التدريب والتعليم المهني في مصر، الدكتور أحمد العشماوي، مع هذه الرؤية التي طرحها التقرير، ويقدم عدداً من التوصيات للخروج من "أزمة التنافر بين المهارات وسوق العمل في العالم العربي"، كما يطلق عليها. 

ويعتبر العشماوي أنه وفقاً لبيانات مبادرة منظمة التمويل الدولية الإقليمية بعنوان "التعليم من أجل التوظيف"، فإن 25% من الشباب العربي عاطلون من العمل، وهي أعلى نسبة في العالم، وتكلف هذه البطالة وانعدام الإنتاجية المنطقة ما بين 40 إلى 50 مليار دولار سنوياً بسبب الفرص المهدورة، وهي أموال كان بالإمكان إنفاقها على إصلاح الوضع القائم الصعب والدقيق. 

ويؤكد العشماوي على أنه للخروج من هذه الأزمة لا بد من تشجيع مراكز التدريب والتعليم المهني والتقني على تقوية الروابط مع أصحاب العمل في كل جوانب عملها، ابتداءً من التخطيط وتقييم حاجات السوق إلى تطوير المعايير الوظيفية والمناهج وتنفيذ الدورات ودعم الطلبة في إيجاد وظائف مناسبة. 

ويضيف: كما يجب تقييم هذه المراكز بناءً على درجة انخراط أصحاب العمل فيها، وهو ما يمكن تحقيقه من خلال شمول أصحاب العمل في الهيئات التنفيذية ومجالس إدارة المدارس، ودعم مراكز التدريب والتعليم المهني والتقني للطلبة في إيجاد وظائف وهم على مقاعد الدراسة في المدرسة أو الكلية من خلال شبكاتها المحلية مع أصحاب العمل ومن خلال إدارة أفضل لعلاقاتها مع القطاعات في التدريب الموجّه بناءً على حاجات العمل والتمرين المباشر في منشآت الجهات الموظِّفة. 

ويعتبر العشماوي أن تقديم مراكز التدريب والتعليم المهني والتقني خدمات الإرشاد مدى الحياة كجزء من خدماتها للطلبة، يجب أن يبدأ بتأسيس أدوات النصح المهني بعمر مبكر حيث يحصل عليها الأطفال حتى قبل دخولهم إلى هذه المراكز، ويستمر في كل الأعمار، وهو ما يتطلب التنسيق مع الوزارات المختلفة والسلطات طوال فترة حياة المواطنين. 

ويدعو العشماوي إلى ضرورة أن يبادر أصحاب العمل للعب دورهم في تحديد المعايير الوظيفية، وتطوير المناهج، وتوفير روابط حقيقية للطلبة مع القطاعات، وتزويد المعلمين والمدربين بأحدث الوسائل التكنولوجية في القطاعات. 
كما يدعو العشماوي إلى إطلاق حملة وطنية لتغيير الأفكار النمطية وتحسين صورة مراكز التدريب والتعليم المهني والتقني بهدف تشجيع الطلبة والأهالي، ويمكن تحقيق ذلك من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والدراما وبرامج تلفزيون الواقع.

اقرأ أيضا: كليات القمة تؤدي إلى القاع.. هل توافق؟

المساهمون