سياسة الجوار الأوروبي تشرّع أبواب الاستغلال

سياسة الجوار الأوروبي تشرّع أبواب الاستغلال

05 اغسطس 2016
أحد اللاجئين السوريين في تركيا (أليف أوزتورك/ وكالة الأناضول)
+ الخط -
أدخل الاتحاد الأوروبي منذ اندلاع الثورات العربية تعديلات على ما يعرف بسياسة الجوار، وهي السياسة التي ينتهجها في التعامل مع الدول المحيطة به جغرافياً، والبالغ عددها ست عشرة دولة. وتطاول سياسة الجوار عدداً من دول المنطقة العربية، منها دول شمال أفريقيا والأردن ولبنان وفلسطين وسورية.


أقلقت الثورات الاتحاد الأوروبي، وأظهرت الصورة أن المنطقة التي تفجّر فيها حراك شعبي واسع قد تشتعل مرة أخرى، مما دفع الأوروبيين إلى التركيز على القضايا الاقتصادية ومكافحة الفقر وتحقيق تعاون مع دول الجوار.

وراجع الاتحاد سياسته مرة أخرى في العام الماضي، مع تدفق اللاجئين من المنطقة العربية واشتعال أتون الصراعات السياسية المسلحة في سورية والعراق وليبيا، الأمر الذي دفع الاتحاد الأوروبي إلى وضع سياسة جديدة تضع قضية اللاجئين والهجرة والتعاون الأمني على رأس أولويات عمله مع الشركاء من دول الجوار.
عقدت مفوضية الاتحاد الأوروبي مؤخراً مؤتمراً في الأردن، شارك فيه نحو 150 من ممثلي هيئات ومؤسسات المجتمع المدني بالمنطقة العربية للنقاش حول سياسة الجوار ومواقف الاتحاد الأوروبي. وقد كان لافتاً للنظر احتلال القضايا الاقتصادية جانباً كبيراً من النقاش، إلى جانب سياسة الاتحاد الأوروبي في التعامل مع الظروف السياسية الحالية بطريقة لا تخدم سوى مصالح الاتحاد الأوروبي وتخالف ما ينادي به من قيم أعلنها في سياسة الجوار منذ 2004.

على الصعيد الاقتصادي رفض أغلب المشاركين السياسات الاقتصادية التي تفرض على دول الجوار، خصوصاً في ما يتعلق بالتعاون الاقتصادي الذي ينتج فوائض مالية وأرباحاً لدول الاتحاد الأوروبي، بينما يهدر موارد وفرص التنمية بالمنطقة العربية. كما رفضوا سياسات الإقراض المالي التي ينتهجها الاتحاد الأوروبي ويفرض من خلالها إجراءات اقتصادية تفكك البنى الاقتصادية العربية، تحت مسميات الإصلاح الاقتصادي، والذي يتضمن بيعاً للقطاعات والخدمات العامة.

وجرى أيضاً التركيز على رفض سياسة الاتحاد الأوروبي في ما يتعلق بالتعاون الأمني والعسكري، والذي يقتصر على صفقات سلاح بمليارات الدولارات تستنزف ميزانيات الدول، بدلاً من توجيهها لخطط التنمية. وانتقد المشاركون أيضاً سياسة الاتحاد الأوروبي في ما يتعلق بملف الديمقراطية، حيث شدّد أغلب الحاضرين على "أننا لا نريد منكم دعم الديمقراطية في بلدننا العربية ولكن نريد منكم فحسب وقف دعمكم للاستبداد ووقف لعبكم أدواراً تسهم في إدامة الصراعات المسلحة بالمنطقة".
وبدا واضحاً من النقاشات التي دارت خلال يومين أن ممثلي المجتمع المدني العربي يحملون هموماً متنوعة، في مقدمتها مشكلات البطالة والتنمية وتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية، وأنه لا معنى لرفع شعارات الدفاع عن الديمقراطية والحريات بدون تحقيق العدالة الاجتماعية وتحديث وبناء المجتمعات العربية.

فانتقاد انعكاسات السياسات الاقتصادية للاتحاد الأوروبي في المنطقة كان حاسماً، خصوصاً لناحية الضغط على حكومات الدول لإحلال القطاع الخاص محل القطاع العام في الاستثمار، والذي يوصي به الاتحاد الأوروبي كطريق لتحقيق نمو اقتصادي والتخلص من الفساد.


كذلك، كان صوت المنظمات النسائية والعمالية والشبابية بارزاً، ويحمل هموم تلك المنظمات والفئات التي تمثلها، بينما راحت بعض الأصوات الصادرة عن منظمات غير حكومية قريبة من النظم الحاكمة في بلدانها تمتدح ليس سياسة تلك النظم وحسب، وإنما سياسة الاتحاد الأوروبي أيضاً.

وفيما تطرق المؤتمر إلى قضايا الأمن والسلام والهجرة وكيف يساهم التعاون المشترك بين دول الجوار في تخفيف الاحتقان القائم في المنطقة، إلا أن ما أعلنه الاتحاد بشأن خلق فرص عمل من طريق دعم التنمية الاقتصادية، كان محل انتقاد. فبرامج التمويل والشركات المستفيدة لا تخدم فعلياً سوى الاتحاد الأوروبي، وبالتالي فإن أي حديث عن مساعدة دول الجوار للحد من العنف يصبح كلاماً بلا أي سند.

خلاصة القول إن أصوات المشاركين في المؤتمر أعلنت بشكل قاطع أن على الاتحاد الأوروبي أن يعالج سياسته الخارجية الاقتصادية والأمنية، بشكل يجعلها أكثر اتساقاً مع ما يعلنه من مبادئ.

فالبلدان العربية لا تحتاج إلى أزمات اقتصادية جديدة، من جراء شركات لا تحقق سوى مصالح المهيمنين الذين سرعان ما يتحولون من دور الشراكة إلى دور النهب.
(باحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية)

المساهمون