نزيف الطرقات: الفساد يزيد حوادث المرور في شمال أفريقيا

نزيف الطرقات: الفساد يزيد حوادث المرور في شمال أفريقيا

04 اغسطس 2016
البنى التحتية المتهالكة ترفع نسب الحوادث (إبراهيم رمضان/ الأناضول)
+ الخط -
لا تمُر ساعة في غالبية الشوارع العربية إلا وتُسال دماء جديدة على الإسفلت، بعدما وصل الفساد والإهمال بقطاع شبكات الطرق إلى ذروته. ويشير التقرير الذي أعلنته منظمة الصحة العالمية في نهاية العام الماضي والذي طاول 178 دولة، إلى أن الدول العربية تحتل مراتب متقدمة جداً في نسبة وفيات حوادث الطرق، وضعف المنظومة القانونية، ورداءة البنى التحتية.

وتعد دول شمال أفريقيا، بدءاً من مصر حتى موريتانيا، واحدة من المناطق البارزة التي تشهد وضعاً مأسوياً في معدلات حوادث الطرق، التي ترفع من الأكلاف الاقتصادية على المجتمع والدول، من زيادة الإنفاق الصحي، إلى خسائر في الممتلكات وصولاً إلى ارتفاع أكلاف التأمين.

ففي الوقت الذي يرصد فيه تقرير منظمة الصحة العالمية لعام 2015، وجود أكثر من 1.2 مليون شخص يلقى حتفه سنوياً جراء تصادمات الطرق، إضافة لإصابة 20 – 50 مليون شخص، تتصدر ليبيا دول العالم من حيث معدل الوفيات الذي بلغ 73.4 حالة وفاة لكل 100 ألف نسمة وذلك في ظل وقوع 4398 قتيلاً.


ويبلغ عدد الوفيات في موريتانيا 204 أشخاص بمعدل 24.5 لكل 100 ألف نسمة، ويسجل هذا المعدل 24.4 في تونس بعدد وفيات 1505 شخصاً، ويصل في الجزائر إلى 23.8 في ظل بلوغ عدد الوفيات 9337 شخصاً، بينما ينخفض المعدل في المغرب إلى 20.8 بعدد وفيات 3832 شخصاً. ورغم انخفاض معدل وفيات الطرق في مصر إلى 12.8 لكل 100 ألف نسمة، إلا أن عدد الوفيات يأتي عربياً في المركز الثاني بعد الجزائر بعدد 8701 حالة وفاة خلال عام 2015.

وهذه المعدلات مرشحة للزيادة في ظل توقع تقرير منظمة الصحة العالمية أن يرتفع ترتيب حوادث الطرق ضمن العوامل المسببة للوفيات من المرتبة التاسعة عالمياً في العام 2004 إلى المرتبة الرابعة بحلول عام 2030.

فساد في الموزانات الليبية
وترصد "العربي الجديد" معاناة المواطنين من فشل منظومة الطرق في شمال أفريقياً، وتحديداً ليبيا والجزائر ومصر.
إذ تكشف بيانات منظمة الصحة العالمية أن الدول الثلاث تفتقر إلى منظومة التدابير الشاملة لسلامة الطرق، هذا بالإضافة إلى الإهمال والفساد بقطاع الطرق.
يؤكد المحلل الاقتصادي الليبي عمرو فركاش، أن معدل الحوادث المرتفع في ليبيا لا يرتبط بشكل أساس بسوء حالة شبكة الطرق العادية والسريعة، نظراً لأن هذه الشبكة تم تصميمها منذ الاحتلال الإيطالي وخضعت لعمليات صيانة مقبولة للحفاظ على هيئتها. ويشرح: "الأسباب الرئيسية في تفاقم حوادث الطرق تكمن في عدم وجود أي ضوابط للسلامة في ظل غياب شبه كامل لتطبيق القواعد المرورية، وتحديداً بالطرق السريعة. هذا الإهمال في التعامل المروري ينجم عنه ارتفاع معدلات سرعة قيادة المركبات حتى تتجاوز 120-140 كيلومتراً في الساعة في المتوسط. وذلك في ظل غياب لأجهزة الرادار لرصد السيارات المخالفة لحدود السرعة المسموح بها"، بحسب فركاش.


وفيما ذهبت وزارة الداخلية الليبية إلى أنه في بعض الأوقات من العام يتجاوز عدد وفيات حوادث الطرق أعداد القتلى نتيجة أعمال العنف والسرقة بالإكراه واستخدام السلاح، يشير فركاش إلى أنه لا توجد إحصائيات حول حجم الفساد في منظومة الطرق، ولكن التعاملات تؤكد أن فساد الطرق يتركز بشكل رئيسي في موازنات المدن والأحياء المخصصة لتطوير البنية التحتية من الطرق والجسور والمفارق الفرعية والرئيسية داخل المدن.

ويضيف: "لا يوجد رقم محدد حول كلفة تصادمات الطرق في ليبيا، غير أنها تعادل بالطبع مئات الملايين من الدولارات قياساً إلى الدول العربية التي تشهد ارتفاع معدلات الحوادث سواء من حيث كلفة خسارة القوة البشرية أو البضائع أو إتلاف الطرق أو تعويضات شركات التأمين". وبرأي المحلل الاقتصادي، بأن حل أزمة حوادث الطرق الليبية يتطلب أولاً إعادة مراجعة قانون المرور الذي يعود إصداره إلى العام 1984.

مصر: لا إنارة ولا صيانة
يشير تقرير مركز دعم المعلومات واتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري إلى أن قتلى حوادث المرور على الطرق يمثلون 99% من قتلى حوادث النقل بأنواعه البحري والبري والجوي. واللافت في هذه الأرقام أن النسبة الأكبر من الضحايا تخص الشباب الذين يشكلون أساس قوة العمل، إذ إن 57% من الضحايا من سن 17 إلى 45 عاماً، و30% أطفال أقل من 15 عاماً و13% أكبر من 45 عاماً، بحسب إحصاءات وزارة الصحة.

ويعلق المهندس عمرو علوبة، رئيس جماعة المهندسين الاستشاريين في مصر، على وضع حوادث الطرق، قائلاً إن "معدلات الحوادث تزداد سوءاً
رغم التعليمات التي تصدرها الحكومة، مثل تنظيم سير الشاحنات الكبيرة في مواعيد محددة بالطرق الرئيسية، حيث يخالف السائقون التعليمات دون أن يتحملوا أية غرامات، بما يعكس الخلل بمنظومة المرور.

ويؤكد علوبة أن الأمر الأكثر إثارة هو المبالغ الضخمة التي تنفقها الحكومة على بناء الطرق دون أن تراعي المعايير الحديثة في تصريف مياه الأمطار، ما يتسبب في الحوادث، خاصةً في الطرق السريعة، وذلك إضافة لحالات الاختناق المروري.

في مصر، تقول الإحصاءات الرسمية إن العنصر البشري هو السبب الرئيسي في الحوادث بنسبة 73%، تليها أعطال السيارات بنسبة 22% والعوامل الجوية بنسبة 3.75% وحالة الطريق بنسبة 1.25%.
وخلصت دراسة مركز دعم واتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء إلى أن مفارق الطرق وسوء تخطيط شبكة الطرق وضعف الإنارة مسؤولة عن 23% من حوادث الطرق في مصر، وأن العوامل الجوية مسؤولة عن 4% من الحوادث.
خسائر بـ17 مليار جنيه
تعبر النسب السابقة عن العوامل الظاهرة ولكنها تخفي الفساد الذي تتستر عليه الأجهزة الحكومية تارة، وتعلن بعضه تارةً أخرى في محاولة لاستمالة الجمهور أو إثبات صدق جهودها في مواجهة الفساد.
فبداية خلل العنصر البشري تأتي من الفساد المنتشر في وحدة المرور المخصصة لاستخراج رخص القيادة، إذ إنها تخضع إلى لوبي من أمناء وضباط الشرطة الذين يفرضون إتاوات بأغلب الوحدات مقابل منح المواطنين رخص القيادة.

ويحكي أحمد حسن (محاسب، 31 عاماً)، عن المأساة التي واجهها لاستصدار رخصة القيادة العام الماضي، إذ يقول:
"بعد أن تعلمت القيادة على سيارتي لمدة 3 أشهر، ذهبت إلى وحدة شرطة مرور منطقة فيصل بمحافظة الجيزة لاستخراج الرخصة ولكني فشلت في الامتحان بسبب أن سيارة الاختبارات عبارة عن قطعة خُردة مزودة بعصا قيادة قديم صعبة التوجيه".

ويضيف: "حينها أخبرني صديقي بأنه عليّ سداد رشوة بدلاً من قيادة السيارة حتى أجتاز الاختبار. وبالفعل دفعت في اليوم التالي 1500 جنيه لأمين الشرطة وحصلت في المقابل على رخصة القيادة دون حتى أن أجرى الاختبار".

وهناك أشكال أخرى للرشاوى تتسبب في تهور السائقين، تتمثل في حصول رجال المرور بالطرق على الرشاوى مقابل التغاضي عن تطبيق القانون ضد المخالفات.
على جانب آخر، تُقدر خسائر الاقتصاد المصري من جراء حوادث الطرق بنحو 17 مليار جنيه سنوياً، حسبما أشارت النشرة السنوية للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

وبرأي رئيس جماعة المهندسين الاستشاريين، فإن معالجة الأزمة في مصر تحتاج إلى إعادة النظر في الخدمات المقدمة على الطرق، مثل تزويدها بمراكز إسعاف ثابتة على مسافات قريبة لإنقاذ المصابين، علاوةً على التوسع في شبكات مترو الأنفاق التي من شأنها تقليل الكثافة المرورية ومن ثم تقليص حجم الحوادث.

الجزائر: شبكة طرق متهالكة
لا تختلف أوضاع الجزائر كثيراً عن مصر، إذ إن شبكة الطرق الأساسية تم تصميمها منذ الاحتلال الفرنسي لاستيعاب مليون سيارة، بينما شهدت الجزائر خلال الأربع سنوات الأخيرة استيراد مليوني سيارة جديدة.

يقول الخبير الجزائري بالبنك الدولي محمد حميدوش، إن شبكة الطرق لا تستوعب الأعداد الهائلة للسيارات، فهي تتجاوز 5 أضعاف الطاقة الاستيعابية لطرق الجزائر. ويتزامن هذا مع سوء تخطيط مداخل القرى بالطرق السريعة، حيث أدت لانتشار ما يُسمى بالنقاط السوداء للحوادث.

ويؤكد حميدوش أن حالات تصادم الطرق تزداد سوءاً في الجزائر عاماً بعد الآخر نظراً لعدة عوامل، في مقدمتها أن مراقبة التزام السائقين لاحترام قواعد المرور ما زالت كلاسيكية تتم من خلال رجال الشرطة، ولم تعتمد على التكنولوجيا في رصد المخالفات، فضلاً عن غياب التكوين اللازم للسائقين وغياب منظومة ردع السائقين ونقص الإنارة بالطرق.

وقدرت دراسة أعدها الدكتور فارس بوبكري، الأستاذ بجامعة باتنة الجزائرية، في العام 2015، كلفة خلل منظومة المرور بنحو 100 مليار دينار سنوياً من جراء الحوادث.
ويشدد الخبير الاقتصادي بالبنك الدولي على أن الجزائر في حاجة ماسة إلى إعادة منظومة المرور عبر الاقتداء بالتجارب الأوروبية.

فمثلاً يتم تطبيق برنامج لتكوين مهارات قيادة لمخالفي قواعد المرور يعتمد على أن رخصة القيادة تنطوي على 15 نقطة، وعند ارتكاب مخالفة تُلغى بعض النقاط، وعندما ينخفض عددها إلى 4 نقاط يُسحب الحق في القيادة، وعلى السائق الحصول على تدريب لمدة 6 ساعات بمدارس القيادة لإضافة نقطة إلى رصيد الرخصة.
ويتابع حميدوش أنه يمكن تطبيق نظام التأمين الأوروبي القائم على منح السائق تخفيضات في صيانة التأمين في حالة عدم ارتكاب أي حادث تصادم خلال العام، بينما كلما زاد عدد الحوادث ترتفع قيمة التأمين، وعندما يصل عدد حالات التصادم لحد معين يتم إحالة السيارة إلى شركة تأمين معنية بهذه الفئة من السيارات وتخضع لسداد أكلاف تأمين باهظة.

المساهمون