التنجيد وحياكة السجاد في لبنان... صناعات أوقفتها الآلات

التنجيد وحياكة السجاد في لبنان... صناعات أوقفتها الآلات

29 اغسطس 2016
صناعات الحرير مهن تراثية (جوزيف براك/ فرانس برس)
+ الخط -
الحاج ماهر، أبو كاظم، أم وداد، وأم سعاد وغيرهم العشرات، هم الجيل الأخير لمهن كادت تنقرض في لبنان، لولا إصرارهم على ممارستها. فقد حال التطور العلمي والصناعي دون استمرار العديد من المهن الحرفية واستبدالها بمهن أخرى حديثة تحاكي العصر.

يقول الحاج ماهر، البالغ من العمر ثمانين عاماً ويعمل في تبييض النحاس، إنه لا يوجد في بيروت سوى ثلاثة مبيضين للنحاس، فيما كانت هذه المهنة مصدر عيش آلاف العائلات. يصر الحاج أبو ماهر على أنه متعلق بالمهنة لأنه يحبها، وهو لا يعتمد عليها من أجل إنتاج المال، فأولاده إلى جانبه.

من جهة أخرى، يؤكد أبو كاظم، وهو يعمل في مهنة التنجيد (صناعة أفرشة النوم)، استغرابه لعدم رغبة الناس في تنجيد فرشهم واستبدال فرش القطن والريش بالإسفنج والمواد الصناعية. يتحدث بفخر عن أن "الفرشة" المصنوعة من القطن والريش لا تسبب الآلام بعكس الفرشة الحديثة. ويشكو أبو كاظم من توقف العمل، فهو لا ينجد سوى القليل وهذا لا يكفي قوته اليومي. وعن عدد المنجدين اليوم في لبنان، يقول إنهم قلة ومعظمهم استبدل المهنة بالعمل على سيارة أجرة أو اتجهوا نحو البطالة.

وكما أبو كاظم تشكو أم وداد، السيدة السبعينية، من شبه غياب "السجاد الفيكاني"، وهو السجاد الذي اشتهرت بحياكته نساء قرية الفاكهة. وتشير أم وداد إلى أن هذه المهنة كانت من الأهم في لبنان، فكل قرية الفاكهة كانت تعتمد على حياكة السجاد، أما اليوم فلم يبق سوى بعض المنازل التي لا تزال تصنع السجاد. في حين أن نساء القرية لا يزاولن المهنة لأنها لم تعد تجني ما يتناسب مع تعبهن، فالآلات الحديثة وقفت بوجههن.

وكما المهن المذكورة أعلاه، تندثر مهنة المجّبر العربي، وتتحول بعض المهن من المهن الاستهلاكية إلى التراثية، مثل صناعة الفخار والزجاج وغيرهما.

يرى الخبير الاقتصادي، الدكتور غالب أبو مصلح، أن "المشكلة الأساسية في النظام السياسي الاقتصادي الاجتماعي في لبنان، فواجبات هذا النظام خلق فرص عمل، لكنه يتبع منذ أمد بعيد السوق الحرة والبلد المفتوح على الخارج. وتجري هذه العملية دون احتساب المخاطر التي نتعرض لها من جراء هذه السياسات".

ويضيف أبو مصلح أن "التقدم العلمي ألغى الكثير من الحرف، لأن الآلة حلت مكان ذكاء الصانع، والتقدم العلمي ينقل الذكاء من الإنسان إلى الآلة".

ويضيف الدكتور أبو مصلح أن التقدم العلمي يسرّع في عملية الإنتاج، وذلك من خلال إدخال ما هو بديل عن الإنسان من آلات حديثة. وهذه الآلات هي أقل كلفة من الإنسان، وبحال استمرار هذا التطور في الصناعة، فسنشهد المزيد من اندثار المهن.

ويشرح: "علمياً يقال إن الاستهلاك البشري من الصناعات لا يحتاج لأكثر من 20% من القوى العاملة في العالم، وبالتالي فإن 80% من القوى العاملة سوف تتعرض للبطالة، وهذا الوضع سيكون مخيفاً".

ويشير الدكتور أبو مصلح إلى أن البطالة في لبنان ناتجة عن عوامل داخلية ذاتية، سياسية واقتصادية، ولبنان لا يواكب التغييرات الحاصلة في العالم ولا يحمي صناعته. ويختم أبو مصلح أن الأرقام أو التقديرات تقول إن معدل البطالة في لبنان وصل إلى 40%، وهذه جريمة يتحمل مسؤوليتها السياسيون بشكل خاص، لأنهم غير مكترثين بآلام الناس ومشاكلهم.

"الدولة اللبنانية لم تؤمّن بديلاً فعلياً لهذه المهن التي كانت أساسية في سوق العمل اللبنانية، هذا إن أردنا تسميتها بالدولة"، هكذا يبدأ الخبير الاقتصادي الدكتور إيلي يشوعي حديثه لـ"العربي الجديد"، ويشير إلى أن مشكلة النظام الاقتصادي اللبناني "بمشغليه، من وزراء ومعنيين، فهم غير مدركين لتمرحل الأمور عبر التاريخ ولا يتابعون أو لا يستطيعون القيام بالحد الأدنى من واجباتهم، هم متخلفون حكماً". ويضيف أن التطور الصناعي والمعلوماتي لا يستطيع أن يغطي الأعداد الكبيرة من خريجين ومهنيين وحرفيين وغيرهم من الشباب.

دلالات

المساهمون