الثأر من درعا: النظام أهملها قبل الثورة... ودمّرها بعدها

الثأر من درعا: النظام أهملها قبل الثورة... ودمّرها بعدها

22 اغسطس 2016
تحرك في درعا داعم للثورة (عمار العلي/ الأناضول)
+ الخط -
سجّلت محافظة درعا السورية أعلى نسبة للنازحين بسبب الحرب، على مستوى المدن الرئيسية الكبرى، إذ بلغت النسبة من إجمالي السكان 43 في المائة بحسب "المركز السوري لبحوث السياسات".

مردّ ذلك إلى تعرض المدينة، مهد الثورة السورية، إلى أقسى أشكال العقاب الجماعي من قبل النظام السوري، ولكن أيضاً بسبب التدهور الاقتصادي المستمر، حيث طاول الدمار مختلف قطاعات الإنتاج وأضعف تراجعُ سعر صرف العملة المحلية وارتفاع الأسعار قدرةَ السكان على الصمود. مع ذلك، هنالك من قرّر البقاء في المدينة المنكوبة، يواجه التحديات المعيشية والأمنية، ويأمل في انتعاش اقتصادي في المستقبل.

تطور الحياة الاقتصادية في درعا
لم تكن الحياة يسيرة في مدينة درعا قبل اندلاع الثورة. فبرغم كونها الخزان الغذائي، الذي كان يزود مختلف المدن السورية، وخصوصاً العاصمة دمشق، بحاجاتها من الخضار والمحاصيل
الصيفية، إلا أن مستويات معيشة السكان كانت في تراجع مستمر، وذلك بسبب "السياسات الحكومية التي أهملت دعم القطاع الزراعي في العقد السابق على اندلاع الثورة"، بحسب ما يقول الباحث الاقتصادي، معن الراعي، لـ "العربي الجديد".

وقد أدّى ذلك إلى ارتفاع معدلات الفقر في المنطقة الجنوبية عموماً، وفي مدينة درعا خصوصاً، التي شهدت أكبر زيادة في معدلات الفقر بين عامي 2004 و2007 بارتفاعها بمقدار الضعف، وذلك بحسب التقرير الوطني الثالث للأهداف التنموية للألفية في سورية 2010.

ومع اندلاع الثورة من مدينة درعا، تعرضت المدينة لأقسى حملات العقاب، وشمل ذلك القصف اليومي بالصواريخ والبراميل المتفجرة والحصار واستهداف الخدمات الأساسية في المدن الخارجة عن سيطرة النظام، كخدمات الماء والكهرباء والاتصالات. أدى ذلك إلى انكماش الحياة الاقتصادية لتموت تماماً في بعض المناطق وتواصل المقاومة في مناطق أخرى من المحافظة.

يقول تقرير صادر عن "مجموعة عمل اقتصاد سورية" تناول الوضع الاقتصادي في عدد من مدن محافظة درعا، وهي نوى والحراك ودرعا البلد، إن مصادر دخل ما تبقى من السكان هناك يأتي من قطاع الزراعة، وخصوصاً زراعة القمح والشعير والبقوليات، ومن قطاعات البناء والحدادة وإصلاح السيارات وورش الخياطة. ويتراوح الأجر اليومي للعامل في تلك القطاعات بحسب التقرير بين 1000-3000 ليرة سورية. ولكن الناشط السوري في محافظة درعا، محمد الحريري، يقول لـ "العربي الجديد" إن "الأجر اليومي متفاوت، ويتراوح في معظم المناطق بين 700-1000 ليرة وقد تحصل العمالة الماهرة على أعلى من ذلك".
ويسبب ذلك "معاناة كبيرة للعاملين وخصوصاً مع موجة الارتفاع الأخيرة في الأسعار، والتي تجاوزت 25 في المائة في الأشهر الثلاثة الماضية، وجعلت الدخل اليومي للعامل بالكاد يكفي لشراء كيلو سكر وكيلو خضار وعلبة سجائر".
في درعا البلد، وهو الجزء الذي خرج عن سيطرة النظام السوري من مركز مدينة درعا، فإن النشاط الزراعي يعتبر ضعيفاً قبل اندلاع الثورة، أمّا اليوم فيشير التقرير إلى أن درعا البلد تعتبر "مشلولة زراعياً تماماً".

ويعتبر قطاع التجارة الأكثر نشاطاً في مدينة نوى حيث يزدهر بسبب "الاستقرار النسبي الذي تتمتع به وبعدها عن مصادر نيران النظام"، وهو ما جعل أصحاب المحال التجارية في مدينة نوى "يتمتعون بأفضل الدخول حالياً"، كما تتراوح أجرة العامل الأسبوعية بين 7 و15 ألف ليرة، أمّا في مدينة الحراك، فيعمل كثيرون في سوق الهال كعمال وباعة وحمالين ويتراوح الأجر الأسبوعي بين 4 آلاف وعشرة آلاف.

كما يدر قطاع الخدمات دخلاً على مقدميه والعاملين فيه، ويشمل ذلك نقل وبيع المياه حيث يبلغ سعر الصهريج 2500 ليرة لكل 8 أمتار مكعبة. وكذلك الكهرباء والوقود وقطاع الصرافة وتحويل الأموال وقطاع النقل والمواصلات.

أمّا الدخل من القطاع العام فيعتمد على رواتب موظفي وعمال الهيئات المحلية والمنظمات الأهلية، كالمجالس المحلية والمنظمات الإغاثية والطبية. وتتراوح رواتب عمال المجلس المحلي في نوى والحراك بين 15 و40 ألف ليرة. كما يتقاضى بعض الموظفين رواتب شهرية من الحكومة السورية المؤقتة، وتتراوح بين 200-1000 دولار، فضلاً عن رواتب مقاتلي الجيش الحر والتي تتراوح بين 75 و250 دولاراً، بحسب تقرير "مجموعة عمل اقتصاد سورية".

النظام يدفع الرواتب... ولكن
وأخيراً، هنالك من عملوا قبل اندلاع الثورة في مؤسسات النظام السوري ولم تنقطع رواتبهم
حتى الآن. يقول الراعي إن النظام السوري قطع الرواتب عن عشرات آلاف الموظفين الذي يعتبرهم متورطين بصورة مباشرة بالثورة، فيما أبقى على من لم يكن مشاركاً بشكل مباشر أو أخفى مشاركته، وذلك "بسبب تراجع عبء الرواتب مع استمرار تدهور الليرة السورية، ورغبة النظام في إظهار استمرار عمل مؤسسات الدولة في كل المناطق السورية".

ويضيف: "الجانب الآخر من تلك السياسة اقتضى ضرب كل الخدمات التي تقدمها السلطات البديلة في المدن المحررة، وذلك بالقصف بالبراميل، وهو ما يفعله في القسم الذي تسيطر عليه المعارضة في مركز محافظة درعا، أي درعا البلد، وهو ما أدى إلى نزوح السكان منها واستحالة تقديم الخدمات".

أما طبيعة المحاصيل المزروعة في المحافظة، فتتركز على القمح والشعير والزيتون، فضلاً عن البندورة والخيار التي يشتهر سهل حوران بزراعتها وتعتبر المصدر الرئيسي للعاصمة دمشق. ويقول تقرير "مجموعة عمل اقتصاد سورية" إن المساحة المزروعة في محافظة درعا بلغت هذا العام 85 ألف هكتار قمح و8 آلاف هكتار شعير، فيما بلغ إنتاج القمح هذا العام 250 ألف طن. أما في الحراك فلم يتم حصاد الأراضي فيها بسبب المعارك التي دارت حول اللواء 52.

يقول الناشط، محمد الحريري، إن وجود اللواء 52 والمعارك الشرسة، التي دارت حوله لأعوام "أثرت بصورة كبيرة على النشاط الاقتصادي في الحراك ولكن انتهائها لصالح الثوار العام الماضي بتحرير اللواء كان له أثر إيجابي على الحياة الاقتصادية، إذ يعتبر اللواء 52 ثاني لواء مدرعات في سورية ويمتد على مساحة جغرافية واسعة بين محافظتي درعا والسويداء وقد تسبب بأضرار كبيرة للمدنيين والمزارعين والتجار والصناعيين باستهدافه المستمر للمناطق المحيطة به".

أمّا الصناعة، فتسيطر عليها الصناعات البسيطة المرتبطة بالزراعة كمعاصر الزيتون وإنتاج بعض مستلزمات الري، فضلاً عن الورش الحرفية كالخياطة وصناعة الأثاث المنزلي. هذا فيما كانت المعامل الصناعية والحرفية في مدينة الحراك قد توقفت بسبب قربها من اللواء 52، وهي معامل الخياطة وتصنيع المواد البلاستيكية والمحارم وأدوات البناء، فضلاً عن معمل للأعلاف والصناعات الغذائية، التي يوضح تقرير "مجموعة عمل اقتصاد سورية" أنه من المنتظر إعادة افتتاحها في الفترة القريبة المقبلة.
في القسم الخاضع لسيطرة قوات النظام من المحافظة، تقول الحكومة السورية إن القطاع الصناعي "يشهد ازدهاراً كبيراً" ولكن التضارب في التصريحات يظهر مباشرة عندما يعلن مدير صناعة درعا، عبد الوحيد العوض، لصحيفة حكومية أن نسبة المنشآت الصناعية التي لا تزال تعمل هناك "ولم تتعرض للتخريب أو النهب والتوقف بفعل الإرهاب تصل إلى 10% من إجمالي المنشآت البالغة 600 منشأة، في حين أن العامل من المنشآت الحرفية في المناطق الآمنة حوالى 25% من الإجمالي البالغ 7 آلاف منشأة، هذا عدا عن المشاريع، التي تم ترخيصها وهي متوقفة بسبب الإرهاب، والتي يزيد عددها على أكثر من 200 مشروع صناعي بمختلف أنواعه".

قطاع التجارة، الذي كان مزدهراً في مركز المدينة قبل الثورة، تضاءل ببطء حتى انتهى تماماً منتصف العام الحالي، بحسب "مجموعة عمل اقتصاد سورية"، فيما تعتبر التجارة أكثر ازدهارا في نوى، ويعتمد التجار على البضائع القادمة من العاصمة دمشق، حيث يسيطر النظام السوري. ممّا يجعلها "عرضة للتأثر بانهيار سعر صرف الليرة السورية وسيطرة التجار في العاصمة على الأسعار ورفعها بما يتناسب مع ارتفاع سعر الصرف، وبما يتناسب مع مصالحهم أيضاً"، وفق الراعي أيضاً.
على صعيد الخدمات، تغذي محطة الكهرباء الواقعة غرب مدينة الحراك معظم مدن محافظة درعا بالكهرباء، ولكن النظام قصفها في شهر تموز / يوليو من العام الماضي، ممّا أدى لانقطاع الكهرباء عن المدن المحررة. ولذلك يعتمد السكان على المولدات الكهربائية ويبلغ سعر الأمبير 1200 ليرة أسبوعياً.

أمّا المياه فيتم ضخها من خلال استثمار 400 بئر وعدد من الينابيع الطبيعية. كما ذكر التقرير أن هنالك تعاوناً يجري بين مديرية المياه التابعة للنظام وورشات المياه في المجالس المحلية في المدن المحررة لإعادة ضخ المياه وإصلاح بعض المضخات المتوقفة. ويعلّل رئيس "مجموعة عمل اقتصاد سورية"، التي أعدت التقرير، هذا التعاون بالقول لـ "العربي الجديد" إنه "يتم في معظم الأحيان بشكل غير رسمي بين أهل البلد أنفسهم، وأحياناً يتم بناءً على تفاهمات تفرضها ضرورة استمرار الخدمات الأساسية، خاصة الماء والكهرباء في المناطق الخاضعة للنظام وبقية المناطق، وهذه المسألة تتم في أكثر من منطقة في سورية".

المساهمون