المصريون في أزمة: خدمات عامة رديئة وسوق سوداء باهظة

المصريون في أزمة: خدمات عامة رديئة وسوق سوداء باهظة

02 اغسطس 2016
مواطنون يقومون بتمديدات المياه (خالد دسوقي/ فرانس برس)
+ الخط -
بكلمات مصبوغة بمرارة الأعباء الحياتية يحكي العامل المصري درويش حسنين (54 عاماً) عن كيفية قيامه بنفسه بدور الدولة في الحصول على الخدمات، إذ يقول "في ظل الأسعار المرتفعة للشقق وعدم قدرة أبنائي الثلاثة على الزواج اشتريت قطعة أرض قرب الطريق الدائري بمحافظة الجيزة بسعر منخفض لبناء منزل، ولكن المنطقة لا تدخل ضمن خريطة خدمات الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي".

ويضيف حسنين "اضطررت إلى التعاقد مع مقاولين لربط خط الصرف الصحي بالترعة العمومية ومد خط المياه بالشبكة الأم مقابل 5 آلاف جُنيه، فضلاً عن مد خط كهرباء
هوائي مقابل ألفي جُنيه. كل هذه المصاريف كان من الطبيعي أن تتحملها عني الدولة مقابل الضرائب التي أدفعها".

"ورغم كل هذه المصاريف هُناك مصاريف ثابتة بنحو 40 جنيهاً لشراء مياه الشرب، بسبب الانقطاع المتكرر للمياه، والذي يراوح بين 5 إلى 8 أيام متصلة كل شهر، في حين تلجأ منازل أخرى إلى حفر بئر بجانب المنزل لاستقبال الصرف الصحي، مقابل تفريغها من طرف شركة خاصة بكُلفة 50 جنيهاً كل 3 أشهر، نظراً لبُعد الترعة المستخدمة في الصرف الصحي عن المنازل".
ووفقاً لأكثر الأرقام تفاؤلاً أعلنت لجنة وزارة الإسكان في البرلمان أن مصر في حاجة لمخصصات بقيمة 100 مليار جنيه لمد شبكة الصرف الصحي إلى المناطق المحرومة. وأن هُناك قرابة 40 مليون مواطن محرومون من خدمات الصرف الصحي.

والأكثر غرابة أن على المواطن سداد غرامة للدولة عندما تبدأ مد الحي بالخدمات الحكومية الرسمية، على اعتبار أنه تعدى على مرافق الحكومة دون وجه حق.
وهو ما يشير إليه المواطن أحمد مصطفى (فني كهرباء، 45 عاماً)، والذي يقطن بمحافظة القليوبية، بقوله "عندما علمت بإمكان تركيب عدادات المياه الرسمية بالمنزل، ذهبت على الفور لمقر الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي ولكني فوجئت بالمطالبة بسداد 5 آلاف جنيه كغرامة على استخدام المياه دون موافقة الحكومة".
ويؤكد مصطفى "الآن أصبحت مُطالباً بتحمل أعباء مالية جديدة لإدخال مياه الشرب، بعد أن أصبحت المنطقة على خريطة الشركة القابضة لمياه الشرب، وذلك على الرغم من أني تحملت كلفة مد مياه الشرب إلى المنزل بدلاً من الحكومة. فالحكومة تبحث عن أي مصدر لزيادة دخلها على حسابنا".

ليس أحمد مصطفى المُطالب الوحيد في القاهرة الكبرى، والتي تضم محافظات القاهرة والجيزة
والقليوبية، بسداد غرامات للدولة بسبب اجتهاده في تحمل أكلاف مد المرافق، وإنما سيطالب نحو 40% من قاطني المناطق العشوائية بالقاهرة الكبرى، أي نحو 8.8 ملايين مواطن بسداد غرامات عندما تدخل مناطقهم السكنية ضمن الحيز الجغرافي للخدمات الحكومية.
وهذه المناطق العشوائية ذات الكثافة السكانية تلجأ في الكثير من الخدمات الأخرى إلى الاعتماد على جهات أخرى بدلاً من الحكومة مثل خدمات الإنترنت، حيث يسدد المواطنون نحو 30 جنيهاً شهرياً مقابل الاشتراك بوصلات إنترنت من خلال أشخاص حصلوا على الخدمة من الشركات ويقيمون شبكات إنترنت لخدمة المنطقة.

وتعليقاً على آليات التعامل الحكومي مع لجوء المواطنين إلى الاعتماد على أنفسهم عبر التعاون مع مقاولين لتزويدهم بخدمات المرافق بدلاً من الأجهزة الحكومية، يقول الرئيس السابق لجهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك حافظ سلمان، إن التوسع الكبير الذي تشهده القاهرة الكبرى والمحافظات دون أي تخطيط، في ظل الكثافة السكانية المرتفعة يؤدي إلى خلق ضغط رهيب على المرافق الحكومية بصورة تفوق ميزانية البلاد.
ويضيف سلمان أن الحكومة ترفض توصيل الكهرباء رسمياً إلى المنازل الجديدة التي لم تدخل ضمن التخطيط، لذلك يتحمل المواطن مهام توصيل الكهرباء ويتعاقد مع الحكومة بنظام الممارسة، والذي يلزم المواطن بسداد فاتورة ثابتة كل 3 أشهر كتقدير جزافي عن الاستهلاك.
وفي ظل لجوء المصريين إلى الخدمات الطبية والتعليمية الخاصة، ظهرت دعوات تحاول استثمار هذا القصور في الخدمات الحكومية عبر المناداة بإسناد مهمة إدارة التعليم إلى شركات الخدمات التعليمية الخاصة بدلاً من الحكومة.


يؤيد رئيس شركة القاهرة للخدمات التعليمية الدكتور حسن القلا ذلك بالقول إن ميزانية البلاد تحدد نصيب الطالب الواحد من نفقات الميزانية بنحو 5 آلاف جنيه، تشمل أجور المدرسين وتطوير الأبنية التعليمية.

هذا الرقم يشكل متوسط المصاريف المدرسية بالمدارس الخاصة، والتي تحظى جودة التعليم بها برضى أولياء الأمور. الأمر الذي يترتب عليه، بحسب هؤلاء، أنه من الأفضل أن تتعاقد الحكومة مع الشركات التعليمية الخاصة لتقديم خدماتها للطلاب لقاء تحمّل الحكومة تكلفة الخدمة التعليمية.

وبرأي القلا فإن هذه الخطوة ستحقق هدفين؛ الأول حصول الطالب على خدمة تعليمية ذات جودة جيدة، والثاني تفرغ الحكومة للإشراف على مستوى الخدمة التعليمية.
غير أن القلا يستدرك قائلاً "إن هذا الحل لن يكون عملياً لأن انفراد القطاع الخاص بتقديم الخدمات التعليمية أو الصحية سيعطي له مساحة أكبر في زيادة المصاريف، ممّا يعني أن الحكومة ستكون في حاجة إلى مراجعة شاملة لكفاءة خدماتها أولاً".

وفي صورة شبه يومية، تحمل الخطابات الرئاسية المصرية تصريحات عن الإنجازات المحقّقة لتطوير البنية التحتية، وهي إنجازات معطوفة على الشكوى الدائمة من عدم تقدير المصريين لهذه الخدمات الهادفة، حسبما تقول، إلى تيسير حركة تنقلهم وإلى تزويد بيوتهم بالخدمات....
فأحاديث الرئيس عبد الفتاح السيسي تكشف عن عمق الفجوة بين النظام والمواطنين حول مفهوم الخدمات الحكومية. إذ إن الحكومة تقدم خدماتها من شبكات صرف صحي ومياه وكهرباء واتصالات للمواطنين دون أن تشغل بالها بكفاءة هذه الخدمات وإذا كانت تغطي المناطق كافة.

المساهمون