فانوسي صنع في القدس... لا في الصين

فانوسي صنع في القدس... لا في الصين

04 يوليو 2016
مجموعة من الأطفال تعمل على صناعة الفوانيس (العربي الجديد)
+ الخط -
يُعد الفانوس أحد أهم مظاهر شهر رمضان، تحرص العائلات على شرائه وغالباً بناءً على طلب الأطفال. وهكذا انتقل هذا التقليد القديم من جيل إلى آخر، حتى أن إحدى الروايات التي تتناول أصل الفانوس تشير إلى خروج الأطفال مع الخلفاء الفاطميين لتحري هلال شهر رمضان فيضيئون لهم الطريق مستخدمين الفوانيس. إلا أن لهذا التقليد نكهة خاصة في القدس المحتلة، حيث تحوّل الفانوس إلى تحفة تعكس تماماً ما يريده الطفل، من الألوان إلى الشكل والزينة، وذلك عبر ترك الخيار للأطفال في عملية صناعة الفوانيس الخاصة بهم. أما الأهم في هذه العملية، فهو الهدف المتمثل بإعادة إحياء صناعة حرفية قديمة، وتمكين المنتج المحلي من منافسة الفوانيس المستوردة خاصة من الصين، عبر التدريب وترسيخ فكرة العودة إلى الصناعات غير المكلفة والمستهلكة...

صناعة بأنامل صغيرة
في القدس المحتلة، صنع الأطفال هذا العام الفوانيس بأيديهم ضمن مبادرة مجتمعية أشرفت عليها ونفذتها جمعية برج اللقلق، داخل أسوار البلدة القديمة، واستهدفت المبادرة خمسين طفلاً من أطفال المدينة المحتلة، لتشاركهم الأمهات في إنتاجهم المميز.
أنتج الأطفال الفوانيس تحت إشراف مدرب مختص بصناعة الخزف على مرحلتين، مرحلة أولى استخدموا فيها مادة الطين والمعروفة باسم "كلاي" التي قسمت إلى شرائح دائرية صغيرة بسماكة نصف سنتيمتر، ومن ثم وضعت على شرائح ثانية مستطيلة، وشكلوا بعدها هلال رمضان وغيره من الزخارف في محيط الفانوس الذي وضع بالفرن على حرارة 1020 درجة مئوية، حتى تحول الطين إلى فخار.
صناعة الفانوس لم تكن ترفيهية فقط، بل هي عملية تعليمية متكاملة، وبالإضافة إلى كيفية تشكيل الفوانيس، تعامل الأطفال مع الأصباغ التي أضيفت لها الأكاسيد، التي استخدمت لاحقاً في تلوين الفوانيس. فأكسيد النحاس يتحول إلى اللون الأخضر التركوازي، والكوبلت يصبح أزرق غامقاً، أما المنغنيز فيعطي اللون الأسود، واللون البني المحمر أصله من أكسيد الحديد.
المرحلة الثانية من صناعة الفانوس بعد التلوين، تمثلت بطلائه بمادة "الجليز "وهي المادة الزجاجية التي تضفي اللمعان على الألوان وتحفظها من التلف، وتستوجب هذه العملية إعادة الفوانيس إلى الفرن وخبزها قبل أن تصبح جاهزة للاستعمال.
الطفل نور الدين البلبيسي ووالدته كانا من ضمن المشاركين في الورشة، وبالنسبة لنور الدين، ابن الحادية عشرة، كان الفانوس بشكله النهائي هدية مميزة لم يحظ بمثلها من قبل، ومع انتهاء أول يوم رمضاني حرص على إضاءته، وزاد من فرحته بما صنعته يداه عندها رأى فانوسه معروضاً على صفحة جمعية برج اللقلق على الفيسبوك، وأمسى يفكر بالعودة إلى مقر الجمعية والتطوع بالورش والفعاليات التي تقام هناك.
تقول والدة نور الدين أن الورشة ساعدت ابنها وأقرانه من صناع الفانوس الجدد على إخراج ما لديهم من طاقة سلبية، تعلموا صناعة حرفية قديمة نادراً ما يتم الحديث عنها أو التعريف بها.


جذب المتسوقين
يشير مدرب الورشة، أدهم حمايل، إلى السعادة الكبيرة التي رآها في عيون الأطفال، خاصة وأنهم يعيشون في ظروف صعبة داخل مدينة القدس حيث تغيب أماكن اللعب والترفيه، فوجدوا في هذه الورشة شيئاً جديداً يفتقدونه، حرصوا على الالتزام في التدريب وعادوا ليأخذوا فوانيسهم.
"فانوسي صنع في القدس" هي واحدة من مجموعة مبادرات لجمعية برج اللقلق المقدسية، التي تهدف إلى إحياء الحياة داخل شوارع وأزقة البلدة القديمة، من خلال استقطاب الأهالي والمساهمة معا في تعزيز الموروث الثقافي الفكري والعربي. كما تعي الجمعية الوضع الاقتصادي الصعب، الذي تكابده المحال التجارية في القدس، ويترجم دعمها لهؤلاء التجار بمساهمتها في عملية جذب المتسوقين إلى داخل أسوار البلدة القديمة وتشجيعهم على شراء المنتوجات العربية بدلاً من الصينية التي تغزو الأسواق.
لاقت الفعاليات، التي تنظمها الجمعية إلى جانب عدد من المؤسسات المقدسية، اهتماماً كبيراً من أهالي مدينة القدس، الذين تفاعلوا معها وتعاونوا على إخراجها بصورة جميلة، وتشمل هذه الفعاليات جولات ثقافية وأمسيات رمضانية داخل وخارج أسوار البلدة القديمة كل يوم خميس من شهر رمضان، وجولات تجارية داخل الأسواق كل يوم سبت، بالإضافة إلى جولات وإفطارات في القرى المهجرة المحيطة بمدينة القدس.

دلالات

المساهمون