الجزائريون يواجهون التقشف: زيادة غير مسبوقة في المساعدات التضامنية

الجزائريون يواجهون التقشف: زيادة غير مسبوقة في المساعدات التضامنية

11 يوليو 2016
إفطارات عامة في رمضان (فاروق بطيش/ فرانس برس)
+ الخط -
انتهى شهر رمضان، على وقع ظاهرة لفّت الجزائر هذا العام، تتعلق تحديداً باتساع العمل الخيري التضامني بشكل ملحوظ جداً، ما خفف من الانعكاسات الاجتماعية للأزمة الاقتصادية التي تسود في الجزائر بسبب انخفاض أسعار النفط وتراجع الإنفاق العام.

"ليت كل العام رمضان"، عبارة تم تداولها بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي بالجزائر هذا العام، ولم يكن الهدف منها سوى الإشارة إلى حجم أعمال الخير والتضامن التي عمت البلاد في هذا الشهر. حيث تكاد لا تجد زاوية من زوايا أي قرية او مدينة إلا وفيها لافتة تشير إلى وجود ما بات يصطلح عليه بـ "مطعم الرحمة" ناهيك عن إقامة الحواجز على الطرقات لدعوة عابري السبيل إلى موائد الإفطار في البيوت أو في خيم مخصصة لذلك عبر مناطق متفرقة من الطرق السريعة. بعد نهاية شهر رمضان، تسلط "العربي الجديد" الضوء على هذه الهبة التضامنية بالتزامن مع دخول البلاد سياسة التقشف التي أعلنتها الحكومة صراحة ضمن قانون المالية لسنة 2016... 

بنك للطعام وتبرعات
في متجر "أرديس" ترتدي مجموعة من الشباب النشطين غالبيتهم من الطلبة الجامعيين، لباساً موحداً وبأياديهم مطبوعات خاصة تشرح آلية عمل "بنك الطعام الجزائري"، يقومون بتوزيعها على زوار المتجر ويدعونهم إلى التبرع بأي شيء من الطعام بعد انتهاء تسوقهم، للتصدق به على الفقراء خلال هذا الشهر.
وبعد السؤال عن هذه المبادرة، يؤكد المكلف بالإعلام ضمن هذا المشروع، لمين زلاق، أنها عملية انطلقت قبل أربع سنوات تهدف إلى جمع الطعام وتوزيعه على الفقراء، مضيفاً أن إقبال المواطنين هذه السنة على دعم البنك غير مسبوق، بالإضافة إلى دعم رجال الأعمال ضمن منتدى رؤساء المؤسسات الذين ساهموا بالمبادرة هذا العام أيضاً.
ويشرح زلاق أن بنك الطعام استطاع جمع نحو 5 آلاف طرد غذائي العام الماضي، ليبلغ العدد هذا العام سبعة آلاف طرد. ويبدي زلاق فرحته كون سياسة التقشف التي تنتهجها الحكومة هذه السنة لم تؤثر بتاتاً على عمليتهم التضامنية بل بالعكس جعلتها أكثر قوة وأكثر فاعلية.
أما علي بوناب رئيس جمعية "قوافل الخير لرعاية الأرملة واليتيم"، فيؤكد في حديثه لـ "العربي الجديد" أن العمل الخيري زاد ونما بشكل كبير هذه السنة مقارنة بالسنة الماضية، مضيفاً أن الإقبال عل جمعيته للمساهمة في العمل الخيري كان ضخماً جداً ومن مختلف شرائح المجتمع.
ويشرح: "مطاعم الرحمة زادت بشكل لافت، حيث لا تكاد تجد مطعماً لم يتحول إلى مطعم للإفطار المجاني. حتى إن هناك بعض المطاعم التي فتحت لهذا الغرض أقفلت أبوابها بعد أيام قليلة لأنها لم تجد من تطعمه لكثرة المطاعم. وهناك من يقصد هذه المطاعم ليأخذ الطعام الجاهز إلى بيته، مشيراً إلى أن العمل الخيري هذه السنة صار كبيراً إلى درجة غير متوقعة، حيث صار فيها العمل الخيري أكثر والجهد أكبر والمردود أكثر اتساعاً في مقارنة مع الأعوام الماضية.
ويلفت بوناب إلى أنه خلال السنة الماضية وقبلها كانوا يرفعون لواء تحقيق ثلاثة آلاف إلى أربعة آلاف قفة رمضان (سلة مساعدات غذائية)، أما الآن وبالنظر إلى الإقبال الكبير على العمل الخيري فقد رفعوا السقف إلى 10 آلاف قفة، ولم يكن تحقيقها صعباً أبداً. حيث باتوا اليوم يسيرون يوميا قافلة تضامنية إلى ولاية من الولايات وأحياناً ثلاث قوافل في اليوم الواحد. ويؤكد أن هناك عطاء ضخماً للمجتمع في العمل الخيري. فبعد أن كان يخاف نوعاً ما من التعامل مع الجمعيات بات المجتمع الآن يملك قابلية أكبر للثقة بها.

استفادة آلاف العائلات
ومن بين أبرز أعمال التضامن التي طبعت شهر رمضان هذا العام، توزيع "قفة رمضان" على الأسر المحتاجة، وهي العملية التي يضطلع بها الهلال الأحمر الجزائري منذ سنوات. وفي هذا الصدد تقول سعيدة بن حبيلس رئيسة هذه المؤسسة في حديث لـ "العربي الجديد"، إنها تبنت منذ مجيئها على رأس الهلال الأحمر قبل سنتين استراتيجية خاصة بالعمل التضامني تمتد على مدار السنة وليس خلال رمضان فقط. حيث يتم خلال هذا الشهر تقييم العمليات التضامنية خلال كل السنة. وبشأن حجم العمل التضامني لرمضان هذا العام، تقول بن حبيلس إنه تم تحديد قائمة بـ 20 ألف عائلة محتاجة، وتم التركيز على المناطق النائية حيث توجد نحو 47 بلدية تعد الأكثر فقراً بالبلاد وتتوزع أساساٍ بالمناطق الجبلية وكذا الحدودية النائية جداً.
وتشرح أن هذه المناطق كانت لها الأولوية في توزيع المساعدات، "إذ تم هذه السنة حتى منتصف رمضان توزيع نحو 11 ألف طرد غذائي لا تقل قيمة الطرد الواحد عن 50 دولاراً، بعدما تم توزيع أربعة آلاف طرد فقط العام الماضي.
وترى بن حبيلس أن سبب هذا النمو لا يعود إلى تزايد المحتاجين بل تزايد المانحين. وتورد مثالاً على ذلك بأحد المستثمرين الخليجيين بالجزائر الذي قدم للمؤسسة العام الماضي نحو ألف طرد غذائي بقيمة 70 دولاراً للطرد، وكلف هو بتوزيع هذه المساعدات بالنظر إلى إمكاناته المادية، وما كان من مؤسسة الهلال الأحمر الجزائري إلا أن أعطته عناوين المحتاجين عبر مختلف الولايات. وبعدما لاحظ جدية وشفافية ومصداقية الهلال الأحمر، قدم هذا العام ثلاثة آلاف طرد. بالإضافة إلى عدد كبير من الشركات الوطنية الكبرى كنفطال التي منحت الهلال الأحمر ألف طرد.
وتلفت إلى أن مؤسستها ليست لها ميزانية خاصة للمساعدات بل تعتمد على تبرعات المانحين وكل ما يمنح يوزع. وفي كثير من الحالات يتم تسليم قائمة المحتاجين إلى المتبرع مباشرة الذي يشرف شخصياً على توزيع معوناته على مستحقيها مباشرة، مؤكدة أنها لمست هذه السنة استعداداً للعطاء من قبل المواطنين أكثر من السنة الماضية، "فهذه المرة مثلاً تقدم إلى مؤسسة الهلال الأحمر شابان قالا إنهما يملكان مدرسة تكوين مهني خاصة فيها مطعم ومطبخ وأعربا عن استعدادهما لتسخير مطبخ ومطعم هذه المدرسة في رمضان لإفطار الصائمين من عابري السبيل ويريدان الغطاء القانوني للهلال الأحمر، فكان لهما طبعا ما يريدان.
وتؤكد بن حبيلس أن سياسة التقشف التي تتبعها الحكومة حالياً لم تؤثر بتاتاً في العمل التضامني الذي يقوم به الهلال الأحمر الجزائري، لأن دوره هو نشر ثقافة التضامن بين المواطنين، فيما تبقى سياسة التضامن على عاتق الدولة التي قررت عدم المساس بالجانب الاجتماعي على الرغم من اتباعها سياسة التقشف.

وتشرح: "هناك من يستحق الاستفادة من الإفطار في مطاعم الرحمة، ولهذا قدمت تعليمة للمسؤولين المحليين للهلال الأحمر بهدف ترشيد المساعدات كي تصل إلى أصحابها الحقيقيين، حيث تم تخصيص مطاعم الرحمة فقط للعمال البعيدين عن أهاليهم وللاجئين النازحين من بلدانهم من مختلف الدول التي لا تعرف حالة الاستقرار، بالإضافة إلى الجزائريين الذين يفتقدون للمأوى". وتلفت بن حبيلس إلى وجود ظاهرة تعمل حالياً على محاربتها وهي ظاهرة تقديم الوجبات الغذائية إلى العائلات الفقيرة قبيل الإفطار مباشرة ويعتبر ذلك إهانة لهذه العائلات، وتقول إنها تقوم حالياً بتقديم المواد الغذائية إلى هذه العائلات ونتركها هي التي تقوم بطهي وتحضير الإفطار في بيوتها كي تعيش هي وأطفالها نكهة رمضان في مطبخها، بدل أن تحرم من هذه العادات.

دعوات لمأسسة المبادرات
من جهته، يرى الخبير الاقتصادي البروفيسور فارس مسدور أن ما عجز القطاع العمومي والقطاع الخاص عن تغطيته في الجزائر، جاء القطاع الثالث كقطاع قوي في المجتمع ليغطيه والمتمثل في المجتمع المدني والجمعيات الخيرية.
ويضيف مسدور في حديث لـ "العربي الجديد": "إننا في الجزائر لم نعتد على تطور العمل الخيري مثل ما هو حاصل عندنا منذ السنوات الثلاث الأخيرة، فمن قبل كان الهلال الأحمر يحتكر كل المبادرات الخيرية، إلا أن الجمعيات برزت وأعطت نموذجاً رائعاً في العمل الخيري، مضيفاً أنه احتك بإحدى الجماعات الخيرية وزار معها ولاية تيسمسليت بإحدى قراها النائية بالجبال وشاهد كيف يقوم مواطنون عاديون متطوعون بتقديم المساعدات للأرامل والأيتام والفقراء من دون الانتماء إلى أي جمعية او أي هيئة. 
ويشير البروفيسور مسدور إلى "أننا في الجزائر متأخرون جداً في جانب العمل الخيري لأن النشاط السياسي حاول احتواء مؤسسات المجتمع المدني خاصة الجمعيات الخيرية منها، لتقديم رسائل عبرها واستخدامها في الحملات السياسية. أما عند غيرنا فالأمر متقدم جداً. ويضيف مسدور أن "العمل الخيري عندنا ما زال من دون مقابل ويعتمد على العمل التطوعي، ولم يؤسسوا بعد لإدارة كاملة متكاملة تدير وتنشط وتستثمر وتطور العمل الخيري، حيث ما زلنا في مؤسسات خيرية تقليدية إلا بعض النماذج الخيرية النادرة في الجزائر مثل مؤسسة فورام التي لديها تأسيس متين وكذا مؤسسة تويزة".
فيما يذهب الرئيس السابق للرابطة الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان حسين زهوان إلى القول إن "السلطة مجبرة على التوجه إلى سياسية التقشف ولا خيار أمامها في ذلك، وهي مدفوعة في ذلك بفعل تراجع أسعار النفط. ولا علاقة للتقشف بمسألة التضامن والتكافل الاجتماعي في رمضان"، مشيراً في حديثه لـ "العربي الجديد" إلى أن العمل التطوعي ومطاعم الرحمة تتكفل بها الجمعيات الخيرية وهي في هذا الشهر تسير بشكل عادي حيث تشرف عليها جمعيات ولا علاقة للحكومة بأموال هذه الأعمال الخيرية. وبالتالي فإن مطاعم الرحمة باقية بصفة عادية ولم تتأثر بسياسة التقشف.

المساهمون