أجور الأردنيين لا تطعم خبزاً:هوة كبيرة بين الرواتب والأسعار

أجور الأردنيين لا تطعم خبزاً:هوة كبيرة بين الرواتب والأسعار

27 يونيو 2016
احتجاجات شعبية للمطالبة بتحسين الأوضاع (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)
+ الخط -
نفذ عشرات الأردنيين وقفة احتجاجية علنية الأسبوع الماضي في منطقة "ذيبان" 70 كيلومتراً جنوب العاصمة عمّان، لمطالبة الحكومة بتوفير فرص عمل إثر تفاقم مشكلة البطالة. في حين كان الآلاف في سوق العمل الأردنية يحتجون، ولكن بأسلوب صامت، على ضعف الرواتب والأجور التي يتقاضونها، وانخفاض بعضها عن الحد الأدنى المقرر رسمياً بنحو 268 دولاراً في الشهر. وفي ظل التفاوت الكبير بين الدخل والنفقات، فإن شريحة ما زالت توصف بأنها الأضعف من بين فئات المجتمع تعيش بقلق متواصل.
يشكل تدهور الوضع المالي لشريحة يتجاوز عدد أفرادها نحو 280 ألف عامل، وتعرضها لانتهاكات سواء على صعيد الأجور أو ساعات العمل، وحرمانها من الأمان الاجتماعي نتيجة افتقار معظمها لأساسيات الحياة الكريمة حالة مزمنة داخل بلد يعاني اقتصاده من ضعف وتشوهات، تؤثر بشكل سلبي على واقع الرواتب والأجور والعلاوات. حيث تراجعت القيمة المالية للأجر في مقابل الارتفاعات التي طاولت أسعار معظم المواد الاستهلاكية، الغذائية وغير الغذائية، خلال السنوات الأخيرة.

أجور لا تكفي
ويؤكد "سعيد م." أردني يعمل في منشأة صناعية متوسطة، أنه يتلقى راتباً لا يتجاوز 280 دولاراً شهرياً. وهو مبلغ كما يقول لـ "العربي الجديد" لا يسد أجور السكن وفواتير الكهرباء والمياه والهاتف الخلوي، "إذ يتوجب سداد 200 دولار لأجرة المنزل الذي أقطنه مع والدتي وزوجتي وطفلي الوحيد، فيما تتراوح فاتورة نفقات الخدمات الأساسية الأخرى بين 40 و60 دولاراً وسطياً. وهذا يعني أنني عاجز في معظم الأحيان عن تلبية احتياجات أسرتي من المواد الاستهلاكية الضرورية".
وسبق لـ "أحمد غ." الذي يعمل في قطاع الإنشاءات أن تدرج راتبه في المؤسسة العقارية التي انضم إليها منذ عدة سنوات، من 150 دولاراً إلى 300 دولار شهرياً، وارتفع في السنة الماضية إلى 400 دولار كمكافأة على نشاطه المتميز. لكن آخرين غيره مازالوا يتقاضون أجوراً متدنية قياساً إلى حجم العمل وعدد ساعاته.
وتشير بيانات مسح أجرته دائرة الإحصاءات العامة الأردنية إلى أن 10.5% من العاملين في المملكة فقط، يتقاضون رواتب تزيد على 700 دولار، في حين أن 7% يتقاضون رواتب تقل عن 280 دولاراً، أي ما يقارب الحد الأدنى المقرر للأجور والبالغ 270 دولاراً. فيما يوجد نحو 11 ألف عامل يتقاضون رواتب تقل عن 140 دولاراً. إضافة إلى أن 6% من العاملين يقضون أكثر من 60 ساعة عمل أسبوعاً، وباحتساب 5 أيام عمل، فإن هؤلاء يقضون أكثر من 12 ساعة عمل يومياً على خلاف الأنظمة والتشريعات الحكومية الناظمة لقانون العمل.
يرى الخبير في شؤون وقضايا العمال محمد البايعة أن الأجور الحالية لمعظم المنتظمين في سوق العمل لم تعد، حسب التعبير المحلي، تطعم خبزاً، في ظل التأزم الذي تشهده الأوضاع المعيشية، وارتفاع الأسعار الجنوني.
ويقول لـ "العربي الجديد": "إن ارتفاع معدل الأجر الشهري من 85 دولاراً في بداية السبعينات، إلى 300 دولار في منتصف التسعينات، إلى 650 دولاراً قبل عامين، استفاد منه العاملون في القطاع الحكومي، أكثر من القطاع الخاص لأن القطاع الأخير لم يشهد تطورات حقيقية بالنسبة للأجور. حيث اقتصر ارتفاع الحد الأدنى للأجور خلال السنوات العشر الأخيرة على 70 دولاراً فقط، ليستقر عند 270 دولاراً، حتى الآن".

ومنذ عام 2009 تناقصت معدلات المشاركة الاقتصادية المنقحة للسكان، فبينما بلغت بين الذكور 64.8% العام ذاته، تراجعت لتصل إلى %60.0 عام 2015، وكذلك بالنسبة للإناث، حيث بلغ معدل مشاركتهن %14.9 في عام 2009 ثم تراجع إلى %13.3 في عام 2015 وفق دائرة الإحصاءات.
وتفيد الأرقام الرسمية بأن الأسر التي لا يزيد دخل الفرد فيها عن 850 دولاراً تعدّ أسرا تقف عند خط الفقر، ويوجد أكثر من 14866 أسرة لا يتجاوز متوسط حصة الفرد من دخلها الـ 425 دولاراً في السنة. بينما تعيش في المملكة نحو 124 ألف أسرة أخرى لا يتجاوز متوسط حصة الفرد من دخلها خط الفقر آنف الذكر.
كما يبلغ عدد المشتغلين في الأردن ضمن القطاعين العام والخاص وفق بيانات حكومية نحو 1.059 مليون عامل وعاملة، منهم 102.6 ألف عامل يعملون برواتب تقل عن 280 دولاراً في الشهر، و 345.2 ألف عامل تتراوح رواتبهم بين 280 دولاراً و 423 دولاراً شهرياً.


أصحاب العمل يرفضون التعديل
وتحاول الحكومة إصلاح هذا الخلل عبر لجنة ثلاثية تم استحداثها بموجب قانون العمل 26 لعام 2010، والتي تختص في إعادة دراسة الحد الأدنى للأجور، ورفعه مقدار 100 دولار تقريباً، تماشياً مع ارتفاع كلفة المعيشة، وعدد الأسر الضعيفة، وتفاقم حالة الفقر وطنياً.
لكن المشكلة، كما يرى الخبير الاقتصادي موسى عرار تكمن في أن وجهة نظر أباطرة الصناعة لا تنسجم كثيراً مع من ينادون بهذا التعديل، ويقول: "إن رفع الحد الأدنى للأجور إلى 400 دولار تقريباً سيؤدي حسب وجهة نظرهم إلى تضخم كبير في الأجور والرواتب، ومساواة أجر العامل الجديد بعامل وصل راتبه إلى هذا الرقم بعد عدة سنوات من العمل والخبرة، الأمر الذي سيتطلب حتماً رفع رواتب العمال ذوي الخبرة أيضاً. إضافة إلى أن عدداً كبيراً من المستفيدين سيكونون من العمالة الوافدة، التي تذهب كل مدخراتها وبالعملة الصعبة إلى بلادها، فضلاً عن ارتفاع نسبة الاشتراكات التي يتم دفعها عن العامل في الضمان الاجتماعي، واعتمادهم مبدأ ربط الأجور بالكفاءة والإنتاج كحافز للعامل على إتقان عمله وتطوره". ويضيف: "إن مقارنتهم للحد الأدنى للأجور المعمول به في المملكة مع مثيله في مصر وتونس والجزائر وموريتانيا وسورية، أمر غير واقعي، إذا ما دققنا في متطلبات الإنفاق داخل كل دولة من هذه الدول، ومقارنتها مع قيمة الإنفاق في الأردن، حيث لا يوجد أي توازن ولا توجد أية مقاربة بين الأردن وغيره من الدول المشار إليها، نتيجة ارتفاع الفواتير التي تكبد المواطنين معظم مدخولهم. وكذلك، نتيجة الغلاء الفاحش وارتفاع الفواتير التي تكبد نفقاتها معظم دخول المواطنين. ومن المعروف أن الأردن من أغلى البلدان العربية، وأن المعيشة فيه باتت تتطلب من الأسر وجود دخل إضافي يردم الهوة الحاصلة بين الرواتب الحالية والنفقات".
وسبق لغرفة صناعة عمان أن شددت في بيان، على أن أي قرار برفع الحد الأدنى للأجور يجب أن يكون توافقياً ويعكس مصلحة أطراف الإنتاج الثلاثة، الحكومة وأصحاب العمل والعمال، معتبرة أن زيادة الحد الأدنى للأجور بنسبة 30 ديناراً ما يعادل 42 دولاراً، يعد أمراً مقبولاً، لأن أي زيادة فوق هذا الرقم ستؤدي إلى زيادة مشاكل القطاع الصناعي، الذي يعاني حالياً من إغلاق العديد من الأسواق الرئيسية، إضافة إلى ارتفاع أسعار الطاقة وفق البيان نفسه.
ويشير البيان إلى أن الحد الأدنى للأجور في الأردن يعتبر من الأعلى بين دول المنطقة، حيث يبلغ 268 دولاراً في حين يبلغ في مصر 174 دولاراً، وفي تونس 220 دولاراً، وفي الجزائر الدولة النفطية 180 دولاراً، وفي موريتانيا 100 دولار، وفي سورية 51 دولاراً.
وتابع أن أي رفع في هذا الأجر، سوف يؤدي إلى فقدان تنافسية الصناعة الأردنية أمام واردات هذه الدول وغيرها، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار السلع المصدرة، مما سيفقد الصناعة تنافسيتها في الأسواق الخارجية. وشرح أن هذا القرار سوف يؤثر بشكل سلبي على تنافسية القطاع الصناعي في السوق المحلية، وأسواق التصدير، خصوصاً خلال الظروف الحالية التي تمر بها الصناعة الوطنية، والتي أدت إلى تراجع غير مسبوق في الصادرات، عدا عن إغلاق عدد من المصانع الكبيرة في العام الماضي نتيجة زيادة كلف الإنتاج. موضحاً أن بيانات غرفة صناعة عمان للثلث الأول من هذا العام تبعث على القلق، إذ تشير الى استمرار حالة التراجع غير المسبوقة في الصادرات الوطنية، وما تبع ذلك من استغناء عن خدمات كثير من العمال. واعتبر أن ربط الأجور بالكفاءة والإنتاج هو الأصل في تحفيز العامل.
ويعتبر الخبير الاقتصادي سعيد الروسان أن انخفاض مستويات الأجور في الأردن من أبرز التحديات التي يواجهها العاملون في سوق العمل، وهي جزء من معاناة أشمل جرّها النموذج الاقتصادي المطبق منذ سنوات، حيث أضاف مشكلات انعكست سلبياتها على الطبقتين المتوسطة والفقيرة، "لأن توجيه السياسات المالية والنقدية نحو ممارسات تدعي ضمانها لفاعلية الأسواق من خلال التركيز على عجز الموازنة وميزان المدفوعات وسياسات التحكم بالتضخم وتثبيت أسعار الصرف، حرم برامج الحماية الاجتماعية من موارد أساسية كأموال الحكومة. وكذلك أضعف الفئات الهشة، لعدم استفادتها من ثمار الانفتاح". ويضيف لـ "العربي الجديد": "لقد أصبحنا نعاني من صعوبات اقتصادية، في الوقت الذي كان من المفترض أن تتعاظم فيه الخدمات الاجتماعية، التي تشمل ضمناً قطاع العمل، بهدف ضمان استمراريته ومعيشته اللائقة، ثم تطوير قدراته، وتحفيزها نحو الإبداع والإتقان بما يساعد على النمو والتنمية، لأن العامل الذي يدرك بأن حقوقه مصونة، ومدخوله عادل، سيكون متحفزاً أكثر للإنتاج من ذلك الذي يعيش قلِقاً على أمنه الاجتماعي، متأثراً بغياب الحماية". ولذلك "لابد من ربط زيادة الحد الأدنى للأجور بالحق الإنساني للعامل، والمحافظة على كرامته، كجزء من العدالة الاجتماعية التي ننشدها"، وفق الروسان.


المساهمون