نساء القدس يجمعن الثقافة والموهبة في مشاريع يدوية

نساء القدس يجمعن الثقافة والموهبة في مشاريع يدوية

16 مايو 2016
سارة القضماني تسوق لمشروعها في أحد المعارض (العربي الجديد)
+ الخط -
أسست سارة قضماني مشروعاً صغيراً أسمته "خرز" تصمم فيه إكسسوارات لجميع أفراد الأسرة، من سلاسل وخواتم وميداليات، جميعها مصنعة من حبات الخرز الملون. تتفنن سارة في تشكيلتها لتعرضها في المعارض، التي تشارك فيها. ولأن "خرز" يعتبر مشروعاً إلكترونياً تستخدم صاحبته وزوجها، بصفته شريكاً لها، وسائل التواصل الاجتماعي كمتجر لعرض تصاميمهما. فهما يعتبران أن مشاركتهما مهمة في هذه المعارض، كونهما يلتقيان بالناس بشكل مباشر، وفي المقابل تصل أعمالهما إلى جمهور أكبر، وهكذا يكون تقييم التصاميم أفضل.
بدأ المشروع منذ ثلاث سنوات، لكنّ الزوجين وبعد مشاركات عديدة في معارض الصناعات والأشغال اليدوية، غير راضيين عن حجم المبيعات في مدينة القدس، ويجريان مقارنة ما بين العائدات المادية عند مشاركتهما في معرض في مدينة القدس المحتلة وآخر في الضفة. تقول سارة: "إن أحوال الناس في القدس صعبة، لديهم أمور أكثر أهمية لمتابعتها، كذلك فإن عدد أيام المعارض قليلة، وبالرغم من أن أسعارنا معقولة ومع ذلك نجد المواطنين يترددون في الشراء".
تؤكد سارة أن مشروع "خرز" يتعامل مع هذه المنافسة من خلال تطوير التصاميم والمثابرة على التجديد والابتكار، فكثير من المشاريع باتت تقلد تصاميمها، والعملية، على حد قولها، أمست شبيهة بالنسخ واللصق دون أي ابتكار أو بصمة خاصة بصاحب أو صاحبة المشروع.
أما نهى فتعشق الفن الإسلامي العربي الفلسطيني العريق، وتضع في متناول يد الزبائن في معرضها "زينب للفنون الشرقية" كل ما تحتاجه السيدة الفلسطينية من مجوهرات وأثواب وشالات وبعض النثريات المنزلية، فتصاميمها خليط ما بين القديم والجديد من التطريز الفلسطيني، بالإضافة إلى إدخالها الخط العربي في عملها، إلى جانب هذه الفنون الشرقية، يمكن للزائر أن يجد التحف والسجاد من أوزبكستان وتركمانستان.
تقول مصلح:" أصبح لدى النساء نوع من الهوس في اقتناء كل ما يدخل التطريز الفلسطيني في تصميمه، خاصة بعد أن تم تطوير هذه الأشغال لتتلاءم والتغييرات الاجتماعية". لكن مصلح ترى، كسيدة أعمال ذات خبرة، أن ما ينقص السوق الفلسطينية اليوم هو وجود مصممات ومصممي أزياء وحلي يجارون هذا التطور.


وتقول: " كل سيدة تستطيع أن تحضر قطعة قماش وتبدأ بالتطريز، لكن الابتكار سيغيب، فكل ما نحتاجه اليوم وبسبب الفجوة ما بين القديم والحديث هو القدرة على التطوير والدمج التجاري لهذه المتغيرات".
وعن الدور التاريخي للنساء الفلسطينيات، تؤكد مصلح: "كانت النساء الفلسطينيات وما زلن عماد البيوت، الرجال خرجوا لمقاومة المحتل وهن بقين ليُعِلْنَ أولادهن، يطرزن ويستوحين التصاميم من وحي بيئتهن، ويبعن إنتاجهن من أجل لقمة العيش، فالشغف بالعمل والمساعدة سمة تمتعت بها النساء على مر الأجيال".

وتعيش القدس المحتلة واقعاً معيشياً صعباً على جميع الأصعدة ومنها الاقتصادية، في ظل نسبة فقر وصلت وفق تقديرات الخبراء إلى 80 %. وقد ترتب على هذا التدهور ارتفاع حجم البطالة بين الرجال والنساء على حد سواء. وبحسب مركز القدس للدراسات الإسرائيلية، فإن نسبة البطالة في القدس وصلت إلى 40 % في صفوف الرجال، يقابلها 80 % عند النساء، إذ إن الوضع الاقتصادي في المدينة يوصف بالهزيل والمعزول، وباتت فرص تطوره محدودة في ظل الاحتلال.
هذا وتواجه المرأة في القدس صعوبات تحد من إمكانية انخراطها في سوق العمل، في ظل منظومة اجتماعية واقتصادية وسياسية معقدة. ووفقاً للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن مجالات التشغيل الأساسية للمقدسيين تتركز في قطاعات الفندقة والمطاعم بنسبة 25 %، والخدمات العامة والتربية والتعليم بنسبة 18.9%، وغالباً ما يكون مجال الفندقة والمطاعم والخدمات العامة، من نصيب الرجال، فيما التعليم تنخرط فيه النساء المتعلمات بنسب معقولة.
وفي السنوات القليلة الماضية، لاح في الأفق بصيص أمل، ساعد في التخفيف من حدة البطالة بين النساء من خلال المبادرات النسائية والمشاريع الصغيرة المدرّة للدخل، لكن هذه المبادرات وبالقدس خصوصاً تواجه عدة عراقيل، تتمثل في صغر حجم السوق، المنافسة القوية، غياب الدعم.
يؤكد مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية زياد حموري، أنه وفي ظل نسبة الفقر العالية والضغوط الاحتلالية الموجودة في القدس، فإن أي مبادرة مهما كانت صغيرة يجب أن يكون لها مجالاً في السوق، وبالتالي يمكنها التقليل من حجم البطالة ورفع المستوى المعيشي للعائلات. والتخفيف من نسبة الفقر الخطيرة ولو بشكل طفيف، وهكذا يتمكن المقدسيون من الصمود، وهذه معادلة مهمة للبقاء.
وعن دور النساء كمؤسسات لهذه المبادرات، يقول حموري: " يقع العبء الأكبر والأثقل في المجتمع المقدسي على كاهل النساء، سواء كانت أم أو زوجة أو أخت، ودورها في هذه المبادرات يساعد الأسرة ويعطيها القوة، ويساعد في تحسين مستوى معيشتها، خاصة إذا كان المشروع مدروس ومخطط له جيداً، وهكذا تضمن له الاستمرارية والنجاح".
أما المنافسة بين هذه المبادرات والمشاريع النسائية فهي كبيرة وقوية داخل سوق صغيرة نسبياً، وغالباً ما نجد أن هذه المشاريع تختص بإنتاج أصناف معينة، مثل تصميم الاكسسوار والحلى النسائية سواء الفضية أو تلك المطلية بماء الذهب، أو أشغال التطريز الفلسطيني التي أدخلتها النساء الفلسطينيات على جميع المجالات، فبعد أن كان التطريز في السابق يقتصر على الأثواب وأغطية الرأس والأحزمة، بات يدخل اليوم في تصاميم المجوهرات والحقائب النسائية والأحذية وغيرها.

المساهمون