الحكومة تعد المصريين بزيادة الفقر

الحكومة تعد المصريين بزيادة الفقر

11 ابريل 2016
ارتفاع أعداد فقراء مصر (خالد دسوقي/ فرانس برس)
+ الخط -
أعلن رئيس الوزراء المصري، شريف إسماعيل، بيان الحكومة أمام البرلمان. وقد أتى البيان في 79 صفحة متضمناً 7 محاور، تضمن قضايا الأمن القومي، الديمقراطية، البرنامج الاقتصادي، العدالة الاجتماعية، التنمية الاقتصادية، الإصلاح الإداري، ودور مصر الإقليمي والمحلي.
بشكل عام، يشبه البرنامج إلى حد كبير بيانات حكومات مبارك، وتوجيهاتها الاقتصادية والسياسية، بل يشبه أيضاً لغة الحكومات السابقة وكليشهاتها، والمضامين التي تحملها. اتسم البيان بجانب فقر اللغة، فقر الفكر وتقليدية التعبير، والنزوع السلطوي، وتكريس دور رئيس الدولة بوصفه المحرك والموجه والحاكم، فكل التوجهات منه. هو القائد والزعيم والراعي، بينما تقوم المؤسسات الأخرى بدور سكرتارية الرئيس.
رغم أن الدستور الذي أقر في 2014، يختلف مع هذا التوجه، لكن الواقع السلطوي في مصر الآن يشابه ويقارب واقع الحكم أيام حسني مبارك وتحدياً فترة التسعينات، وقد يتجاوزه في طابع القمع المنظم والتضييق على المجال العام، بجانب توجه اقتصادي يتمثل في تحرير الخدمات والسير في اتجاه تطبيق سياسات السوق.

استهدف البيان تبرير الفشل في إدارة الاقتصاد عارضاً لأزمته، مبيناً عجز الموازنة العامة للدولة، باعتبار أن الأزمة ليست في بناء الاقتصاد القائم على المحاباة، وتسهيل الفساد وهدر الموارد، لكن الأزمة من وجهة نظر البيان، تتلخص في عجز الموازنة التي تسببت في ارتفاع فاتورة الدعم والأجور من 93 مليار دولار إلى 231 ملياراً. ولو صدقنا هذه الأرقام فلا يمكن أن نصدق أنها السبب الوحيد لعجز الموازنة، فهناك مليارات صُرفت من أجل دعم رجال الأعمال وتقاضتها دوائر السلطة، ناهيك أن الأجور لا توازي في زيادتها مستوى التضخم. فعن أي أجور تتحدث الدولة؟ عن أجور معظم العاملين في الجهاز الإداري حيث تصل مرتبات بعضهم أقل من الحد الأدنى للأجر؟ أم عن البدلات والأجور الخاصة بالصفوة داخل جهاز الدولة والتي تتجاوز بعضها عشرات آلاف الجنيهات؟


يرصد البيان الأزمة الاقتصادية، ويلمح أن الثورة سببها، حيث يرصد كل الأرقام الاقتصادية منذ 2010 حتى 2016، ويقارن بين فترة ما قبل الثورة وما بعدها، ورغم أنه ذكر العدالة الاجتماعية بشكل عابر، إلا أنه يستنكر في الوقت عينه تكلفة الأجور والدعم المقدم للشعب، فيما تعاير الحكومة شعبها بأنهم سبب الأزمة، وأن عدد السكان يتضاعف ولا تستطيع الحكومة تلبية احتياجاتهم.
ورغم أن الدعم الذي تتحدث عنه الحكومة، قد قلص خلال السنوات الثلاث الماضية، لكن البيان اعتبره سبب الخلل، بل ادعى البيان، أن الدولة تتحمل تكلفة الخدمات المقدمة للشعب، وأن أسعارها أقل من تكلفتها. وهذه مغالطة أخرى تتلاعب بها الحكومة لكي ترفع أسعار خدمات الكهرباء والصحة والتعليم مستقبلاً.

يبشر بيان الحكومة بأن نتاج الأزمة الاقتصادية، سيدفع الحكومة إلى اتخاذ إجراءات اقتصادية جديدة قاسية، وأنه لا سبيل لتحقيق التنمية بدونها. فبعد احتساب فاتورة أجور العاملين والدعم وخدمة الدين الخارجي والداخلي، لا تكفي الموازنة لإنشاء استثمارات جديدة. هكذا تبرر الحكومة سياساتها الاقتصادية التقشفية في المستقبل، ولعل إعادة إحياء وزارة قطاع الأعمال في التعديل الحكومي مع هذا البيان، يوضح أن الدولة تنوي التصرف في الأراضي والأصول التي يمتلكها الشعب، إما بالتخصيص أو البيع أو الرهن، لتحل أزمتها. والمطلوب في هذا السياق، موافقة وإقرار مجلس النواب بذلك، وهنا تضع الدولة البرلمان في مأزق. إذ تعني عدم موافقته على البيان إعادة تشكيله، وهو الأمر الذي يمثل عامل ضغط، وإذعان على البرلمان حتى وإن كان معظم النواب يؤيدون السلطة والحكومة.
يمكن القول، إن بيان الحكومة ذو طابع إنشائي وتبريري، يحمل الكثير من المغالطات، ويبشر بالغلاء والتقشف، مما يعمق الأزمة الاقتصادية القائمة. يسير البيان على ذات النهج الاقتصادي الذي خلق الأزمة، ويتجاهل كل الطروحات الاقتصادية التي يمكن أن تعالج الوضع المأزوم السائد حالياً.
كما يتجاهل أحوال الشباب ومسألة توفير فرص عمل، كما يتجاهل الفلاحين وأوضاع الزراعة المصرية ولم يطرح رؤية لكيفية مواجهة الفساد أو محاسبة الفاسدين، بل يكرس بلهجته الخطابية السائدة في طول البيان لفكرة دعم رجال الأعمال وتقديم الحوافز لهم.
(باحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية جامعة القاهرة)

المساهمون