العراقيون يعيشون الفقر فوق بركة نفط

العراقيون يعيشون الفقر فوق بركة نفط

05 سبتمبر 2015
مظاهرات العراقيين ضد الفساد (فرانس برس)
+ الخط -
أن يعيش المواطنون في بلد من بلدان العالم الثالث غير النفطية حالة من الفقر والحاجة، فذلك أمرٌ طبيعي، ولكن أن تنعدم الخدمات وتتدهور حالة البنى التحتية في بلدٍ نفطي كالعراق، ويعيش أكثر من ثلث مواطنيه تحت خط الفقر، فذلك يؤشر إلى حجم التخبط والفساد المالي والإداري الذي يعصف بالعباد والبلاد، وفقاً لعدد من الخبراء، حتى ما عاد العراقيون يصدقون أنهم يعيشون في بلد يصنف بأنه "بلد نفطي".
يقول المواطن، حسين حامد (67 عاماً)، من سكان شرق بغداد، لـ "العربي الجديد": "لا نعرف أين ذهبت مئات المليارات من الدولارات التي دخلت الخزينة العراقية خلال السنوات العشر الأخيرة، فنحن لم نشعر بآثارها إلا من خلال نشرات الأخبار التي تنقل أخبار الفساد والفاسدين".
ويضيف حامد: "البلد يعيش في حالة تدهور وانحدار مستمر، حتى بتنا نترحم على أيام الحصار في تسعينيات القرن الماضي، بعد أن ساءت الظروف الصحية والمعيشية، وانتشرت البطالة والفقر في العراق الجديد"، ويؤكد "أننا نعيش اليوم أسوأ مرحلة على مستوى الخدمات وشروط العيش الكريم، فلا ماء صالحاً للشرب ولا خدمات صحية واجتماعية، ولا تطوير وصيانة للبنى التحتية، أما الكهرباء فحدّث عنها ولا حرج، حتى بتنا نقارن أنفسنا بمن يعيشون في مجاهيل أفريقيا وليس بمواطني جيراننا من دول الخليج كما هو المفترض".
ويرى الخبير المالي والاقتصادي، الدكتور همام الشماع، أنه "لم يعد أحد من العراقيين يصدق أن العراق بلد ثري، فالواقع أن العراق يشبه الهند تماماً من حيث الثراء والفقر المتلازمين معاً. ففي الهند كما في العراق ثروة هائلة، لكن في كليهما فقر مدقع، وكلاهما فيه مظاهر الثروة واضحة في القصور الفخمة، والسيارات التي يسير قسم منها في شوارع العاصمة البريطانية، بينما نشاهد فقراء البلدين يأكلون من مكبات النفايات ويلتقطون منها ما يمكن بيعه".
ويضيف الشماع لـ "العربي الجديد": "هل ثمة فرق بين الحالتين؟ نعم، العراقي لا يصبر طويلاً على الظلم، وإن ظهر أنه يصبر اليوم، فلأن هناك من يخدعه باسم الدين". ويؤكد أن "اليوم الذي سينقلب فيه الجياع على الذين يسرقون من تجار الدين وملوك الطوائف ليس بعيداً".
ويشير إلى أن "مليارات الدولارات تسرق وتحول للخارج، فالبنك المركزي العراقي يبيع يومياً طيلة الأعوام الماضية ما معدله مائتا مليون دولار، جزء كبير منها هي أموال مهربة إلى الخارج، ومصدرها أموال قذرة".
ويلفت إلى أن "البطاقة التموينية، التي كان الفقراء يقتاتون منها، تكاد تختفي من قاموس السراق. أما بالنسبة للكهرباء والماء الصالح، وقنوات الصرف الصحي، بالإضافة إلى المستشفيات، فكلها تعاني من أوضاع سيئة، حتى العلاج غير متاح إلا ما ندر، وخصوصاً في الأرياف". ويؤكد أن "مظلومية الشيعة التي كانت هاجس المعارضة ضد صدام حسين، تفاقمت منذ 2003، وأضيفت لها مظلومية السنة".
ويختم الشماع بالقول إن "العراق المظلوم، كما أطلقت عليه إيران قبل 2003 لم يعد مظلوماً فقط، وإنما بات اليوم منهوباً أيضاً".
بدوره، يعتبر وزير النفط العراقي الأسبق، الدكتور عصام الجلبي، أنه "يجب إيجاد حلول لمكافحة الفساد، قبل الحديث عن الخطوات الواجب على الحكومة العراقية اتباعها"، فالفساد، وفقاً للجلبي، "هو العنصر الرئيسي الذي يعاني منه العراق، وهو يستهلك الميزانية والإيرادات".
ويضيف الجلبي: "يعدّ العراق اليوم، أبرز المتأثرين من جراء انخفاض أسعار النفط"، موضحاً أنه "يعاني وضعاً حرجا للغاية، فميزانيته هبطت بشكل كبير جداً، والسلطة القائمة تعاني ديوناً ونفقات كبيرة، لكنها لا تعترف بذلك". ويدق الجلبي ناقوس الخطر بوجه العراقيين بقوله: "إن ما يدخل خزينة العراق من أموال النفط لن يكون كافياً لتغطية المصاريف التشغيلية فقط".
إلى ذلك، يقول رئيس رابطة خبراء النفط العراقيين، الدكتور علي المشهداني، في اتصال مع "العربي الجديد"، إن "الثروة النفطية والغازية ثروة ناضبة، لذلك مصالحنا تقتضي أن ترتبط بالتنمية المستدامة". ويؤكد المشهداني "أن الثروة النفطية في العراق إن لم تربط بالتنمية، فإن كل حلقات الإنتاج، حصيلتها فقط ضياع هذه الثروة، والمسؤولية يتحملها أصحاب القرار أولاً، والعلماء المختصون والقادة التنفيذيون من بعدهم".
ووفقاً للمشهداني فإن "حجم التجارة في المنتجات النفطية يمثل أكثر من 60% من حجم المبادلات التجارية العالمية… وعدم ربطها بالتنمية من قبل أصحاب القرار عندنا جعلها أرخص سلعة على وجه الأرض، بينما هي أساس دوران الآلة المدنية والعسكرية". ويضيف "بدل أن تكون أموال النفط سبباً في سعادة المواطنين، أصبحت أساس تنمية ثروة الآخرين وسعادتهم، وشقاء أصحاب هذه الثروة الحقيقيين".
ويلفت المشهداني الانتباه إلى مسألة مهمة، حيث يعتبر أن "عدم ربط الثروة النفطية بالتنمية، أكبر عملية نقلٍ وسرقة للثروة حصلت على وجه الأرض، وذلك لعدم ربطها بتبادل المنافع مع الدول المستفيدة من النفط".
ويعزو المشهداني في حديثه لـ "العربي الجديد" سبب التخبط من ناحية أخرى، إلى "أن الدولة العراقية لم تستفد من فرص ووسائل زيادة الإنتاج، كمدِّ خطوط أنابيب جديدة وتطوير مستلزمات التصدير". ويختم بالقول "إن الأسعار السائدة حالياً للنفط، مع تناقص فرص زيادة الإنتاج والتصدير، سوف تؤثر على الوضع الاقتصادي عموماً، وعلى ميزانية الحكومة غير المدروسة بلا شك، وذلك سيزيد الأعباء والأزمات والضغوط على كاهل المواطن".
ويكشف عضو البرلمان العراقي، عبد العظيم العجمان، بعضاً من المزايا الكبيرة التي كان يحصل عليها أعضاء مجلس النواب، ذاكراً من بينها أن "كل نائب في الدورات السابقة كان يأخذ مبلغاً كمنحة مالية قد يصل إلى 90 ألف دولار لتحسين معيشته!".
ويذكر النائب، في تدوينة على صفحته في "فيسبوك"، إلغاء منحة تحسين المعيشة، وتقليص عدد أفراد حمايات النائب، وإصلاحات أخرى أقرها مجلس النواب مؤخراً بضغط من الشارع الغاضب. لكنه لم يخفِ تخوفه من استمرار الوضع نفسه بالقول: "أنا متأكد من أن الفساد سيستمر، لأن مكانه الأصلي في الوزارات والهيئات والمحاكم والرئاسات الثلاث، بينما كانت الأنظار متجهة نحو البرلمان".