سورية: الأزمات والحروب تنعش المبادرات المجتمعية

سورية: الأزمات والحروب تنعش المبادرات المجتمعية

01 يوليو 2015
مبادرات لإعداد وجبات الإفطار في شهر رمضان (فرانس برس)
+ الخط -
مع بداية شهر رمضان، بات شائعاً أن يجد المرء في مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة ببعض التنسيقيات السورية ومكاتب الإغاثة العاملة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام عشرات رسائل الشكر الموجهة إلى جمعيات وأفراد داخل وخارج سورية على تقديمهم الدعم، سواء النقدي أو الوجبات الغذائية، لإطعام الأسر الفقيرة في شهر رمضان. وفي حين تنشط تلك المبادرات في مختلف المناطق السورية، لكنها تكتسب أهمية أكبر في المناطق التي تحاصرها قوات النظام السوري بصورة كلية أو جزئية، حيث تفتقر تلك المناطق لنشاط منظمات الأمم المتحدة التي تمتلك إمكانات كبيرة بوسعها سد الفجوة الهائلة التي خلقتها الحرب.

العمل المجتمعي
في مناطق النظام السوري، تبقى "موائد الرحمن" شائعة في بعض الأحياء والمساجد. وهي موائد إفطار جماعية موجهة للفقراء اعتادت فئة من التجار إقامتها قبل اندلاع الثورة كجزء من نشاط تسويقي يتوجه للعمل المجتمعي، وهي "لا تزال قائمة في بعض أحياء ومساجد العاصمة دمشق وإن بوتيرة أقل من السابق" بحسب ما تقوله ناديا (35 عاماً) التي تقيم في مدينة دمشق. وتضيف ناديا لـ "العربي الجديد": "تزايدت موائد الرحمن التي بات يقيمها بعض الميسورين على نطاق أضيق، أي لأهل منطقتهم على سبيل المثال، والتي لا تحمل أي أبعاد تسويقية وربحية". كما تنشط بعض الجمعيات المدنية في مناطق سيطرة النظام وتقوم بتوزيع وجبات إفطار في مراكز الإيواء أو في بعض الأحياء الفقيرة.

يقول الناشط فضل شرف الدين من مدينة دمشق لـ "العربي الجديد" أن "لا ثقة كبيرة بالجمعيات العاملة هنا، لذلك أقوم وأصدقائي بجمع تبرعات وإيصالها للعائلات المحتاجة التي نعرفها وهي كثيرة جداً وما من صعوبة في توجيه المال للمحتاجين". كما يشير شرف الدين إلى أن "تبرعات الإفراد السوريين في الخارج قد انتعشت مجدداً في شهر رمضان، وهي تقدم مساهمة كبيرة في ظل تراجع الاهتمام الدولي بإغاثة السوريين بعد نحو خمس سنوات على بداية الأزمة".

مطبخ رمضاني
أما في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام وخصوصاً المحاصرة منها، فتغيب "موائد الرحمن"، إذ تحولت هذه الظاهرة إلى شكل آخر بسبب عدم تواجد محال تجارية ومطاعم كبيرة. في غوطة دمشق على سبيل المثال، تقوم بعض العائلات بجمع تبرعات لافتتاح "مطبخ رمضاني" يتراوح حجمه بين مطبخ صغير يطعم بضع عائلات، ومطبخ كبير يطعم مئات العائلات. وفي معظم الحالات، يبدأ المطبخ كمبادرة فردية تتحول إلى عمل جماعي بعد أن تستجلب المزيد من الاهتمام والدعم.

كما تقوم جمعيات محلية بافتتاح مطابخ كبيرة عن طريق ما بات يعرف بـ"الحملات" التي تقدم فيها جمعيات وأفراد الدعم المالي على شكل أسهم. يقول عبد الله الحافي من الغوطة الشرقية لـ"العربي الجديد": "نظرا للحاجة إلى مبالغ مالية كبيرة، تعتمد معظم المؤسسات حالياً على نظام الأسهم في التبرعات بحيث يمكن للأفراد أن يساهموا في تلك الحملات". ويشرح: "كلفة المطبخ المتوسط نحو عشرة آلاف دولار أميركي ما يعني صعوبة بالغة في أن تنهض مؤسسة واحدة بهذا العمل، لكن مع تقسيم الميزانية إلى 100 سهم، يكون السهم بمئة دولار فقط، وهو ما يمكّن المغتربين متوسطي الدخل من المساهمة، كما تستطيع المنظمات الصغيرة والهيئات التطوعية المشاركة بصفة رسمية في الحملة، ونحن نعتمد نظام الأسهم بصورة كبيرة في شهر رمضان".

فيما أطلقت مؤسسة "غراس النهضة" العاملة في محافظة دمشق وريفها حملة "غراس رمضان" للعام الثالث على التوالي. وفي حين اعتادت المؤسسة توزيع مساعدات غذائية للأهالي، فقد عملت هذا العام على تأسيس بعض المشاريع الإنتاجية التي يشارك فيها الأهالي وتستخدم للإغاثة، وكمثال على ذلك "تمت زراعة القمح ومن ثم إنتاج الطحين وصناعة الكشك من منتجات القمح، كما نقوم بشراء خضروات صيفية وتجفيفها، ونجهز السلل الغذائية بشكل أساسي من منتجات هذا المشروع" بحسب أحد أعضاء المؤسسة.

حصار النظام
في المناطق المحاصرة في سورية، يمنع النظام السوري وصول المواد الإغاثية من الجهات الدولية الداعمة، فيكون للمبادرات المحلية أهمية حاسمة في تخفيف المعاناة عن السكان، بل في إنقاذ الآلاف من الموت جوعاً. يقول أحد أعضاء منظمة "غراس" إنه "لطالما كان هنالك دور فاعل للأفراد في مد يد العون لأهلهم، وتعمل غراس من خلال مندوبيها حول العالم على جمع الإسهامات الفردية من أهالي الخير حول العالم". ويضيف: "التكافل الاجتماعي الذي يبديه السوريون تجاه بعضهم مهم جداً، لكن الحقيقة أننا إزاء كارثة كبيرة ونحتاج إلى ميزانية دول، لكي نرفع شيئاً من المعاناة التي يقاسيها شعبنا

المساهمون