روسيا في سورية: طموحات المنافع الاقتصادية تتخطى العسكرية

روسيا في سورية: طموحات المنافع الاقتصادية تتخطى العسكرية

09 نوفمبر 2015
عين روسيا على مرحلة ما بعد الحرب (فرانس برس)
+ الخط -
رغم الركود الحاد الذي يضرب الاقتصاد الروسي وحملة المقاطعة الاقتصادية الأوروبية والأميركية، على خلفية تدخل روسيا في أوكرانيا، اندفعت روسيا إلى تدخل عسكري جديد في سورية لتزيد الضغوط على موارد الدولة المتداعية بفعل انهيار أسعار النفط. ويفتح ذلك الباب أمام التساؤل عن المكاسب الاقتصادية التي تأمل روسيا تحقيقها في سورية، لكي تعوض الإنفاق العسكري المتزايد هناك. تختلف التحليلات في هذا الشأن، إلا أنها تتقاطع في قضية أساسية، ألا وهي أن التدخل الروسي في سورية، وإلى جانب منافعه السياسية المتعلقة بالمصالح الروسية في المنطقة، له تشعبات أخرى، مرتبطة بالمنافع الاقتصادية التي تطمح روسيا إلى تحقيقها في هذا البلد بعد انتهاء الحرب. إضافة طبعاً إلى عقود التسليح التي تدر عليها ملايين الدولارات المستنزفة من جيوب من تبقى من السوريين في أرضهم.


نفقات كبيرة

والحال أن النفقات العسكرية، وإن كانت المشاركة الروسية لا تزال محدودة حتى الآن، تبدو كبيرة بعض الشيء قياساً إلى الأداء الضعيف للاقتصاد الروسي. وبحسب صحيفة "موسكو تايمز" ووفقاً لبيانات جمعتها بالتعاون مع مركز دراسات متخصص، بالشؤون العسكرية الروسية، فإن تكلفة العلميات العسكرية الروسية في سورية تبلغ حالياً 4 ملايين دولار يومياً. ما يعني أن العمليات ستكلفها نحو 1.5 مليار دولار سنوياً، وهو رقم ليس بالكبير قياساً إلى ميزانية الدفاع الضخمة لهذا العام والتي تبلغ 50 مليار دولار، إلا أنها ليست بسيطة كذلك، مع توقعات ارتفاعها في حال التوسع في التدخل العسكري خلال الفترة المقبلة.
ويعتقد الباحث الاقتصادي كمال يوسف أن تكلفة العمليات العسكرية الروسية في سورية "أعلى مما تذكر وسائل الإعلام الروسية وخصوصاً مع إطلاق صواريخ كروز من البحر، ونشر معدات حربية حديثة فضلاً عن الحديث لتأسيس قاعدة عسكرية جديدة".

ويقول في حديث لـ "العربي الجديد": "إن الأهم من كل ذلك أنها مصاريف متزايدة بوتيرة سريعة وهي بالتأكيد سوف تزيد الأعباء على الاقتصاد الروسي، لكن روسيا تمني النفس بفرص اقتصادية مرتقبة في سورية في حال انتصرت".

تبادل تجاري متواضع

قبل اندلاع الثورة السورية واستنجاد الرئيس السوري بموسكو لم تكن العلاقات الاقتصادية بين الجانبين متميزة. كان التبادل التجاري بين البلدين متواضعاً وقد بلغ نحو مليار دولار في العام 2010 لكنه تضاعف مباشرة بعد عام على اندلاع الثورة بحسب بيانات صادرة عن السفارة الروسية في دمشق. وكانت صحيفة حكومية سورية قد كشفت قبل نحو شهر على بداية العمليات العسكرية الروسية في سورية عن مباحثات أجراها وفد رجال أعمال من كبرى الشركات الروسية زار دمشق بهدف المساهمة في إقامة مشاريع مشتركة حيوية وتنموية في سورية"، وأكدت الصحيفة "التوصل إلى اتفاق مبدئي أبدى فيه الوفد الروسي استعداده لتزويد سورية بكل متطلبات الصناعة على أن يتم البدء بخمسة مشاريع كمرحلة أولى".

اقرأ أيضاً:روسيا في سورية: امتهان الخداع

لكن الحرب المدمرة في سورية تقف عائقاً أمام توسيع التعاون التجاري والاستثماري بين الجانبين. وعلى سبيل المثال فبعد تضاعف التبادل التجاري بين البلدين، بلغ ملياري دولار في العام 2012، ثم عاد لينخفض وليسجل نصف مليون دولار فقط في العام 2014. ويعود ذلك إلى دمار قطاعات الإنتاج في سورية وتراجع القدرة التصديرية الإجمالية بالإضافة إلى خروج مناطق شاسعة عن سيطرة الحكومة وهو ما يخفض حاجتها للاستيراد. ولكن، بالإضافة إلى ذلك، يعتقد الباحث في المنتدى الاقتصادي السوري رامي سيف في حديث لـ "العربي الجديد" أنه "لا توجد فرص كبيرة لتعزيز هذا النوع من التعاون الاقتصادي بين الجانبين، ذلك أن البضائع الروسية لا تتمتع بطلب كبير في سورية كما لا تمتلك التكنولوجيا الحديثة. وكذلك الأمر بالنسبة للسلع والبضائع السورية بالنسبة للتجار الروس إذ لا تبدو منافسة للسلع الصينية والبضائع التركية". ويستنتج سيف أن "التعاون بين سورية وروسيا سوف يبقى على المستوى الحكومي (شراء أسلحة وعتاد عسكري)".
إذا كان التبادل التجاري لا يشكل مقابلاً مناسباً للتدخل العسكري الروسي فربما يشكل الاستثمار في قطاع الطاقة السوري ذلك الحافز. في شهر تموز/ يوليو الماضي، إي قبل نحو شهرين على التدخل العسكري الروسي، أعلن الاتحاد الروسي لصناعيي الغاز والنفط أنه سوف يستثمر ما لا يقل عن 1.6 مليار دولار في عقود الطاقة ولكن فقط بعد أن "يصبح الوضع مستقراً" في سورية.

خط النفط إلى أوروبا

وكانت الحكومة السورية قد وقعت في العام 2013 اتفاقاً مع شركة "سيوزنفتاغاز" الروسية من أجل الحفر والتنقيب عن النفط والغاز في مناطق قبالة الساحل السوري وفق عقد يستمر لمدة 25 عاماً. لكن الشركة أعلنت مع بداية التدخل الروسي في سورية أنها تخلت عن خططها تلك وذلك "بسبب الحرب هناك". يفسر سيف قرار الشركة بأن "نتائج المسح الذي أجري عبر الأقمار الصناعية أثبت عدم وجود كميات كافية من النفط أو الغاز". ويعتبر أن استثمارات الطاقة في سورية ليست مربحة بصورة كبيرة بالنسبة لروسيا، ويضيف: "جل ما تطمح إليه روسيا اليوم، هو منع أي مشروع تصدير الغاز للقارة الأوروبية. فروسيا اليوم تسيطر على قطاع الطاقة في أوروبا، وتصدر أكثر من 50 % مما تستهلكه تركيا سنوياً؛ بالتالي حماية هذه العقود والمحافظة عليها هو ما يهم روسيا من سورية".
هكذا، يبدو أن مكاسب روسيا الاقتصادية في سورية تتخطى مسألة توسيع التعاملات التجارية والاستثمارات وبيع الأسلحة، إذ يبدو التواجد في سورية باعتبارها مكاناً محتملاً لمرور شبكة أنابيب النفط والغاز إلى تركيا ومن ثم إلى أوروبا المكسب الأهم في هذا الصدد وذلك لمنع أي تهديد لتجارة الغاز الروسية.

وقد كان الخطر محدقاً في العام 2007 عندما وافقت سورية على ربط مشروع خط الغاز العربي بخط أنابيب "نابوكو" الذي كان من المنتظر أن ينقل الغاز من آسيا الوسطى باتجاه أوروبا مروراً بتركيا ويهدد بالتالي هيمنة روسيا على تصدير الغاز إلى أوروبا. لكن اندلاع الحرب في سورية جمّد العمل بالمشروع، ويأتي التدخل العسكري الروسي اليوم لينهي أي إمكانية مستقبلية لتنفيذ مثل هذا المشروع.

اقرأ أيضاً:براميل اقتصادية تفتك بالسوريين

المساهمون