إرهاب الإيجارات:اللبنانيون يعيشون رعب الزيادة السنوية

إرهاب الإيجارات:اللبنانيون يعيشون رعب الزيادة السنوية

30 نوفمبر 2015
السكن يرهق اللبنانيين (باتريك باز/ فرانس برس)
+ الخط -
لن تتكبد عناءً كثيراً في رحلة البحث عن معاناة المواطنين في موضوع السكن. فالحقيقة التي يُجمع عليها الاقتصاديون وبعض الحالات التي تعبت من الإيجارات تُؤكد أن الدولة غائبة عن هذا الملف لا بل متآمرة على من يطلبون منزلاً يؤويهم. تغيب الإحصاءات كالعادة في بلادنا، تُقر المشاريع التي تستهدف الفئات المحرومة مما يجعلها محرومة أكثر.
ففي عهد الرئيس السابق للجمهورية ميشال سليمان وفي الجلسة ما قبل الأخيرة للمجلس النيابي بتاريخ الواحد من نيسان/أبريل من عام 2014 أُقرّت مجموعة مراسيم وقوانين ومنها قانون جديد للإيجارات، وقدم بعض النواب ومن كُتل مختلفة طعناً في العديد من المواد والبنود في القانون، وكان ذلك بالتعاون مع لجنة من المستشارين والمدافعين عن حقوق المستأجرين. ومنذ تلك اللحظة وبعد نشر المشروع في الجريدة الرسمية لم يقرّ القانون بشكل كامل وجُمّد بين المجلس الدستوري وأدراج مكاتب المجلس النيابي.

مسكن لائق

"لا نريد سوى مسكن لائق بسعر لا يكسر ظهرنا"، بهذه العبارة تبدأ سعاد حديثها لـ "العربي الجديد"، وتضيف أنها تعمل في مجال التسويق، براتب لا يتعدى 500 دولار شهرياً، أما زوجها فهو موظف في شركة أدوية ويتقاضى 650 دولاراً شهرياً. لدى سعاد ولدان وتتخطى مصاريفهما الـ 400 دولار بين مدرسة للطفل الكبير وحضانة أطفال للصغير ومصاريف بين غذاء ودواء وفواتير وغيرها قد تصل إلى 350 دولاراً. أما إيجار الشقة التي يسكنون فيها فهو 450 دولاراً في منطقة المريجة في الضاحية الجنوبية. تبتسم سعاد بعد ذكرها أنّ هناك قرضاً أيضاً بـ 150 دولاراً شهرياً، وتتوقف عن الكلام لأنّها تذكرت الديون المتراكمة عليها وعلى زوجها للمصارف وللأهل. وتشير إلى أنها تتعرض للتهديد يومياً من صاحب المنزل، الذي أعلمها أنه سيزيد عليها الإيجار 100 دولار في نهاية هذا العام، بعدما رفعه 50 دولاراً في نهاية 2014.

اقرأ أيضاً:مصريون يدفعون للسكن الجامعي فتنافسهم الحشرات في الغرف

تختلف حالة أحمد عن سعاد قليلاً فأحمد لا يعاني من الديون، بل من ارتفاع قيمة الإيجار الذي يصل إلى 800 دولار شهرياً. يسكن أحمد في منطقة الظريف في بيروت، يعمل في إحدى الإذاعات مقابل 900 دولار شهرياً وتعمل زوجته في إحدى المحطات التلفزيونية مقابل ألف دولار شهرياً. يقول أحمد إن عقد الإيجار كان 550 دولاراً وارتفع خلال سنتين ليصل إلى ما هو عليه، في حين أبلغه صاحب المنزل أنه سيرفع الإيجار بعد أشهر بحجة "ارتفاع كلفة المعيشة". ويسأل أحمد: "وهل نحن في كوكب آخر لكيلا يطاولنا التضخم كما صاحب المنزل؟ ومن يحمينا من هذا الجشع الذي يزيد سنوياً؟".
أمام بلال وهو مالك لشقة في منطقة المصيطبة والقريبة من إحدى الجامعات الخاصة، فيحدثنا عن أنه يؤجر السرير في الغرفة بـ 200 دولار للفتيات القادمات من المناطق وفي الشقة ثلاث غرف، أي أنه يتقاضى 1200 دولار شهرياً. وفي رأيه هو يقدم تسهيلات للطلاب فيما من المستحيل إيجاد عرض كهذا في قلب بيروت.

غياب القوانين

يشير الخبير الاقتصادي الدكتور كمال حمدان إلى أن مشكلة الإيجارات تعني بشكل أساسي الفئات الشابة غير القادرة على شراء شقة، وهؤلاء يشكلون الغالبية العظمى من طالبي الإيجار، وهذه المشكلة تطاول الطبقة الوسطى وما دون الوسطى والفقيرة. ويضيف حمدان أنه للأسف في بلادنا ليس من قانون يحدد سعر الإيجار. ففي فرنسا مثلاً لا يتجاوز الإيجار 3% من كلفة المأجور، "أي إذا افترضنا أن هناك منزلاً سعره 150 ألف دولار، فإن إيجاره السنوي سيكون 4500 دولار أي 380 دولاراً شهرياً. أما في لبنان فليس من ضوابط وقوانين ترعى العلاقة بين الإيجارات وكلفة المأجور.
ويشير حمدان إلى تطور بدلات الإيجار في لبنان منذ أوائل التسعينيات، "فمن يلحظ مؤشر الأسعار يرى ذلك، فالمنزل الذي كان يؤجر بـ 300 دولار صار بـ 900 دولار وهذا دليل على أن التحفيز والتشريع غائب تماماً من قبل الدولة". ويطل حمدان على عامل أساسي بنظره وهو حجم النازحين السوريين والذي ضاعف حجم العرض والطلب على استئجار الشقق في لبنان، وهنا يشير الدكتور حمدان إلى نحو 40 ألف مستأجر جديد، وهذا رقم هائل بالنسبة لبلد مجموع المستأجرين فيه 200 ألف مستأجر تقريباً بين قديم وجديد.

من جهته، يقول الخبير الاقتصادي الدكتور إيلي يشوعي إنّ السعر في اقتصاد السوق يخضع للعرض والطلب، والأسواق هي حرة ولكن الدول تراقبها. من هنا لا تستطيع الدولة تسعير الإيجارات في لبنان، وبالتالي عندما يتراجع الطلب ينخفض السعر. ويضيف يشوعي لو كانت الدولة حاضرة لكانت قدمت التسهيلات والحوافز للمستثمرين في مجال البناء وأعفتهم من الضرائب مثلاً وذلك مقابل تأجير المواطنين بأسعار مخفضة. ويؤكد يشوعي على ارتباط هذا الملف بعوامل السوق وبالتالي يجب المطالبة بمراقبة الدولة والوزارات المعنية لسوق الإيجار.
أما الخبير الاقتصادي جاد شعبان، فيقول إنّ المشكلة تكمن في غياب سياسة للسكن في لبنان، "فنحن لا نمتلك سياسة تتابع هموم المواطنين السكنية، فسياسة السكن تتضمن عرضاً لمساكن بأسعار منخفضة، والتدخل بارتفاع الضرائب. فمن يمتلك شققاً عديدة عليه أن يدفع ضريبة مرتفعة عمن يمتلك شقة واحدة". ويضيف شعبان أن على الدولة تقديم مساعدات مالية للعاجزين عن دفع الإيجار، والمقولة الشهيرة أنّه لا يوجد نقود غير صحيحة فيوجد الكثير من المال، ولكن لا يصرف في المكان الصحيح، ولا نعلم كيف يصرف. ويختم شعبان بأن المشكلة ليست مع المؤجرين بل مع دولة التي لم تقم بواجباتها.

العرض والطلب

ويقول عضو لجنة الدفاع عن حقوق المستأجرين في لبنان كاسترو عبد الله، إنّ القانون الجديد للإيجارات الذي صدر في عام 2014 تم الطعن فيه مرتين الأولى من خلال بعض النواب في المجلس النيابي، وأيضاً قام رئيس الجمهورية بالطعن ببعض المواد. ويضيف عبد الله أن الطعن قُدم إلى المجلس الدستوري "وقدمنا العديد من التعديلات لأن الكثير من الشوائب تتضمن القانون منها سنوات تحرير العقود (أي طرح الإيجارات لقاعدة العرض والطلب وإعطاء الحرية المطلقة لصاحب البيت في الزيادة)، التعويض على المستأجر عند الإخلاء. ويختم عبد الله أن لا خطة سكنية في لبنان والبلديات غائبة، والهبات المقدمة من الخارج للخطط السكنية لا نعرف كيف وأين تصرف.

اقرأ أيضاً:أزمة السكن في الجزائر تهدد بانفجار اجتماعي

المساهمون