من مدرسة إلى مركز ثقافي

من مدرسة إلى مركز ثقافي

09 اغسطس 2016
المدرسة الهاشمية الثانوية للذكور
+ الخط -
لأمر ما، قدسي ربما، حافظت بعض المباني المشرقية في مدينة رام الله على وجودها في الحيّز المديني المزدحم والمتآكل، بسبب عوامل عديدة، لعلّ الاحتلال الإسرائيلي لها عام 1967، المسمى بالنكسة هو أوضحها وأكثرها فداحة. 

وإن كانت تلك المباني قد نجت من الاحتلال والتجريف والهدم والمصادرة، إلا أنها لم تنجُ مما يصيب المباني عامّة من "أمراض"، إن جاز التعبير، ولعل أشهر تلك الأمراض التعب والإرهاق جراء الإهمال والهجر. كذا كان حال المبنى في الصورة أعلاه.

المبنى في أصله مدرسة في البيرة، توأم رام الله اللصيقة بها والمتداخلة معها، واسمها المدرسة الهاشمية الثانوية للذكور، وكانت تعد من أوائل الصروح التعليمية، إذ هي أول مدرسة ثانوية علمية في فلسطين. فقد تأسست عام 1956، وحين زارها الملك الحسين بن طلال مرة ليحضر تخرّج دفعة من الطلاب، اختار القائمون على المدرسة تغيير اسمها، لتغدو "الهاشمية"، تيمنًا بالملك الأردني المتحدر من السلالة الهاشمية.

المدرسة كصرح تعليمي، لا مبنى وعمران، اتسعت وازداد عدد طلابها، كذا انتقل الاسم والأساتذة والطلاب إلى مبنى آخر في رام الله. أمّا المدرسة القديمة، فمرضت من الإهمال والهجر والتعب. الأحجار قوية صحيح، وتستطيع الصمود سواءٌ أكانت الشمس حارقة قادحة، أم كان الثلج ثقيلًا مقيمًا. في حين أن السقف القرميدي والأبواب والشبابيك، ناهيك عن البلاطات والباحات والحديقة الصغيرة، كلّها تتعب وتمرض.

لكن في تسعينيات القرن المنصرم، قيّض لرام الله أن تحظى بمؤسسة معمارية مرموقة، أقامتها المهندسة المعمارية والكاتبة سعاد العامري، واختارت لها اسم "رواق". وفي التوصيف، فإن هذه المؤسسة هي "مركز المعمار الشعبي" التي تُعنى بترميم البيوت القديمة في فلسطين، القروية والمدينية على حد سواء.

أوكل لـ"رواق" ترميم هذا المبنى، ومن بعد ذاك غدا مركزًا ثقافيًا اسمه "مركز بلدنا الثقافي". لـ"رواق" باع طويل في الترميم والأرشفة والمحافظة على الأساليب المعمارية المحلية، وكل ما يتصل بذلك من أمور: المواد المستعملة، وطرق الترميم والإصلاح، وذلك كلّه في إطار نتائج الورشات الكثيرة، التي تكاد لا تتوقف في "مركز المعمار الشعبي". إذ إن الأمر يتجاوز التغزل بجماليات العمارة المشرقية، المحبة للتناظر والقناطر والسقوف القرميدية، فالقصد كلّه إحياء المكان وشد أواصر النسيجين الاجتماعي والمديني.







دلالات

المساهمون