أحملُكِ في القلب وعلى الكفين

أحملُكِ في القلب وعلى الكفين

02 اغسطس 2016
لوحة للفنان مريلي وايتهاوس هولم (Getty)
+ الخط -
جسور



جسورٌ، جسورْ.
جسورٌ قصيرة وأخرى طويلة.
جسورٌ بأشكال جديدة، وأخرى غريبة.
جسور للمشاة، وأخرى للراكبين.
شاحنات تنهب الأرض، وغواصات تدوي تحت الماء.
جسرٌ على عرض النهر، وجسرٌ فوق مياهٍ بلا قرار.
جسورٌ خشبيةٌ، وجسورٌ حجريةٌ، وأخرى معدنية.
جسرٌ على قناطر وآخر على أوتاد..
يتهادى، معلقاً، فوق النهر كمهرٍ جامح..
ثمة جسرٌ بعمر جدي ربما،
وثمة جسرٌ بعمر حفيدي، أو أقل.
كان ثمة جسرٌ أشدَّ من هذا وذاك،
لا نهر يدق عنقه، ولا سيول الصيف تجرفه،
لا شيء يهزُّ كيانه غير الزلزال
إن أخذ الشيطان طريقاً فيه ستكسر رجله
إنه جسر الحبِّ
جسرُ التآخي.




أبخازيا


حبيبتي إلى الأبد
يا موطنَ الربيع، والجبال العالية والأنهر المتدفقة.
أنت المهدُ
وأنت الموقد الذي لا ينطفي،
وأنتِ.. الأغنية التي لم تبرح شفتيَّ ولو قليلاً.
وأنت بسمتي وموئلي الحبيب
موئلي الذي يفوح منه حليب أمي.
أبخازيا
يا بلدي الذي أحبُّ.
آمادكِ الحجرية
هنا
تنام في دمي،
يا هبة الأرض التي تعطي شتاءً ساحراً.
وتعطي سماءً عالية كما النفوس
أبية كما النفوس.
كما النفوس عزيزةٌ، عزيزةٌ جبالك
ومثلما النفوس ناصعةٌ، ناصعةٌ أحلامك،
أيتها الشمس، باعثة الحياة يا أبخازيا،
لتسطعي
لتسطعي
حبيبتي أبخازيا.




صوت الأجراس


بو – أوم!
بو – أوم!
أصوات أجراس، تدوي، هناك في البعيد،
تدخل عبر الجدران وعبر الأحلام
تمور في رحابة الأرض.
عن أيِّ شيءٍ تصدح الأجراس!
أتحملُ، لأحدٍ ما، خبراً مُراً
أتحمل نبأً سعيداً،
يرفع الأذى عن الكلمة الطيّبة والشرف الرفيع؟
أبداً، لن ندرك سرَّ الأشياء
ولن نعرف نداءاتها المبهمة،
فليس في أيدينا قانون العيش،
وليس في أيدينا سيفه المسلول.
بو – أوم!.. بو – أوم!
دن – دن!.. دن – دن!
ويتوقف القلب ثانيةً
والصوت المتباطئ لا يتوقف، وكأنَّ نهايته لن تكون.
أمن الممكن أن هذا تعاقب الفصول
فصلٌ يغيب وفصلٌ يؤوب؟
ثمة من يُعَلِّقُ، وثمَّة من يَنمُّ، كلامه مظلمٌ
لكن الزمن المتسارع لن ينتظر.
هل تتحاور المصيبة مع الفرح؟
بو – أوم!.. بو – أوم!
ويمتد الصوت
توقظه الأجراس
ومن حفرة ضيقة يقفز الجندب الصغير
يطير،
دون أن يعرف إلى أين يطير،
جناحاه الشفافان يختلجان،
ولا يكف، وهو طائرٌ، عن رنينه النحاسي.
وفي الغسق، تئن الأجراس.



الأحجار الأبخازية



أيتها الأحجارُ، الأحجارُ
يا أحجار الأرض الأبخازية
يا آلاف الأعوام اليائسة، وآلاف الأعوام الصامتة.
في أرضكِ يا أبخازيا، يتوارى، الآن
كل الذي تناساه العالم،
فلماذا، إذن، أنت صامتةٌ كل هذه القرون،
يا أحجار الأرض الأبخازية،
ولماذا لا تحدثين الناس، عن التاريخ
ولا ترينهم الشواهد؟
أيتها الأحجارُ، الأحجارُ
يا أحجار الأرض الأبخازية،
لأجل من تناثرتِ في السهوب، وما الذي وجدته هناك؟
ولماذا ترقدين في الظلام، متراصة، كأنك في خوف؟
لقد عشنا، ذات يوم، هناك في الأعالي،
وذات يومٍ، جاورنا السماء، وصادقناها.
لقد ابتعدت تلك الأيام، إذ بعثرنا الزمن أجزاءً
بعثرنا ووزعنا حيث يشاء،
لتدوي فوق رؤوسنا ريحٌ عاتيةٌ
وتقذف بنا إلى الهاوية ريحٌ عابثةٌ،
وليغطي وجه الأرض عبوسٌ، بعد أن نقبوا تحت الصخور،
ومحوا أبجديتنا، ومحوا أسماءنا الغالية،
وصرنا كالصخور، شواهد لقبور.

أيتها الأحجارُ، الأحجارُ
يا أحجار الأرض الأبخازية!
أيتها الطيّبة، يا من تشبه عروساً أبخازية،
لماذا شختِ في الصمت،
ولماذا لم يرأف بك الخلود؟
وهل، حقاً، عَزَّاكِ؟
لو كان الأمر كذلك، لما بقيت راقدةً
فوق سطح الأرض..
تقولين: تعالوا، تعالوا
تعالوا، انظروا إليّ
ولم نعرك اهتماماً، ربما
وربما، لم نعرك دأباً
لأننا، أو كأننا، لم نقرأ البخت في الليالي!
ولم ندرك ذاك الذي كان في البداية.

أيتها الأحجارُ، الأحجارُ
يا أحجار الأرض الأبخازية
وفيةٌ، على الدوام، كأنك الحظ،
أو كأنك شواهدُ القبور.
عابسةٌ مثلما كنتِ
وأنا التي تشيخ من قسوة الأفكار
من ضُعفٍ
ومن صمم،
ومن إدراك تلك العلامة اليباب:
لا أحدَ يواسيني غير القلب المعذب.


اختارها ونقلها إلى العربية إبراهيم الجرادي

دلالات

المساهمون