قبّعة صفراء وقصائد أخرى

قبّعة صفراء وقصائد أخرى

26 يوليو 2016
عمل فني لـ دوران(Getty)
+ الخط -
محمد عريقات من مواليد عام 1983، بالأردن. يعمل مسؤول تطوير النصوص في المركز العربي للإنتاج الإعلامي - شارك في العديد من الأمسيات والمهرجانات الشعرية - حاصل على العديد من الدروع وشهادات التقدير من عدة هيئات ثقافية.

حذاء طاحن


حلمٌ أصفر
طحنَ النوم.

النعاس
يحملُ الرايةَ البيضاءَ..
والصحو
يحشو قفطانهُ القطنيّ
في فمي لو تثاءبت.

تحملني ريشةٌ قُربَ أنفي
نحوَ طيريَّ الأليفينِ
أنعَفُ حفنة من أبوّتي
لجناحِ ذلهِما
وألمحُ وجهكِ المواربِ
من خلفِ الصحوِ
يضحَكُ
فيقعُ حدسي في فخِّ
احتمالِ رؤيَتك
أنتِ العصيّة على الخريفِ
كقميصي الأخضر.


إنهُ الخريف..
صاحبُ القبّعةِ الصفراء
والخطوة الطاحنة.
الشعراءُ
في توابيتِ كآبَتهِم
والأشجارُ
تتعرى من ملابِسها
الداخلية.

إنهُ الخريفُ
آخرُ الصيف
حيثُ ينتظِرُ المشتاق
طَرقات الباب
وصوت الأكياس في الأيدي
حيثُ تنمو للنّايِ جذورٌ
ويتفتحُ الساكسفون
خفيفًا على العروقِ
الممتدةِ
إلى القلب.

الخريفُ
هو أن أتذكّرَ أمّي
وهي تراقِبهُ من وراءِ الزجاج
وأنا أتعربَشُ ثوبها..
هو وحامُ جدّتي النّزق
على صندوقِ شمندرٍ
هو النسيان
حينَ لا يكملُ طريقَهُ
إلى ذاكِرَةِ العاشِقِ.
كيفَ لي أن أكملَ النهارَ
اليابسَ هذا
بعدَ أن كانَ الصباح
يانِعًا كالخَسِّ؟
أستطيع إقناعَ نفسي
بأنكِ لستِ على بعد مترين
من جرسِ البيت
لكن كيف لكرسيّكِ
الذي يضربُ
بأربع أقدام الأرض
أن يجلسَ دونَ آيتِهِ؟
وكيفَ للبابِ الجالسِ
على العتبةِ
أن يقفَ دونَ أن يُصعّرَ خَدّهُ
لحريرِ قبضتك؟
وكيفَ لي
أن لا أقضِم السجائِر
بشراهةِ حصان
وأنا أرسِمُ أنفكِ العالي
على قميص صديقي
السّاهي؟
سينهضُ أيلول من عزلتهِ ويغني:
إنهُ الخريفُ..
إنهُ الخريف..
دموعٌ تسيحُ على النوافذِ
أبخِرَةٌ تتصاعَدُ من إناءٍ
على مدفأة/
وقلوب تُطهى تحتَ غطاءٍ
يرقُصُ ألمــــــــــًا
إنهُ الخريفُ..
إنهُ الخريف:
لازمَةٌ لتكرار السأم
وإزعاج الوحدَة التي تغتصِبُ
الأشياء.

الوحدة:
قلمُ حِبرٍ فارغ..
والليلُ:
إناءٌ بلا نجومٍ لولا أسنانٌ تُعرّيها
ابتسامتُك..
والقصيدة:
يجرّها الشاعرُ إلى الورقةِ
من شَعرِها..
الورقة:
زَنِخة كقميصِ صيّادٍ
بلا كحلٍ مطيع..
أنت:
عجلات القصيدة المسرِعَة..
والخريف:
هو أن أستيقِظ على رائحةِ الكبريتِ
قادِمة من المطبخ.

كل الحدائِق التي لا يعبُرُها عطركِ
صفراء هشَّة..
أنتِ السرّية كدموعي/
المعلنة كلعثمتي أمام إيماءة يَدك
تتركني أنوثتك
مثل كلبٍ أخرسٍ
على بابِ مدينة.

إنهُ الخريفُ..
وأنتِ الحديقة
مزهَريّة اللهِ على طاولَةِ الكونْ.






مربطُ القلب

"إلى رام الله"
يسحَلُ الضوءُ
عن رَدْمِ الظهيرةِ
ينظرُ طائرٌ إلى الشمس
يزجرُه المغيبُ
بكلماتِ الأمس ذاتها
بعرفِ الديكِ/
بزجاجة العطرِ
المتحطمةِ على حجرٍ
أكلَ الظلّ نصف ضوئِهِ.

لمْ أنهض
وأنا المركولُ هيبة من أسودكِ
الخمس
من صحيفتكِ المتخمةِ
بذنبٍ واحِدٍ.
لن أقتربَ من الجرحِ أكثر
وأجسّهُ بإصبعٍ باردٍ
سأدخُلُ من بابكِ الخلفيّ
متلفعًا بذقنٍ طويل
أشربُ الماء من شفقةِ نادلٍ
وفي السرِّ
أشربُ الويسكي
كأيِّ شاعرٍ ما بعد حداثوي.
لم أنهض إلا لأمرّ
من تحت نافذةٍ
قد يطل وجهكُ منها/
أو تطل تلك الصبية
حافية ترتدي الطريق
في قدميها
تشتري الأفوكادو
من الشجرة
بينما الثمرة تقطف يدها
أو تحاولُ ذلك.

مهووسةٌ تلك المدينة
التي كان
يسكنها الله
بصبيتها التي تأهَلُ أطلالهُ
على كتفِ الجبلْ..
بيتكِ ذاك المحمول
على الشهقاتِ
والأحلامْ.
هانِئة بعذابهم الفخيم
تصقلين خلخال اليسرى
بملح دموعهم
خلخالكِ الذي يلمِزُ
بالغوايةِ
يرشُّ على رؤوسهم
الموسيقى..

هنا مربطُ القلب
حيث يدرِكُ الشاعِرُ
أن دبوسَ شعركِ
أعتى من جنازير دبابةٍ
تفرُمُ الهواءْ.




قميص مشجّر..
صحراء شاسعة

الأثرياء
هم القادرون على استبدال
أشيائهمِ المكسورة
حتى زجاجهم لا يجرَحُ
ولا يصنعُ ندبة
لم أرَ غيرَ الفقراء يتجمهرون
حولَ ماكينةِ الخياطة
بقلوبهم الممزّقة.

في أماسيهم رائحة
عميقة
تشبهُ شُعاطَ الأحلام
على صفيحٍ متعرجٍ
وسماء متسلّخة الغيم
كفورمايكا
أدراجهم العنيدة.

أعرجٌ يومهم
تبيضهُ الرزنامة بلا ديكٍ
أو شهوةٍ
رخوةٌ أصابعهم على مقابضِ
الأبوابِ
مترددة خطوتهم رغمَ أنها
الأخيرة
سلالمهم واطئة/
أشياؤهم في متناول
الأطفال
والأيدي المقطوعة.

الفقراء
هم أصدقاءُ السكينةِ
تنامُ أبوابهم بلا أقفالٍ تنبحُ
هم أصدقاء الفودكا
وشعر الحكمة القديم
والمعوذات..
هم الذين ألقبهم في السّر
أصدقائي
لأني في السّرِ
طوقتُ فقري بربطةِ العنقِ
واستعنتُ على صحرائي
بقميصِكِ المشجَّرِ
وعشقتُ ابتسامتك الوارفة
وفي السّرِ أكلتُ فواكِهَ
القميص
وخبأتُ الأحلامَ
وبحتُ بأشيائي الثمينة
في أذنِ أمي
وفي السّرِ خبأتُ رقصي
عن عينِ أبي
ليخرُجَ اسمي "محمد"
ملء فمهِ
بضمِّ الميم..
ولأني مثلهم في السّرِ
عشتُ
حياتي
وموتي.

أحتفل بالظلّ..
أغنمُ بالخسارة

1/
طبق الظل البارد
تحت قدميك
تصنعه قبعتك القش
عريضة الحواف
حيث الشمس
تتجمهرُ في مقدمة
سيجارتي
والقمر ليلا
منفضتي التي لا تمتلئ.

2/
ليقطفني الموت عن شجرةِ
العائلة
وليزرعني من جديدٍ
في ترابٍ ما شئتُ لحفنةٍ منه
أن تكون حفيدًا لأبي
خاتمُ عرسي لا يزالُ
في فاترينةِ الصائغِ
وشهوتي التي تتدحرجُ
مثل كُرةِ النار
شاخت في انتظاركِ
قادمة على يديّ
القابلة.
يطفؤها طبقُ الظل الذي
لا يحبلُ بالندامةِ
أو بما يحنط اسمي.

3/
ليلة عرّيتُ قلبي
راح ظلك يبحثُ بلسانهِ
عن الشوكةِ
هكذا تسرقنا قشة صغيرة
من فرحٍ صنعناه
من حواضرِ البيت
بينما الليل،
خلف النافذة،
يرقص مع عابرٍ ثمل.

ليلة تعرّى ظلك
رحتُ أعضّ بأسناني
باطن قدمك
هكذا تسرقني شامة قليلة هناك
من جسد بأكملهِ
بينما حذاؤكِ خلف الباب
يبكي في الممر.

4/
يرعبني تصالحي مع الظلال
أبقوها إلى جانب نسخهم
من مفاتيح البيت
زمجرةُ الماء فوق حذوةِ الانتظار المحماة
كلما دسستُ عيني
في علبةِ البريدِ
الروائح التي تتنقل كالأشباح
بما تركوه من ملابس
يرعبني أن أشتهي الدمعة
ولا أنالها
وأن لا أرى في الأفق غير وجه
قرصان.

5/
سأنتقم من كل الذين جعلوني
أشتاق إليهم
ومن الذين جعلوا المساء
قليل الكلام
ومن الذين سرقوا غناء الغلة
في جيوب العائدين
من التعب..

سأنتقم للشجرة
من نجّار المَلِك
وسأنتقم للفقراء
من قَصاصِ السرقة
للورقةِ
من هذه القصيدةِ المشتتة
ولسريري الفارغ
من الباءةِ المستحيلةِ
سأنتقم لجسدك
من طبق الظلِّ وشهوتي.

6/
تلك الخسارات
لا تلوي عنقي إلى الخلف..
لا شيء لي وراء كتفي سوى
أثر حذاء/
ونطفة يابسة/
وزجاجة فارغة عند كل منعطف
وذكريات تقفز أمامي
مثل كلب نشيط
ياه لو أنها تشاركني
زجاجة ويسكي
أو فكرة انتحار
لأتخمتني الخسارة بغنيمةِ الخفةِ
ولطوقتُ عنق الفراغ
بخرزةٍ زرقاء.

7/
الشمس
تتجمهرُ في مقدمة سيجارتي
والقمر ليلا
منفضتي التي لا تمتلئ.
والأغنية
وقت محبط
خلف زجاج الساعةِ العجوز
تتقمّصُ تكّاتها:
عبثٌ من الكونِ
أن يسيرَ في هذي
الرتابةِ.
إبداعٌ من المقبرة
أن تصنعَ مثل هكذا
مسرحٍ.
خِسِّةٌ من البشر
أن لا يتقنوا مآثِرَ
الذئب.
وعلى الله أن يصافحَ الطبيعة،
مجددًا،
بكلتا يديه.

دلالات

المساهمون