في لندن مسرحية هزلية لمداراة المحظور

في لندن مسرحية هزلية لمداراة المحظور

21 يونيو 2016
الممثل الباكستاني آصف خان في المسرحية (تصويرمايلا ساندرز)
+ الخط -
عرضت مؤخرًا في لندن مسرحية بعنوان "حب وقنابل وتفاح" في مسرح "أوركولا" Arcola، الواقع في شمال شرق العاصمة البريطانية، حيث تعرف هذه المنطقة انفتاحًا ثقافيًا وتنوعًا. كتب نصّ المسرحية العراقي حسن عبد الرزاق، وأدّاها ضمن "مسرح الممثل الواحد" Stand up Comedy، الممثل الباكستاني الأصل آصف خان. 

يتقمص خان أربعة أدوار، لأربعة شباب من خلفيات مكانية مختلفة: فلسطين، وباكستان، وبرادفورد ونيويورك. فضلًا عن الاختلافات الدينية بين اليهود والمسلمين. إلا أن الأمور كلّها تدور في فلك مراودة المحظورات الشهيرة.
ونظرًا إلى طابعها الهزلي، فقد استطاع الكاتب تمرير أمور وألفاظ لا تقال عادة علنًا. كذا بدا المشهد الأول "صادمًا"، إن صح التعبير، إذ يفتتح بلفظ: الجنس، الذي يشكل هاجسًا على ما يبدو لدى الشخصيات الأربع التي يؤديها خان.

لكن عبد الرزاق، تطرق أيضًا في مسرحيته إلى جوانب إنسانية متجذّرة في الطبيعة البشرية، بشفافية تعكس واقعًا يعيش في ظلّه الكثير من الشباب في مجتمعات لا تزال تنظر إلى أمور أساسية في الحياة، باعتبارها من المحظور والمسكوت عنه، كذا يتستّر أصحابها في الدهاليز، ويختبئون في العتمة.
فالمسرحية تعرض وجوهاً للشباب المسلم والعربي مختلفة عن تلك التي يصوّرها لنا الإعلام، ومنها مثلًا روايات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الدامية التي شوّهت إنسانية هؤلاء الشباب وبساطة أحلامهم الشبيهة بأحلام نظرائهم في جميع أرجاء العالم.

أصيف خان - ملحق الثقافة 


الدور الأوّل الذي يؤديه خان، لشاب فلسطيني يعاني من ظروف صعبة في زمن الحرب والحب والحواجز. كذا تبدو العلاقة الحميمة أمرًا صعب المنال، ويتهكم عبد الرزاق على ذلك ويتحايل عليه من طريق تصوير الشاب في وضع حميم قرب جدار الفصل العنصري الشهير. ثم فجأة يسلّط جنود الاحتلال الأضواء على الشاب والمرأة التي تصاب بالهلع. يعتمد خان كثيرًا على الصوت من أجل الانتقال من تأدية شخصية إلى أخرى، كذا، فحين يتقمص دور شاب باكستاني مقيم في بريطانيا مع عائلته، حيث تظهر من ردود فعله صعوبات اندماجه في المجتمع البريطاني، خاصة حين يلقى القبض على الشاب الذي يكتب رواية خيالية عن أحداث 9/11، بعد أن يرسلها إلى كافة دور النشر في بريطانيا.

وبأسلوب ساخر يبدو الشاب الباكستاني سعيداً بالجلوس بالقرب من أشخاص إنكليز في سيّارة الشرطة لأوّل مرّة في حياته، ما يدلّ على الحواجز الموجودة بين المجتمعات المختلفة داخل بريطانيا.

ويأخذنا الكاتب صوب الشخصية الثالثة، الأكثر إشكالية، إذ هو في هذا الدور شاب مسلم مقيم في بريطانيا، يكاد لا يقدر على مقاومة إغراء الانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ومقاومة إغراء منتجات "آبل" الفاخرة، التي لا يستطيع بالطبع اقتناءها. فتطفو على سطح المشهد دفعة واحدة أفكار وشكوك عدد لا يستهان به من الشباب المسلم الفقير في المجتمعات البريطانية، الشباب الذي تراوده الظنون أن التكنولوجيا إنما وجدت لتشتيت انتباههم عن الحرب الدائرة في سورية ومنعهم من الجهاد. بيد أنّنا نرى كيف أن عبد الرزّاق ينجح في وصف كيفية إيجاد الشاب قواسم مشتركة بين التكنولوجيا وداعش بطريقة هزلية قد لا تخلو من الحقيقة.
الشخصية الرابعة والأخيرة، تبدو أكثر إشكالية، ولعلها تثير حساسيات كبرى، إذ تصورالصراع بين اليهود أنفسهم حول القضيّة الفلسطينية، ويختصره عبد الرزّاق في قصّة حب بين سارة الفتاة اليهودية الليبرالية المؤيّدة للقضية الفلسطينية، وشاب يهودي لأب صهيوني متطرّف. تبدو سارة متأثّرة بشدّة بمعاناة الفلسطينيين، في الوقت الذي نرى فيه صديقها يفكّر بأمور لها علاقة بجسدها أكثر من أفكارها. وهنا نلاحظ أنّ عبد الرزّاق لم يغفل الطبيعة البشرية، حتى حين تناول أكثر القضايا السياسية حساسية، وتطرّق إلى ما تعدّه غالبية المجتمعات العربية والمسلمة من المحرّمات.

أصيف خان - ملحق الثقافة 

بدوره، يقول عبد الرزّاق في حديث له مع "ملحق الثقافة"، إنّ المسرحية عُرضت سابقًا في لندن ولاقت نجاحاً كبيراً، لذلك فإنها تُعرض مجدّداً، متوقعًا إقبال الناس عليها من جنسيات مختلفة ومتنوعة.

ويبدو أن الجزء الأخير من المسرحية، لم يمر مرور الكرام بالنسبة لـ"أصدقاء عبد الرزاق اليهود"، خاصة المشهد الذي يربط بين الهولوكوست وما يحدث للفلسطينيين. وأكّد أنّه "لم يشبّه بين القضيّتين، لأن الهولوكوست أبشع ما يمكن أن يواجهه الإنسان"، وبرر مضيفًا أن "المشهد في المسرحية، مستوحى من كلام لإدوارد سعيد، إذ قال إنّ الفلسطينيين هم ضحايا الضحايا".

فثمة في المشهد ذاته تحلم الفتاة اليهودية أنّ أرواح موتى الهولوكوست طارت فوق البحر الأبيض المتوسط ووصلت إلى فلسطين لتقف إلى جانب الأشخاص الذين يتظاهرون بسلام نتيجة خسارة أرضهم، ويؤكّد عبد الرزاق "أنّه في العرض مجرّد حلم"، قبل أن يتابع "لم يتقبّل البعض ذلك المشهد، وتساءلوا: كيف تعلم أنّ أرواح ضحايا الهولوكوست تدعم القضية الفلسطينية؟".

أمّا عن الرابط بين "داعش" ومنتجات "آبل"، فيجيب "إنّ الفيديوهات التي عرضها التنظيم، كانت في غاية الدقّة، وكافية لتجذب الشباب من الطبقات المحرومة، العاجز عن شراء منتجات فاخرة، ويرى نوعاً من المغامرة في انضمامه إلى داعش، الذي يتيح له ركوب دبّابة وامتلاك السلاح والقتال"، لافتًا إلى أنّ "بعض الاشخاص توجّهوا إلى سورية لإيمانهم الديني العميق، لكن البعض الآخر يجهل أموراً كثيرة عن الدين، وقد انضم إلى الجهاد من دون وعي كافٍ، ولأسباب أخرى قد لا تكون لها علاقة بالدين بل بنوع آخر من الحياة".
وتجدر الإشارة إلى أنّ مسرحية "حب وقنابل وتفاح"، ستعرض على مدى أربعة أسابيع خلال هذا الشهر، ويتمنّى عبد الرزّاق أن يتمكّن من عرض مسرحيته ذات يوم في فلسطين.

دلالات

المساهمون