سليم أبو جبل على جناح السينما

سليم أبو جبل على جناح السينما

31 مايو 2016
المخرج سليم أبو جبل (بإذن خاص)
+ الخط -
ولد المخرج السوري سليم أبو جبل، 1971، في بلدة مجدل شمس في الجولان السوري المحتل. وترك بلدته للعيش والدراسة والعمل في حيفا الكرمل في فلسطين المحتلة عام 1948. ودرس المسرح والأدب العربي ولاحقاً كتابة السيناريو. يعيش أبو جبل حاليًا في رام الله حيث يعمل في المجال السينمائي وتشعباته العديدة. حصد فيلمه الوثائقي "روشميا" 2014، العديد من الجوائز العالمية، من أبرزها جائزة "المهر" للجنة التحكيم في مهرجان دبي السينمائي 2014، كما جائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان "ميد فيلم" في العاصمة الإيطالية روما، وجائزة مهرجان قناة الجزيرة للأفلام الوثائقية العام الماضي. ويقوم أبو جبل حاليًا بجولة لعرض فيلمه في كندا والولايات المتحدة. حاوره "ملحق الثقافة" في نيويورك. 

يتمحور الفيلم الوثائقي "روشميا" حول حياة لاجئين فلسطينييْن، يوسف حسن "أبو العبد" وآمنة "أم سليمان"، وعيشهما حتى عام 2008 في "بركية"، سقيفة من الصفيح، في وادي "روشميا" المتاخم لحدود مدينة حيفا. لجأ أبو العبد إلى تلك البركية عام 1959 بعد طرده وتهجير أغلب أهله من حي وادي الصليب في حيفا في نكبة فلسطين عام 1948. أما زوجته، أم سليمان، فقد كانت قد لجأت إلى غزة مع عائلتها بعد طردها وتدمير قريتها ماسور، بالقرب من اللد، وهي واحدة من بين أكثر من 500 قرية دمرها الإسرائيليون في النكبة. وتزوجت أم سليمان أبو العبد في العام 1978، حيث كانت تعيش في مدينة جنين، وانتقلت للعيش معه في وادي روشميا، حيث سكنت العديد من العائلات الفلسطينية المهجرة داخل فلسطين هناك إلى ثمانينيات القرن الماضي. وعن جذور فكرة الفيلم لديه، يقول أبو جبل "تعرفت إلى قصة أبو العبد وأم سليمان أثناء قيامي بتغطية قصتهما عام 2005 حيث كنت أعمل صحافياً في حيفا. لقد كان مفاجئاً أن نجد أشخاصاً داخل فلسطين المحتلة عام 1948 يعيشون كلاجئين منعزلين عن العالم بدون كهرباء أو ماء في ذلك الوادي". ويضيف قائلًا "لقد كانت أوضاعهم المعيشية صعبة للغاية. ولم تكن عندهم قدرة على التواصل مع الناس، حيث لا وسائل للنقل ولا شيء. وشعرت بحاجة لتقديم المساعدة لهما أيضاً، حيث كان هناك من يقدم لهما المساعدة والدعم. واستمرت زياراتي لمدة سنة وشعرت أن القصة يجب أن توثق ويتم تصويرها كفيلم".

في البداية أراد سليم أبو جبل أن يكون الفيلم قصيراً، لكن الأمر أخذ منحى جديدًا عندما قررت البلدية هدم سقيفتهما لشق الشارع وترحيلهما مرة أخرى عن تلك "الخيمة" التي كانا يعيشان فيها منذ عقود.

يتميّز فيلم "روشميا" بالكثير من الصمت، ليس فقط بواقع انعزال أصحابه جغرافياً واجتماعياً عن محيطهما، بل كذلك بسبب كونهما قليلي الحديث، ما يجعل تصوير فيلم من هذا القبيل تحدياً، يقول المخرج: "كنت أحاول أن أجد شيئاً لتصويره والقيام بمقابلات معهما، إلا أن المقابلات كانت صعبة، ليس فقط على مستوى الكلام بل على مستوى التصوير نفسه، حيث لم يمتلكا تلفازاً وكانا يعيشان حياةً شبه منعزلة منذ عقود. توقفت عن محاولة الاستمرار في الحديث معهما، ووصلت بعدها لقناعة أن عليّ تسجيل ما يحدث من دون التدخل وأن أقوم بالتسجيل وحسب". أراد سليم أبو جبل أن "يختفي" كمخرج فآثر تسجيل اللقاءات الصحافية التي أجراها معهم بعض الصحافيين إثر ذياع صيت قصتهما، وبعد قيامه هو بتنسيق حملة إعلامية للتعريف بقضيتهما. كما اعتمد على رصد جزء من الأحاديث واللقاءات التي تدور بينهما وبين عوني، واحد من أوائل الأشخاص الذين التفتوا لقضيتهما، وعكف لسنوات طويلة على التطوع لتفقد أحوالهما ومساعدتهما بما في ذلك ترتيب سقيفتهما وصب أرضيتها بالباطون وغيرها من المساعدات، كمتابعة مسألة التعويضات مع البلدية. 

ركز أبو جبل في فيلمه على عيش وحياة الزوجين في لحظة التصوير الراهنة، حيث أراد أن يرصد سيرورة الزمن الحاضر وتقدمه من دون أن يلتفت كثيراً إلى ماضيهما، باستثناء بعض المعلومات التي يتحدثان بها للصحافيين عن بعض تفاصيل حياتهما بما في ذلك أن كلاً منهما كان متزوجاً من قبل وأن أم سليمان لها أطفال من زوجها المتوفي لكن علاقتها بهم مقطوعة. ورغم أن الفيلم لا يتطرّق بشكل مباشر إلى النكبة، إلا أن آثارها تتجسد في كل مكان؛ في تقاطيع وجهيهما، التي تركت قسوة الحياة أثرها عليهما وفي الصمت العميق والانتظار. لكأن الصمت هو لغة الحوار الوحيدة الممكنة. ويذكر أبو جبل أنه كان يخرج أحيانًا ويترك الكاميرا مفتوحة ويمشي في المنطقة المحيطة. تكتسب الطقوس اليومية العاديّة (شرب القهوة وتدخين سجائر اللف) والصمت الذي يتخللها، معان عميقة وخصوصية شعريّة تفرضها النهاية المرتقبة، التي ستحطّم فيها جرافة هذا الحيّز ومعانيه.



المرأة "لا تريد تلك الجنة"


لا يخلو الفيلم من لحظات درامية قوية. واحدة منها هي تلك التي يتشاجر فيها أبو العبد وأم سليمان بحضور عوني الذي وكّل محامياً برفع قضية ومتابعة مسألة تهجيرهما وتعويضهما مع بلدية حيفا. في تلك اللحظة تقول أم سليمان إنها تريد حصتها من التعويض وتريد التصرف بها بمعرفتها ولا تريد البقاء مع أبو العبد بعد تهديم البركية وخروجهما منها. لكن أبو العبد يصر على عدم رغبته بالخروج وأنه يفضّل البقاء والموت في تلك البركية على اللجوء مرة أخرى إلى مكان آخر. ينشب شجار حام بينهما تصر هي به على رأيها بحضور عوني، الذي يأخذ جانب أبو العبد ويقول لها إن المرأة التي تموت وزوجها غير راض عنها لا تدخل الجنة. ترد هي بعزيمة أنها لا تريد تلك الجنة! ولا شك أن هذا المشهد يسلّط الضوء على إشكالية العلاقات الجندرية في المجتمع البطريركي. لكن أم سليمان، السيدة البسيطة ظاهراً، تظهر قويّة ومستقلة تتشبث بحقوقها، وتذكرنا بجيل من النساء القويات المدافعات عن حقوقهن دون أن يرتبط ذلك بمستوى تعليم أو طبقة ما بالضرورة. وعن ذلك يقول أبو جبل "قبل أن أبدأ بمونتاج الفيلم كنت أرى أم سليمان بطريقة مختلفة وخلال المونتاج أخذت أحب شخصيتها أكثر، فهي تمثل جيلاً من النساء الفلسطينيات "النسويات" من دون أن يكون لديهن وعي نسوي بالمعنى الحرفي للكلام". تشير شخصيّة أبو العبد، هي الأخرى، إلى معان خارج الصور النمطيّة. فهو يجهش بالبكاء أكثر من مرة، دون أن يكون بكاؤه ضعفاً أو خدشاً "لرجولة" مصطنعة.


البداية من لا شيء


لم يكن لدى أبو جبل، الذي صور الفيلم وعمل على السيناريو، خبرة بالعمل السينمائي عندما بدأ بالتصوير. وتمهّل حوالي ست سنوات بعد انتهاء التصوير لكي يقوم بمونتاج فيلمه، ويشير إلى أنه جمع خبرة في المجال السينمائي من العمل في التلفزيون كما مع عدة سينمائيين فلسطينيين عمل معهم على أفلامهم في وظائف عدة، من بينهم: مي المصري وإيليا سليمان ونجوى نجار وميشيل خليفة وشيرين دعيبس.

عن رمزية الفيلم بالنسبة له، يقول أبو جبل "لقد تربيت في الجولان المحتل. فلسطين بالنسبة لنا جرح عميق. مع هذين العجوزين وجدت فلسطين التي كنت أبحث عنها. ولا أدري إن كنت سأتمكن مرة أخرى من تصوير فيلم بهذه الطريقة، أشك في ذلك".

أسس أبو جبل، قبل انتقاله للعيش في رام الله عام 2009، مهرجان أفلام متنقل. وجاءت فكرة المهرجان، كما يقول، "أثناء معيشتي في حيفا. حيث أخذت دورة في كتابة السيناريو في أريحا والتقيت خلالها بعدد كبير من المخرجين الفلسطينيين. وتولّدت لديّ ضرورة عمل مهرجان متنقل للأفلام وعرض الأفلام الفلسطينية التي لا تصلنا في الداخل الفلسطيني (مناطق فلسطين المحتلة عام 1948). وجمعت خمسين فيلماً ونظمت خمسة مهرجانات في مدن عربية داخل فلسطين المحتلة. وكان ينقصني التمويل، وقررت في نهاية المطاف تخصيص يوم في الأسبوع لعرض فيلم من تلك الأفلام في مقهى "إليكا" الفلسطيني في حيفا". في رام الله، أسس أبو جبل نادي السينما، حيث حصل على قاعة للعرض من مؤسسة السكاكيني.

المساهمون