مَشَت الحَديقةُ خَلْفَها

مَشَت الحَديقةُ خَلْفَها

08 فبراير 2016
لوحة للفنان الألماني أوغست ماكه (Getty)
+ الخط -

                           لم يكُن ساكنًا قَطُّ سَطحُ البحيرة

لم يكن ساكنًا قَطُّ سَطحُ البحيرةِ
لكنّني قلتُ: ألقي بنفسي
لَعلّي أرى حُلُمًا يتلألأُ في الماءِ
أو
أتعلّمُ فنَّ الغرَقْ

لم يكنْ ساكنًا قطّ سطحُ البحيرةِ
حينَ مرَرتِ ولم تنظُري لترَيْ ظلَّكِ القمريَّ
على صفحةِ الماءِ
لم تَنظُري قَطُّ
حتّى كأنّ البحيرةَ كانت سرابا.

أنتِ ذئبةُ ليلٍ إذن
تتنكّرُ في هيئةِ امرأةٍ
وأنا محضُ ذئبٍ قديمٍ
تُطقطقُ في النارِ أضلاعُهُ
ويَعضُّ التُرابا.




                             لو فجأةً وأنا أفكّر فيكِ

لو فجأةً،
وأنا أفكّرُ فيكِ أثناءَ الكتابةِ،
تدخُلُ امرأةٌ بكاملِ وردِها من بابِ مكتبيَ الصغيرِ
ولا أحسُّ بها
لشدّةِ ما سكِرتُ وغِبتُ في هذي القصيدةِ
حيثُ تنكتبينَ وحدَكِ هكذا
وأنا أحدّقُ مثلَ وحيٍ فيكِ:
هل حقًّا خلَقتُكِ دونَ أن أدري؟
وهل حقًّا رغبتُ بكلّ ما أوتيتُ من مطَرٍ،
فكنتِ؟

أكادُ، مثلَكِ، لا أصدّقُ أنّ هذي أنتِ
أنّكِ جئتِ من حلُمي
وأنّكِ لن تَكوني في مكانٍ ما
سوى هذي القصيدةِ،
لا أصدّقُ أنّني سأراكِ واقفةً أمامي
بعدَ ثانيتيْنِ
تبتسِمينَ كامرأةٍ يَكادُ الوَردُ يَنهبُ صدرَها.




                                 تنتَهي كلِماتي هنا


تنتَهي كلِماتي هنا، أسفلَ القلبِ،
ما بينَ قوسينِ: قوسِ الشفاهِ،
وقوسِ اللهَبْ.

تنتَهي شفتايَ
كحافَةِ كأسٍ مزخرفةٍ بعُروقِ العنبْ.

ينتهي جسَدي كلُّه في الجحيمِ،
وأنتِ السبَبْ.

تنتَهي لغتي حيثُ تبدأُ عيناكِ
ماذا، إذن، تفعلينَ هنا، أسفلَ القلبِ،
حيثُ أخبّئُ نفسي؟
وما كلُّ هذا النبيذِ الّذي يتلألأُ في شفتيكِ،
كماءِ الذهَبْ؟

لوحات الفنان الألماني أوغست ماكه (Getty)



                                    صباح القَرنفُل

صباح القَرنفُل
......
......
لا تَترُكي شفتيْكِ بلا عسَلٍ
في صباحٍ كهذا،
ولا تنهضي قبلَ أن تَسفحي في الملاءاتِ
ماوَردَكِ الملكيَّ،
ولا تَنظُري من خلالِ الستائرِ نحوَ الطريقِ
لئلاّ ترَيْ حلُمي يتسكّعُ عندَ الضُحى
بانتظارِكِ

لا تَشربي الشايَ وحدَكِ

لا تَلمسي أيّ شيْءٍ سوى زهرةِ الجلّنارِ
الّتي شبقَتْنا معا.
ومُدّي أصابعَكِ العشرَ
حتّى أقبّلَها إصبعًا إصبَعا.




                             دَعي كوكبَ الورد يعبرُ بيني وبينَكِ


دَعي كوكبَ الوردِ يَعبُرُ بيني وبينَكِ
سكرانَ أكثرَ يا أمَّ وردٍ

دَعي الليلَ يَفتحُ أبوابَهُ بهدوءٍ
لنَدخُلَ فيه عراةً خفيفينَ
نَجهلُ مَن نحنُ أو أينَ نحنُ

دَعي الريحَ تَخلطُ أحلامَنا وروائحَنا
لنرى مَن سيَرجعُ منّا إلى ليلِهِ
سالمًا وقويًّا
ومَن سوفَ يَفضحُهُ ضوؤُه أوّلاً.

دَعي مطَرًا ما خفيًّا يجيءُ لَنا وحدَنا
ثمَّ يَمضي ولا يَعرفُ الناسُ كيفَ ابتلَلنا
وهم ناشفونَ،
ومِن أينَ جئنا بأجسادِنا.




                                يَدي وحدَها عبرَت كلّ تلكَ المسافةِ


يدي وحدَها عبَرَت كلَّ تلكَ المسافةِ
نحوَ الحديقةِ،
واقتطفَت وردةً
ويدي ارتَعشَتْ وهي تبحثُ عن أثرٍ للفراشةِ
في هالةِ الضَوءِ حولَ الجبينِ
وفي خدَرِ الشفتيْنِ
وفي الشهَواتِ الّتي تَرشُمُ الوجهَ
مثلَ النمَشْ

خُذي الوردَ وحدَكِ
والضوءَ وحدَكِ
يا امرأةً ملأَ اللهُ سرّتَها بالنبيذِ
وعذّبَني بالعطَشْ




                              يا كلَّ هذا الورد، ما اسمُك؟


يا كلَّ هذا الوردِ، ما اسمُكَ؟
مَن رمَتكَ إليَّ من شبّاكِها العالي
لتَخطِفَني،
وقلبي ذابلٌ وملطّخٌ بالليلِ؟

أنتَ رأيتَني يا كلَّ هذا الوردِ،
من شُبّاكِها السَهرانِ،
أحلُمُ

من رأى حلُمي الّذي هيّأتُهُ لأراكَ فيهِ،
وعلّمَ اسمَك للفَراشِ؟

ومَن رأى جسَدَينِ مَبريَّيْنِ
مثلَ مطارقِ الرُمّانْ،
يتَهايَلانِ على السُفوحِ
ويَسكُبانِ النارَ في الوِديانْ
؟؟

يا كلَّ هذا الوردِ
هل كانَ الغيابُ مكانَنا المفتوحَ كالماضي
على النسيانْ؟


لوحات الفنان الألماني أوغست ماكه  (Getty)

                                       قبلَ عينيكِ


قبلَ عينيْكِ
لماذا كانت الوردةُ لا ترمزُ، في الشعرِ، إلى شيءٍ،
وكانَ البحرُ لا يبعُدُ عن صورتِهِ
إلاّ قليلا؟
ولماذا صارت الوردةُ شيئًا آخَرَ الآنَ،
وصار البحرُ ينأى مثلَ أبطالِ الأساطيرِ
ويزدادُ غموضًا؟

ربّما كنتُ رماديًّا قليلاً قبلَ عينيكِ،
أنا والبَحرُ والوردةُ والبُرعمُ والطائرُ والعشُّ
وحتّى أنتِ
كنّا، قبلَ عينيكِ، رماديّين
حتّى القمَرُ الباردُ في الصحراءِ
لو لم ترَهُ عيناكِ هاتانِ
لما صارَ إلهًا بدويًّا عاشقًا تعبدُه كلُّ نساءِ الأرضِ.

لكنّكِ، مذ قلتِ لعينيكِ انظُرا كي تَريا، غبتِ:
ترينَ البحرَ لكنْ لا ترينَ الجبلَ الغارقَ في البحرِ،
وتمضينَ إلى نفسِكِ لكنْ دونَ حُلْمٍ

وأنا
والبحرُ
والوردةُ
والبرعُمُ
والطائرُ
والعشُّ
وحتّى أنتِ،
موجودونَ في الحُلْمِ الّذي لم ترَهُ عيناكِ
موجودونَ في مستقبَلٍ نجهَلُ من أيِّ الحكاياتِ سيأتي.
فانظُري في حُلْمِكِ الآنَ هنا حتّى تريني
وانظري في حلُمي
حتّى تري نفسَكِ أنتِ



                                 هيَ وحدَها امرأتي


هيَ وحدَها امرأتي
ومِرآتي
وأجلِسُ في الفَراغِ كأنّني هُوَ
كلُّ شيْءٍ واضحٌ حَولي،
ومُختلِفٌ،
وها هِيَ وحدَها
عبَرَتْ وغيّرَت اتّجاهَ الريحِ
ها هِيَ وَحدَها عَبرَتْ
فأصبحَ كلُّ شيْءٍ في مكانٍ آخَرَ:
اندلَقَ النهارُ على حِفافِ الليلِ
واختَلَطا
وها
مَشَت الحَديقةُ خَلْفَها
مثلَ الوصيفةِ
كي تُفسّرَ ظِلَّها.




                                     
تُريدينَ أن تُولَدي؟


تُريدينَ أن تولَدي؟
أنا أيضًا أريدُكِ أنتِ
لأولَدَ

يَكفي قليلٌ من الضَوْءِ
والنمَشِ العسَليِّ الشَهيِّ،
ويَكفي الوقوفُ قليلاً
على حافَةِ الكَونِ
والطيَرانُ بلا جهةٍ داخلَ النارِ
حيثُ الأبَدْ
يتَرامى كظِلٍّ وراءَ الجسَدْ.

المساهمون