الفنان الفرنسي إرنست بينيون إرنست وكوفية عرفات

الفنان الفرنسي إرنست بينيون إرنست وكوفية عرفات

25 يناير 2016
عمل لإرنست بينيون إرنست يمثل بيير باولو بازوليني (Getty)
+ الخط -
أقدمت دار "أرتوكيال" للفنون في باريس على وقف بيع عمل فني للفنان الفرنسي المعروف، إرنست بينيون إرنست، يستعيد فيه غلافًا لصحيفة "ليبراسيون" الفرنسية اليسارية، كان قد أنجزه بنفسه قبل سنوات، عند وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، حيث كان في الصورة كوفية عرفات، وتحتها عبارة :"والآن"؟ أما عمل اليوم، "المثير للجدل"، فيضيف تحت كوفية عرفات طيف المناضل الفلسطيني، الأسير في السجون الإسرائيلية، مروان البرغوثي، وبجانبها كتب الفنان: "حين رسمتُ مانديلا، سنة 1980، قيل لي إنه إرهابيّ". 
وقد قامت دار "أرتوكيال" للفنون بسحب العمل الفني من المعرض، نتيجة لتدخل السفارة الإسرائيلية في باريس التي احتجّت لديها، مما دفع صحيفة "ليبراسيون" ومنظمة "صحافيون بلا حدود" إلى الوقوف في صفّ بينيون إرنست.

اقرأ أيضًا: حضور رولان بارت
يكشف الأمر وجها من وجوه إسرائيل يتمثل في "محاربة" الثقافة والفن، وهو ما وصفته الصحافة الفرنسية بـ "الرقابة العبثية". لكنه يكشف، أيضًا، أن هذا الفنان الفرنسي، الذي يبلغ 73 سنة، ملتزم ومنذ بداياته الفنية، بكل القضايا العادلة في هذا العالَم. لذا لم يكن غريبًا أن يترأس، منذ سنوات، "جمعية أصدقاء صحيفة لومانيتيه".

فنون الشارع / التدخّل في الشارع

يُصرّ إرنست على التذكير بجوهر عمله: "أنا لا أعرض رسومًا في الشارع، بل أثير بعض الأشياء فيه. وعلى أي حال فأنا أشعر بالغضب حين يقال إني أعرض رسومًا في الشارع. حين أتدخل في مكان ما، فإني أسجّل فيه علامة إنسانية. أي أن الرسم يساعدني على إنتاج ما يكفي من التأثيرات الحقيقية حتى تدخل في علاقة مع المكان، ومن هنا تأتي رسوماتي عن الشاعر رامبو".

فقد رسم الفنان الشاعرَ رامبو ليتيح له "الدخول في المدينة والتجول فيها، وأيضًا حتى ينظر إلى المكان بطريقة مختلفة". ويضيف: "لقد ألصقتُ شيئاً ما، شعارًا على الجدار، أثَرًا، علامة إنسانية أخرى تمتلئ بالمعنى وتحيل إلى وميض رامبو، وإلى صورة شبابه، وإلى هشاشته. قلت مرة لأحد الأشخاص إن ما هو أكثر رامبوية في رامبو الذي أرسمه، هو أنه من ورق وسيندثر".

اقرأ أيضًا : عودة الفيلسوف الفاجر

وينصح الفنان، أحيانًا، بعض زوار مَعَارضه بشراء كتاب يتحدث عن عمله بدلًا من شراء أحد أعماله، "حتى يكونوا قريبين جدا من شغلي". ويعترف بأنه لا يرى كيف يمكن للعمل ألا يكون ذا بُعد سياسي وفلسفي، أي أن لا يكون إنسانيًا. و"لكني لا أندرج ضمن قراءة سياسية اختزالية لعملي. فأنا لا أخلق شعارات ولا أحمل أي خطاب".

يروق لإرنست أن يخلق صُوَرًا عابرة في المدن الكبرى، وعلى الأخص روما، عبر استعادة الكاتب والمخرج الإيطالي الراحل، بيير باولو بازوليني - الذي يرى فيه إرنست مبدعًا رؤيويًا، تنبأ بالمجتمع الذي نعيش فيه اليوم - في الأماكن المرتبطة بحياته وموته، في قلب روما وفي أوستيا، حيث تم اغتياله قبل أكثر من أربعين سنة. ولأن الصُوَر عابرةٌ، فقد تمزقت أو تعرضت للإتلاف ولم يتبقّ منها سوى واحدة في مطعم في منطقة تراستفي، حيث تعشى بازوليني قبل ساعات من اغتياله. "كان بازوليني يرى أن النيو- رأسمالية الاستهلاكية تُجرّد من الإنسانية"، وفقًا لرأي إرنست.

لا يخفي الفنان الفرنسي حقيقة رفضه لكل رؤية اختزالية لفنّ مناضل. يعترف بخياره الشيوعي، الذي لم يؤثر أبدًا على انفتاحه على الحوار وعلى الفكر المتغير.

جدران المدينة، الوقوف مع الضحية

الفنان إرنست أحد روّاد الفن المديني. نراه، حينًا، يترصد جدران المدن، وأحيانًا يشتغل ليلًا في إلصاق رسوماته، بعيدًا عن أعين المتلصصين والمزعجين، وهو يرى ضرورة تحويل المشهَد إلى مادة فنية، إذ إن عمل الفنان ليس على لوحة بل في الفضاء والضوء وتركيب الجدار. وهذه مجتمعة، تُوصِلُ خطابًا سياسيًا أو شعريًا أو اجتماعيًا. وما من شك في أن إنجازات إرنست الضخمة تشهد عن ماضٍ مؤلم، سواء تعلّق الأمر بحرب فرنسا الاستعمارية في الجزائر، أم بسياسة التمييز العنصري في جنوب أفريقيا وفلسطين المحتلة وغيرها. وهو ما يؤكد أن الفنان لم يتوقف يومًا عن إدانة الظلم ومختلف التمييزات.

وليس غريبًا أنه في نهاية ستينيات القرن الماضي، وبعد أن تعرض أعضاء مجموعة مسرحية نيويوركية تمارس مسرح الـ happening، للاعتداء في مدينة أفينيون الفرنسية، قرر رسم بورتريه لمنظّر هذه المجموعة؛ جوليان بيك، وإلصاقه سرًا في شوارع المدينة. مما سمح للعابرين أن يكونوا شهودًا على عدم تسامُح مواطنيهم. وليس غريبًا، أيضًا، في تصور إرنست للفن، باعتباره أهمّ من خطاب طويل ومن أي شعار، إقدامُه على إلصاق بورتريه الشاعر الفلسطيني الراحل، محمود درويش، في شوارع رام الله وعلى الحواجز الإسرائيلية وعلى أسوار جدار الفصل العنصري في الضفة.

وسبق للفنان أن عمل غلافًا لصحيفة لومانيتيه، لسان الحزب الشيوعي الفرنسي، يوم 2 أبريل/نيسان 2002 عن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، نقرأ فيه: "عرفات معزول، الدبابات الإسرائيلية تواصل القمع، والشهود الأجانب يتم طردهم".

كل شيء يشتغل عليه إرنست هو ضدّ الظلم، ومن هنا يستمد معرضه سنة 1979، عن "المطرودين" أهميته. وقد حرص إرنست على عرضه بنفسه في المدينة، في شوارع معينة، وأثناء الليل. ويتناول هذا المعرض قرار بلدية باريس طرد بعض السكان من منازلهم بذريعة تجديد الحي وتأهيله. وهو ما يجعل فن إرنست مرتبطاً، بشكل وثيق، بالسياسة. وإذا كانت ملصقاته تتعرض للتلف والتمزق والتخريب، فلأنها ترمز إلى حيوات هؤلاء المطرودين من منازلهم. "المطرودون يشبهون أشباحًا تائهة في هذه المدينة ولا يهتم لحالهم أحد".
وبالعودة إلى عمله، الذي أثار "غضب" إسرائيل، فإن إرنست بينيون إرنست لم يغضب من التدخل الإسرائيلي الوقح في مسألة فنية، إذ هو أمر متوقع من دولة محتلة، ولكنه غضب من استسلام الدار المنظّمة المُهين، لبيع أعمال الفنان، للضغوطات الإسرائيلية. وحسنا فعلت صحيفة "ليبراسيون" حين قررت التضامن مع الفنان الفرنسي المناضل.

دلالات

المساهمون