عربٌ يمثّلون في أفلام غربية

عربٌ يمثّلون في أفلام غربية

22 سبتمبر 2015
هارفي كايتل ونادين لبكي في الفيلم القصير "ريو، أحبّك"
+ الخط -
في 17 سبتمبر /أيلول 2015، تمّ افتتاح النسخة الثانية من "أسبوع الفيلم الألماني" في بيروت (تنظيم "معهد غوته" و"جمعية متروبوليس")، بعرض "من أنا، ما من نظام محميّ" (2014) للسويسري باران بو أودار. لن يكون الفيلم هذا أهمّ، جمالياً وبصرياً وفنياً ودرامياً، من أفلام أخرى مختارة في برمجة النسخة المذكورة، المنتهية في 27 سبتمبر/ أيلول 2015. غير أن التوقّف عنده نابع من كون أحد ممثّلَيه الرئيسيّين الاثنين متحدّر من أصل عربي من جهة الأب. فالشاب إلياس مْ بارِك، المولود في ميونيخ الألمانية (1982)، ابن مهاجر تونسي متزوّج من سيدة نمساوية. الاطّلاع على لائحة الأفلام المشارك فيها كممثل، يكشف أنه بدأ التمثيل في العام 2000، وأن في رصيده السينمائي 22 فيلماً ألمانياً أو باللغة الألمانية.
لا معلومات كثيرة عنه. الأصل التونسي لوالده كفيل بالدعوة إلى قراءة مشهد سينمائي يتداخل فيه العربيّ بالغربيّ على مستوى التمثيل تحديداً، إذ يوجد في الغرب ممثّلون متنوّعو الجنسيات ذوو أصول عربية، كما يوجد ممثّلون عرب يعملون في الصناعة السينمائية المحلية في بلادهم، ويؤدّون أدواراً متفرّقة في النتاج السينمائي الدولي، في الوقت نفسه. هذا يستدعي عودة إلى زمن عربي قديم، من دون حسم مؤكّد للتاريخ الفعلي لأول ظهور عربي في السينما الدولية، إذ لا تزال المعطيات الأرشيفية الموثوق بها عاجزة عن تحديد موعد ثابت ونهائيّ للظهور هذا، السابق بأعوام مديدة على إطلالة الراحِلين الممثل المصري عمر الشريف (1932 ـ 2015) والمنتج السوري مصطفى العقّاد (1930 ـ 2005) في قلب صناعة السينما الأميركية/ الهوليوودية، علماً أن للشريف أدواراً متفرّقة في أفلامٍ أوروبية أيضاً، تماماً كالتجربة التمثيلية للمصري جميل راتب (1926)، مسرحيّاً وسينمائياً، خصوصاً في فرنسا وإيطاليا.

هنا وهناك

هذا كلّه يعني أن للحضور التمثيلي العربي في الغرب تاريخاً واضحاً ومعروفاً. ممثلون عديدون يُشاركون في الصناعة البصرية الغربية، ويقدّمون أدواراً تتفوّق، أحياناً كثيرة، على نفسها في ابتكار أدوات التعبير الإبداعي للأداء، وتساهم في تحويل الصنيع إلى عمل متكامل، فنياً وجمالياً ودرامياً. هؤلاء يأتون من بلادهم العربية للتمثيل في أفلام أجنبية، في مقابل ممثّلين أجانب ذوي أصول عربية، مولودين في الغرب، ويعملون في السينما، ويقدّمون أنفسهم بحسب الجنسيات التي يحملونها. القاسم المشترك بينهم جميعهم كامنٌ في التمثيل: التربية الغربية مختلفة، والحياة اليومية العاملة في صناعة السينما (أو "صناعة الترفيه" كما تُسمّى في هوليوود) مختلفة أيضاً عن تلك الموجودة في العالم العربي. فإلى جانب مسألة أن مصر تُعتبر عاصمة الفن السابع العربي، كونها البلد العربي الوحيد المالك صناعة سينمائية متكاملة لا يُعثَر على شبيهٍ لها في الدول العربية الأخرى (باستثناء المغرب إلى حدّ كبير)؛ فإن أدوات التمثيل السينمائي في العالم العربي لا تزال محتاجة إلى مزيد من صقل وتأهيل وثقافة، يُفترض بها كلّها تحييد الممثل عن تقنيات الأداء التلفزيوني. هذا يكاد ينعدم في اشتغالات ممثلي الجيل العربي الجديد، الذاهب إلى السينما محصَّناً بثقافة ووعي جمالي ومعرفي بشؤون الصورة وتقنياتها وأدواتها المختلفة، ما يؤهّله الوقوف أمام ممثلين "نجوم" في السينما الغربية، لتأدية أدوار أساسية أحياناً ببراعة واضحة.
إلى جانب ممثلين عرب مولودين في الغرب، كالأميركيين أف. موراي أبراهام السوري الأصل (1939) وطوني شلهوب المتحدّر من أصل لبناني، بالإضافة إلى الفرنسيين الأكثر حضوراً في المشهد السينمائي الفرنسي ـ الدولي، كالجزائريّي الأصل طاهر رحيم (1981) ورشيد بوشارب (1953) والمغربيّي الأصل سعيد طغماوي (1973) ورشدي زيم (1965)، والتونسي الأصل سامي بوعجيلة (1966)، والسوداني الأصل البريطاني الجنسية والإقامة ألكسندر صدّيق (1965)، وغيرهم، يطل ممثلون عرب في أفلام أميركية وأوروبية بين حين وآخر، لتقديم أدوار لن تكون عربية أو شرق أوسطية دائماً، بل انعكاساً لشخصيات أوروبية بحتة. أبرز هؤلاء السوري غسان مسعود (1958)، المُشارك في إنتاجات سينمائية تركية قبل انتقاله إلى هوليوود لتأدية دور صلاح الدين الأيوبي في "مملكة السماء" (2005) للأميركي ريدلي سكوت، المتعاون معه لاحقاً في "الخروج: آلهة وملوك" (2014)، الذي تمثّل فيه الفلسطينية هيام عبّاس أيضاً. مسعود، المتمّكن من حيويته التمثيلية المكتسبة بفضل المسرح والسينما في سورية، يصبح أحد الوجوه العربية الحاضرة بفعالية في سينما غربية، بعضها منضوٍ في إطار "الإنتاجات الهوليوودية الضخمة"، كـ "قراصنة الكاريبي: في نهاية العالم" (2007) لغور فيربينسكي.

اقرأ أيضاً: احتمال سينما عربية مستقلّة

أداء لافت للانتباه

لكن مسعود لن يستمرّ كثيراً في العمل السينمائي الغربي، إذ تبقى خياراته ضئيلة العدد. هذا على نقيض المسار السينمائي الغربي للمصري عمر واكد (1972)، أحد أبرز الممثلين العرب الشباب ذوي القدرات الإبداعية الجميلة التي تؤهّله لتبوؤ الصفوف الأولى في التمثيل السينمائي، لما يعتمل فيه من إتقان لقواعد الأداء أولاً، وللاختبار والتنويع ثانياً، ولمزيد من الشغف التمثيلي الدائم ثالثاً. آخر إطلالة غربية لواكد متمثّلة بدور ثانوي في الفيلم الفرنسي "لوسي" (2014) للوك بوسّون، وهو خيال علميّ يجمع ممثِّلَين أميركيين هما سكارليت جوهانسن ومورغان فريمان. قبل "لوسي"، هناك ما لا يقلّ عن 5 أفلام غربية، أبرزها "سيريانا" (2005) للأميركي ستيفن غاغان (سياسي ـ اقتصادي ـ استخباراتي على خلفية النفط في المنطقة العربية)، و"عدوى" (2011) للأميركي ستيفن سودربيرغ (ثريلر طبي ـ تشويقيّ)، والكوميديا الرومانسية البريطانية "صيد سمك السولومون في اليمن" (2012) للسويدي لاس هالستروم، والفرنسي "كولت 45" (2014) للمخرجين البلجيكي فابريس دو فالز والفرنسي فريديريك فوريستييه (ثريلر بوليسي عن صراعات داخل أروقة الشرطة).
الفيلم الإيطالي (Il Padre E Lo Straniero (2010) لريكي توغنازي يجمع عمر واكد باللبنانية نادين لبكي (1974)، التي تحتلّ مرتبة متقدّمة فيه، وإن تنعقد البطولة الرجالية على واكد والإيطالي أليساندرو غاسّمان. ترتكز الحبكة على علاقة بين رجلين أبوين لديهما ولدان مُعوَّقان. هنا، تستكمل لبكي "شطارتها" التمثيلية، وحسن امتلاكها مفاتيح الأداء الذي تتقن مفرداته، في أفلامها كمخرجة كما في أفلام مخرجين آخرين. فأن تكون لبكي ممثلة، هذا يعني أن للدور/ الشخصية ميزة التمرّد على كلاسيكية الأداء، بفضل حيويتها الخاصّة التي تمنح من ذاتها ما يتيح للدور/ الشخصية إمكانية التألّق في عفوية ملتقطة بوعي تمثيلي واضح. تمثّل لبكي في فيلميها الروائيين الطويلين كمخرجة "سكر بنات" (2007) و"وهلأ لوين؟" (2011). تمثّل أيضاً في فيلم قصير تُخرجه ضمن فيلم جماعي بعنوان "ريو، أحبّك" (2014). هنا، لا تكتفي بإدارة تمثيلية للأميركي هارفي كايتل، بل تُشاركه البطولة في لعبة ثنائية تدور رحاها داخل محطة للقطارات، مع صبيّ ينتظر مكالمة هاتفية من الله. أداء تعتاده لبكي في غالبية الأفلام، ومنها "مِيَا كولبا" (2014) للفرنسي فرد كافاييه، أو في "جزاء المجد" (2015) لكزافييه بوفوا.
من الممثلين العرب ذوي البراعة اللافتة للانتباه في التمثيل السينمائي المتماسك والجميل، هناك الفلسطينيان علي سليمان (1977) وصالح بكري (1977). الاشتغال في أفلام فلسطينية وإسرائيلية تأسيس لنمط أدائيّ يتكئ على تقنية التعبير الشكليّ والحركة الجسدية، قبل أن يكمل النطق والانفعال حاجات الدور/ الشخصية. أفلامهما الفلسطينية والإسرائيلية جزء من نقاش جمالي ـ إنساني ـ ثقافي يتناول مسائل راهنة أو تاريخية، ويروي حكايات الفرد في إعادة ترميم ذاكرته وحاضره، ويُفكّك أسئلة الهوية والانتماء والحياة والموت، عبر سرد درامي مُحكم البناء. أدوارهما السينمائية في نتاجات أميركية وأوروبية لا يزال عددها أقلّ من تلك المُقدَّمة في أفلام فلسطينية وإسرائيلية. لكنها أدوار ـ ثانوية أو أساسية ـ تستكمل اختباراتهما الأدائية في التعرّف على مسالك تمثيلية يُتقنون، بدرجة أو بأخرى، كيفية امتلاك خصوصياتها.

حضور بارز

فيلمٌ إيطالي بعنوان "سالفو" (2013) لفابيو غراسّادونيا يتيح لصالح بكري المثول، بفضل العرض الأول للفيلم، أمام لجنة تحكيم خاصّة بـ "أسبوع النقد"، في الدورة الـ 66 لمهرجان "كان"، وانتزاع الفيلم "الجائزة الكبرى" للمسابقة هذه. دوره أساسي. فسالفو (بكري) يعمل في خدمة عرّاب مافياوي في صقلية ينجو من محاولة اغتيال، فيُكلَّف الشاب بالانتقام، قبل لقائه صبيّة يغرم بها بصمت. أما الحضور الغربي لعلي سليمان فمتنوّع أكثر، إذ يشارك في أفلام أميركية لها ثقل سينمائي ـ إنساني ـ سياسي مختلف، وإن تبقى أدواره إما ثانوية أو جانبية. في العام 2007، يُشارك في "المملكة" لبيتر بورغ، الذي يتعاون معه لاحقاً في "الناجي الوحيد" (2013). في الأول، يقدّم سليمان دور ضابط سعودي يتولّى العمل مع فريق أمني ـ استخباراتي أميركي للتحقيق في تفجير إرهابي في الرياض يطال منشأة أميركية. في الثاني، يؤدي دور جندي تابع لفرقة عسكرية نخبوية أميركية تفشل في تنفيذ عملية ضد "طالبان" في أفغانستان. له أيضاً حضور في "كمّ الأكاذيب" (2008) لريدلي سكوت (نزاعات استخباراتية أردنية أميركية، على خلفية مطاردة إرهابيين).
لن يختلف المسار السينمائي للفلسطينية هيام عبّاس (1960) عن مسارهما. الممثلة والمخرجة والكاتبة والمنتجة، لها حضور مهمّ في الغرب متأتٍ من جمالية أدائها وتنويعه، ومن تجربتها في إدارة الممثلين، خصوصاً في فيلمي "بابل" (2006) للمكسيكي أليخاندرو غونزاليس إيناريتو، و"ميونيخ" (2006) للأميركي ستيفن سبيلبيرغ. أفلام عديدة تؤدّي فيها شخصيات متفاوتة الحجم والمكانة، لكنها متشابهة على مستوى التقنية البديعة للتمثيل، وجماليته. لديها ميزة التحرّك داخل الشخصية في اتجاهات متنوّعة، وأن تتقن إحكام قبضتها عليها كي لا تتوه الممثلة في الشخصية. الاتجاهات هنا تعني أن عبّاس تمنح الدور/ الشخصية حرية التصرّف في الإطار الدرامي الموضوع فيه، كي يصنع مفاصل متداخلة في بنائها الفني والإنساني معاً للدور هذا. ملامح الوجه امتداد لحركة الجسد في السياق الجمالي للنص، ومخارج الحروف جزء من لعبة التمثيل، الذي تمتلك عبّاس مسافة منها (اللعبة) أحياناً، عندما تشعر أن للصمت ضرورة، فإذا بالصمت يُصبح أبلغ من كلّ كلام.
هذه نماذج، ليس أكثر. محاولة للإضاءة على تجارب تمثيلية عربية في السينما الغربية، بحثاً في مفرداتها ولغتها السينمائية، وموقع الممثلين في الاختبار الأدائي أيضاً.
(كاتب لبناني)

المساهمون