لمن منصب الشعر في أوكسفورد؟

لمن منصب الشعر في أوكسفورد؟

09 يونيو 2015
+ الخط -
تحتدم المنافسة بين خمسة من الشعراء والكتّاب للفوز بمنصب "أستاذ أوكسفورد للشعر" في جامعة أكسفورد البريطانية العريقة؛ سيمون أرميتاج الشاعر والروائي والمسرحي الأميركي، إيان غريغسون الموسيقي والممثل والكاتب البريطاني، شون هالدان الشاعر البريطاني الكندي، أليسيا ستالينغ الشاعرة والمترجمة الإنكليزية، والشاعر والكاتب الروائي والمسرحي النيجيري الشهير وول سوينكا الحائز على جائزة نوبل في الآداب عام 1986.
وكان هذا المنصب قد استحدث منذ ثلاثة قرون، وهو أعلى درجة أكاديمية في الشعر في المملكة المتحدة. وكان أوّل المتربعيّن على عرش منصب "أستاذ الشعر" جوزيف تراب في عام 1708. ومن أشهر الحاصلين عليه؛ الشاعر البريطاني و.هـ أودن، وشيموس هيني الشاعر الإيرلندي، الحاصل أيضًا على جائزة نوبل للآداب عام 1995. المرأة الوحيدة التي وصلت إلى هذا المنصب كانت الشاعرة والروائية البريطانية روث بادل، التي قدّمت استقالتها بعد مرور أقلّ من أسبوعين، نتيجة الكشف عن مزاعم تحرش جنسي قدّمتها ضدّ منافسها على المنصب ديريك والكوت الشاعر الكاريبي والحائز على جائزة نوبل للآداب 1992.

اقرأ أيضاً: الإيقاع: أعرافُ الشعر النجديّ وتقاليده تجربة الدندان نموذجًا

وقد بدأ التصويت على المنصب في 22 مايو/ أيار، وسيستمرّ لغاية 17 يونيو/ حزيران. وعلى المرشحين الحصول على ما لا يقل عن خمسين صوتًا من خريجي جامعة أوكسفورد كي يتمكّنوا من المشاركة في المنافسة على اللقب الرفيع الذي ستعلن نتيجته في التاسع عشر من شهر يونيو الجاري.
يبقى الفائز في منصبه مدّة خمس سنوات، بدءًا من أكتوبر/ تشرين الأوّل 2015. ويفرض المنصب على صاحبه، إلقاء ثلاث محاضرات عامّة خلال ولايته، فضلاً عن تشجيع فنّ الشعر في الجامعة.
وقد نال سوينكا ترشيحًا من أكثر من تسعين من خريجي جامعة أوكسفورد، ومن بينهم الكاتبان ميلفن براغ وروبرت ماكفارلين.
لذا، يتصدّر وول سوينكا لائحة المرشحين الخمسة للمنصب، وينافسه بشكل جدي سيمون أرميتاج. وبشكل متواتر، تكرّس له المقالات في أشهر الصحف البريطانية، نظرًا إلى المكانة الرفيعة التي يتمتع بها سوينكا، لا بسبب كتابته المميّزة في الشّعر والرواية والمسرح والمقال السياسي فحسب، بل بسبب مسيرته النضالية ضدّ الظلم والاستبداد.
فقد عانى سوينكا في بلاده، بسبب جرأته وانتقاده المستمر للعديد من الحكّام المستبدين في الجيش النيجيري والأنظمة السياسية الجائرة، وألقي القبض عليه لتزعّمه تظاهرة ضدّ حكومة الرئيس أوباسينجو، التي فشلت في مكافحة الفساد والجريمة. وُضع في الحبس الانفرادي أثناء الحرب الأهلية في نيجيريا بين عامي 1967 و1970، بيد أنّه تمكّن من تهريب أشعاره على ورق التواليت. وكانت تلك الحادثة وحدها، كفيلة لإثبات إيمان سوينكا بقدرة الشعر على تأديّة دور مهمّ في حياة البشر وتبديل النفوس، وتسليط الضوء على ولعه بالكتابة الشعرية وقدراته التي لم تهزمها جدران السجون.
وربمّا كان اهتمام الصحافة البريطانية بوول سوينكا، سببًا في احتدام المنافسة بين المرشحين الخمسة، فقد أصدر إيان غريغسون بيانًا أعلن فيه "خطّته" التدريسية في حال فوزه بالمنصب، من أنّه سيعمل على معالجة المسألة الكبرى التي تواجه الشعر المعاصر، وتحدّث عن معاناة الشعر في العقود الأخيرة وفقدانه لهيبته الثقافية وشعبيته. وسرت انتقادات أخرى ركّزت على تقدّم سوينكا في العمر باعتباره تجاوز الثمانين، وشكّكت في قدرته على القيام بدوره في حال فوزه. بيد أنّ سوينكا لم يصمت عن تلك الشائعات التي تسعى للنيل منه، وردّ عليها بالقول إنّه من الغريب أن يتكهّن أي شخص بنواياه أو قدراته. وأضاف أنّه لو لم يكن جاداً في خوض المنافسة للوصول إلى تلك المكانة المرموقة، لما أهدر وقت الأصدقاء والزملاء والغرباء في التصويت له وتنظيم الحملات نيابة عنه.
لم يقتصر الأمر على التعليق على عمر سوينكا، بل تخطّى ذلك إلى انتقاده لعدم تقديمه بيانًا لانتخابات "أستاذ الشعر"، فانتهز معارضوه تلك الفرصة للهجوم عليه باعتبار "خطته" في التدريس بقيت طيّ الكتمان، في حال فوزه باللقب.
واجه مؤيدو سوينكا تلك الأقاويل، ومنهم لوسي نيولن، أستاذة اللغة الانكليزية في أكسفورد، وقالت إنّ عدم تقديم بيان للمنصب لا يعتبر أمرأً غير طبيعي لشخص من الممكن أن يصبح أستاذ أكسفورد للشعر، كما لفتت إلى أنّ عمره المتقدّم لا يؤثّر على أدائه لدوره.
أضافت نيولن أنّ جيفري هيل، أستاذ أكسفورد للشعر الحالي، لم يقدّم أي بيان وهو في عمر سوينكا أيضًا، وعلى الرغم من ذلك كان أداؤه ناجحاً خلال مدّة ولايته. وتابعت نيولن أنّ سوينكا مرشّح في غاية التميّز، مفعم بالحيوية والطاقة والحماس، وفي حال انتخابه، سيقوم بالمهام والواجبات التي يتطلبها المنصب. أمّا عن تقديم بيان فهذا أمر اختياري يعود للمرشحين ولا يُجبَر أي منهم على الإدلاء به.
من جانبه، وصف روان ويليامز، الشاعر ورئيس أساقفة كانتربيري السابق، سوينكا بأنّه يشكّل حضوراً ثقافياً هائلاً. أمّا بنجامين سفنيا، أحد الشعراء البريطانيين اللامعين، فدعا المنتخبين في جامعة أوكسفورد، إلى تكريم أحد أعظم كتّاب العالم والتصويت له. أكمل ويليامز أنّ سوينكا سيساعدنا على التواصل مع العالم الخارجي عوضاً عن هدر طاقتنا على التركيز على قوميتنا والبحث في الداخل.
لم تتوانَ ألمع النجوم الأدبية وكبار الشخصيات والمثقفين عن دعم سوينكا، باعتباره الأكثر جدارة للتربّع على عرش "أستاذ الشعر" في جامعة أكسفورد. وذهب بعضهم إلى وصف لغته بالمشرقة على الدوام التي لم تَخْبُ يوماً، كما لم يتعثّر مفهومه عن العدالة. وقيل إنّ تعيينه في جامعة أوكسفورد، شرفٌ لها. وقال آخرون إنّه أثبت أنّه عملاق الأدب الحديث ورجلاً استطاع أن يثبت أهميّة المسائل الشعرية وحيويتها من خلال حياته وكتاباته.
كتب سوينكا أوّل مسرحياته في عام 1958 "سكّان المستنقع"، وتلتها "الأسد والجوهرة"، التي لفتت أنظار عدد لا يستهان به من أعضاء مسرح رويال كورت في العاصمة البريطانية لندن. تناول سوينكا في العديد من مسرحياته النخب السياسية في نيجيريا ووجّه إليها نقداً لاذعاً، كما سخر من عبادة الشخصيات في الحكومات الديكتاتورية الأفريقية.
تعكس العديد من أعمال سوينكا الواقع الأليم الذي يعيشه الكثير من البشر، خصوصاً أولئك الذين يركبون أمواج البحر ويصعدون قوارب تتأرجح بهم بين الموت والحياة بحثاً عن بصيص أمل. وتخليداً لتلك الفئة من المناضلين، تم اختيار سبعة عشر مقطّعة من قصيدة سوينكا الشهيرة "النازح". وحُفرت القصائد على شواهد رخامية لسبعة عشر قبرًا، لفتاتين وامرأتين وثلاثة عشر رجلًا من سورية ونيجيريا، قضوا غرقًا هم وثلاثمائة آخرين في البحر الأبيض المتوسط. الجثث السبع عشرة التي لفظها البحر إلى ساحل لامبيدوزا في أيّار عام 2013، كرّمت أيضًا بنصب تذكاري، وذلك في الخامس عشر من شهر مارس/ آذار المنصرم في مدينة صقلية.
يعتبر سوينكا أوّل كاتب أفريقي يحصل على جائزة نوبل، وتحدّث في خطابه آنذاك، عن كبت الحريات في جنوب أفريقيا وانتقد بصراحة سياسة الفصل العنصري التي تفرضها الحكومة على الأغلبية في تلك البقعة من العالم. حاز سوينكا خلال حياته على العديد من الجوائز ومنها ميدالية بنسون من الجمعية الملكية للأدب، ودكتوراه فخرية من جامعة هارفارد وجائزة أجيب للآداب وغيرها الكثير. ويرى سوينكا أن أفضل طريق للمقاومة هو الكتابة : "أظن أن ما يحرّض أحدًا ما على الكتابة، هو أن يجد نفسه أمام شيء يعجز عن فهمه، أو أن يرغب في الاختفاء وراء حدث إيجابي للغاية، يجعلنا نحسّ أننا ننتمي إلى الجنس البشري، وهذا الفرح هو الذي نسعى إلى التعبير عنه من خلال الكتابة. لكن للأسف، أرى أن الأحداث السلبية والمأساوية، هي التي تهيمن على القارة الأفريقية. يقول بعض الناس إن الكتابة يمكن أن تكون نوعًا من العلاج الذي يبقي على صفائنا الذهني في قلب التناقضات التي تحاصرنا، وآخرون يرون أنها تساعدنا على الانتقام من الذين يرغبون في تنغيص حياتنا لجعلها مستحيلة"
وإذ سئل مرة عن طقوسه في الكتابة، أجاب: "لست كاتباً منهجياً، أي من نوع الكتّاب الذين يستيقظون صباحاً ويضعون ورقة في الآلة الكاتبة ويبدأون الكتابة. يمكنني أن أكتب في النهار بكامله، ولا أريد أن أقوم بأي عمل آخر. أظن أن الجلوس أمام الأوراق البيضاء، يشبه المرأة الحامل التي تتأمّل طفلها في بطنها. والكتابة أن تدع الوجود يهيمن على ذاتك، وبكلمات أخرى إلى أي مدى يمكن إخضاع الأنا، والوعي الشخصي، ظاهرة واحدة حولنا".
يبقى أن تتشرّف جامعة أكسفورد بتولّي سوينكا منصب "أستاذ الشعر" فيها، ليثبت أن لا مستحيل سوى المستحيل ذاته، ويتبوّأ أرقى درجات الشعر بعد أن قبع يوماً في سجون نيجيريا كمجرم، كونه تجرّأ على انتقاد حكّام اعتقدوا أنّهم ظلّ الله على الأرض كما يعتقد معظم حكّام دول العالم الثالث.

المساهمون