ملامح من الدخول الثقافي الجديد في فرنسا

ملامح من الدخول الثقافي الجديد في فرنسا

22 ديسمبر 2015
الكاتب اللبناني أمين معلوف(Getty)
+ الخط -
دخول شتاء 2016 الأدبي، وهو الدخول الأدبي الثاني في فرنسا، يبدأ في كشف غلاله الكثيرة، و476 رواية جديدة ستظهر تباعاً من 30 من هذا الشهر إلى نهاية شهر فبراير/شباط 2016، ومن بينها 73 رواية أولى لمؤلّفين جرّبوا هذا الجنس الكتابي. وإذا كان الدخول الأدبي الأول انتهى ومعه التباري الشديد حول جوائزه الباذخة، من غونغور ورونودو وفيمينا وجائزة الأكاديمية الفرنسية وغيرها، كاشفاً عن مستوى ليس بالاستثنائي في الأدب الفرنسي. فإن العديد من كبار الروائيين الفرنسيين، وخصوصا من الذين حصلوا على جوائز في السابق يفضلون أن يُصدروا كتبهم في هذا الدخول الثاني، والتي يتصادف صدورها مع معرض باريس السنوي للكتاب الذي يُعقد ما بين 17 و20 من شهر مارس/آذار من كل سنة، والذي يدخل في ذكراه السادسة والثلاثين. وأيضاً الذي غيّر اسمه فأصبح، الآن، "كِتاب باريس"، وضيفة الشرف هذه السنة هي كوريا الجنوبية.
ومن كبار الكُتّاب الذين ينتظر القرّاء مؤلفاتهم الطاهر بنجلون في روايته الجديدة التي تحمل عنواناً مثيراً: "زواج المتعة"، وأوليفيي أدم في روايته "الانقلاب" وجان إيشنوز في "المبعوثة الخاصة" وبيير أسولين "غوليم" وجان دورميسون، أحد أهم وجوه الحياة الثقافية والسياسية الفرنسية، الذي شهد نشر نصوصه في سلسلة لابلياد (تأسست سنة 1931 وتبنتها دار غاليمار
منذ سنة 1933)، وهي سلسلة لا تُكرَّسُ، في الغالب، إلا للمؤلّفين الراحلين (16 مؤلِّفاً، فقط، نالوا هذه الحظوة، وهم أحياء نذكر منهم ميلان كانديرا وفيليب جاكوتي وناتالي ساروت ويوجين يونسكو وروني شار وسان جان بيرس وأندري مالرو)، في كتابه الجديد، بعنوان مقتبس من الشاعر الكبير لويس أراغون "سأقول، رغم كل شيء، بأن هذه الحياة كانت جميلة". وإذا كان الأمر يتعلق، نوعاً ما، فإن دورميسون، البالغ سن التسعين، يصر على أنه "كتاب حياته"، وباتريك رامبو "فرانسوا الصغير"، وهي نصوص ساخرة عن عهد الرئيس الفرنسي الحالي فرانسوا هولاند، بعد أن سبق له نشر ستة مؤلفات عن الرئيس السابق نيكولا ساركوزي: "أخبار حكم نيكولا الأول". ثم كتاب عضو الأكاديمية الفرنسية أمين معلوف عن الأكاديمية الفرنسية (مجمع الخالدين)، وكل ما يرتبط بها من تاريخ فرنسا الثقافي والفكري والسياسي. وهو كتاب يحكي قصة 18 شخصية تعاقبت على الكرسي رقم 29 في الأكاديمية الفرنسية التي تأسست سنة 1634. كتاب ضخم يحكي أسرار هذا الكرسي الذي مات أول جالس عليه غرقاً في نهر السين، والذي كان كلود ليفي شتروس من بين محتليه. ومن خلال تتبع ومرافقة هذه الشخصيات الوازنة، يكتشف القارئ أربعة قرون من تاريخ فرنسا الصاخب. وكما يقول تصدير الكتاب، الذي سيظهر في المكتبات يوم 2 آذار/ مارس 2016: "انطلاقاً من كرسي بسيط، ومن مكان ذاكرة هشّ وحميمي يقع على ضفاف نهر السين، يُساعدنا أمين معلوف على إعادة اكتشاف ساعات ماضي فرنسا الثريّة، ودوام "عبقريتها الوطنية"، إضافة إلى تحولاتها الثابتة".
وإضافة إلى هؤلاء الكُتّاب الجديين، ينتظر قراء "الأدب الجماهيري" أو "الشعبي" رواية مارك ليفي الجديدة، التي ستصدر في شهر فبراير/شباط، عن دار روبرت لافون، والتي لا يزال التكتم شديداً حول عنوانها. وتجدر الإشارة إلى أن مارك ليفي، يعتبر الكاتب الفرنسي الأكثر مبيعاً في العالم، نحو أكثر من 30 مليون نسخة ورواياته مترجمة في 48 لغة. ويعتبر مارك ليفي إلى جانب غيوم موسو، ظاهرتين في عالَم النشر الفرنسي، الذي يعاني من ركود كبير، رغم قوة الدفع التي يمكن أن تمنحها هذه الجائزة أو تلك لهذا المؤلّف أو ذاك.
قبل أسابيع قرّر الكاتب والمفكر ريجيس دوبريه الاستقالة من لجنة تحكيم جائزة الغونكور. مُعلّلاً السبب برغبته تكريس ما تبقى من حياته للكتابة وإعادة قراءة روبرت موزيل من خلال ترجمة فيليب جاكوتي. ولكنّه أضاف، دون أن ينتبه الكثيرون إلى أن الذائقة الجديدة تغيرت، أصبحت تهتم بالكُتّاب الذين يصنعون شهرتهم بالفضائح التي ينشرونها من حولهم، ولم تعد تحبّ اكتشاف كُتاب حقيقيين وجديين، مثل بيير ميشون Pierre Michon. من يعرف بيير ميشون؟ القليل فقط. لأن الروائي الفرنسي لا يُقيم بباريس، ويعيش في عزلة شبه تامة، وبالتالي لا يبيع كثيراً.
والذين يرتادون الميترو أو الترام الباريسيين، لا بد وأن يذهلهم حجم القراء الذين يتصفحون، في متعة ظاهرة، روايات مارك ليفي وغيوم موسو. ربما هو نفس الإحساس حين نرى القراء العرب يُقبلون على روايات الأسواني ويُعرِضون عن روايات إدوارد الخراط أو إلياس خوري.

إقرأ أيضا: عودة المهدي بن بركة

المساهمون