مهرجان طنطا الدولي للشعر: احتفاءً بالحياة

مهرجان طنطا الدولي للشعر: احتفاءً بالحياة

23 نوفمبر 2015
الشاعر الإيطالي كلاوديو بوتساني في إحدى القراءات
+ الخط -
جاءت الدورة الأولى من مهرجان طنطا الدولي للشعر، الذي أقيم مؤخرًا، استثنائية متفرّدة، بسبب نوعية الأماكن التي انعقدت فيها فعاليات المهرجان، والجمهور المستهدف، فضلًا عن طائفة من الشعراء العرب والأجانب من أميركا وإسبانيا وإيطاليا والمكسيك والدنمارك والسعودية وعُمان والعراق وتونس والمغرب ومصر. 

بدأت الفعاليات بأمسية شعرية كبرى في ساحة مفتوحة أمام أبناء مدينة طنطا، هي ساحة مسجد السيد البدوي، الذي يعد واحدًا من أبرز معالم المدينة. أما حفل الختام فقد أقيم في حديقة نادي طنطا الرياضي.

دارت القراءات في أماكن مختلفة ومتنوعة، حيث أقيمت القراءات النهارية في ثلاثة أماكن، كلها تعليمية: ساحة المجمع الطبي، وساحة مجمع الكليات بسبرباي، بالإضافة إلى الفضاء جوار المدارس الثانوية؛ مدرسة السلام ومدرسة الأحمدية ومدرسة المستقبل. أما القراءات المسائية فكانت في عدد من المقاهي والمكتبات.

اقرأ أيضًا: الشعر السعودي محل للشجاعة والفتنة

ستة وعشرون شاعرًا من إحدى عشرة دولة كانوا حاضرين. وصدح الشعر في ساحات المدينة بخمس لغات؛ العربية والإنجليزية والإسبانية والدنماركية والإيطالية. "لم يحدث حتى الآن أن يقُام مهرجان شعري على هذا النحو من قبل في مصر"، هكذا علّق لـ ملحق الثقافة، الشاعر والمترجم المصري رفعت سلّام الذي شارك في المهرجان، واصفًا إياه بأنه "أهم حدث ثقافي أقيم في مصر في السنوات الأخيرة".

ساهم وجود شعراء من جنسيات مختلفة في تحريك المياه الراكدة في ما يخصّ العلاقة بين الشعر والمتلقي، حيث دارت نقاشات كثيرة بين الشعراء وطلبة المدارس والجامعات، فضلًا عن روّاد المقاهي، حول طبيعة القصيدة وحول نظرة الجمهور لنمط الشعر الذي يرسخ في أذهانهم ومستوى معرفتهم به. وكان لافتًا تعليق الجمهور عن أن ما سمعوه من قصائد كان مغايرًا تمامًا لما عرفوه مسبقًا عن الشعر، في ما يشبه "الصدمة المعرفية"، التي ربما، تنبني عليها تحولات في نمط الذائقة الجمالية لديهم.

نظّمت المهرجان جمعية شعر للأدباء والفنانين بالغربية، واقتفت أثر المهرجانات الدولية الكبرى، من حيث اختيار الأماكن وتوزيع الشعراء المشاركين على أماكن القراءة، بحيث تنوعت الجنسيات في القراءات، فضلًا عن إصدار أنطولوجيا شعرية، ضمت قصيدة لكل شاعر بلغتها الأصلية مع ترجمة إلى اللغة العربية.

اقرأ أيضًا : غابرييلا ميسترال، ذاكرة الشعر

"ليس هناك ما يمنع أن يتواجد الشعر في ساحاتنا ومقاهينا، كما نراه في دول عديدة. المستوى الاقتصادي أو المعيشي لدول مثل كولومبيا ونيكاراغوا أو حتى باناما، لم يمنع ذلك. ومدينة طنطا واحدة من المدن العريقة التي تمتعت لفترة زمنية طويلة بحركة ثقافية جادة، إذن ليست هناك مشكلة سوى الرغبة! الجمهور طيّع، ويتلهّف دائمًا لتلقي المختلف. فقط كان علينا الذهاب إليه، لا أن ننتظره في القاعات المكيّفة، التي تترفّع إزاءه، ويناصبها العداء في المقابل". بهذا الوصف يوضّح رئيس المهرجان الشاعر محمود شرف، الفكرة والمفهوم اللذين يقوم المهرجان عليهما، ويضيف: "لم يكن أمامنا سوى أخذ خطوة باتجاه المتلقي، يتوجب علينا أن نبذل قليلًا من الجهد أيضًا لا أن نكتفي بكتابة نصوصنا. من جهة أخرى، نرى أن دور المجتمع المدني بمؤسساته يجب أن يتم تعظيمه، من أجل خدمة المجتمع بشكل حقيقي، ومن أجل صناعة غد أكثر صلاحية للحياة".

وكان من بين المشاركين الشاعر العراقي المقيم في الفلبين، صلاح فائق، الذي علّق على فرادة المهرجان قائلًا: "بالنظر إلى أنها الدورة الأولى للمهرجان، فأنا أعتبره عملًا ناجحًا، يبقى بحاجة إلى مزيد من الجهد من أجل ترسيخ نجاحه في الدورات المقبلة". كما طالب إدارة المهرجان أن "تنوّع أماكن الفعاليات لتشمل المزارع وبعض الأماكن الأخرى، لنضمن وجود جمهور مختلف، يساهم في بناء تربة جيدة لاستنبات زهرة الشعر الحقيقية". وهو الأمر الذي اتفق معه فيه الشاعر الإيطالي كلاوديو بوتساني، حيث قال لملحق الثقافة: "كان الجمهور متنوعًا ودافئًا، غاب الجمهور عن فعاليات قليلة فقط، وكان الشعراء المشاركون هم أنفسهم الجمهور. ولو ذهب المهرجان إلى أماكن أخرى مختلفة، ربما سيكون أفضل. لكن في العموم، لم أصدق أن هذه هي الدورة الأولى من المهرجان".

لم تقتصر فعاليات المهرجان على القراءات الشعرية، بل ضمّت أيضًا شهادات على مدار يومين ضمن جلستين، جاءت الأولى بعنوان: تجربة الغربة لدى الشعر. وشارك فيها العراقي محسن الرملي، والتونسية لمياء المقدم، والدنماركي نيلس هاو، والمكسيكية بيلار رودريغيس أراندا. أمّا الجلسة الثانية فعقدت تحت عنوان: الشعر والترجمة، وشارك فيها العراقي صلاح فائق، المغربية علية الإدريسي، الإيطالي كلاوديو بوتساني، والأميركية هيذر توماس.

صحيح أن الشعراء الستة والعشرين أقاموا في مدينة طنطا لمدة خمسة أيام فقط، لكنهم تركوا بصمات في روحها، كما يبدو أنها ستظّل في قلوبهم: "لا يمكن أن نهمل فكرة أن المهرجانات وسيلة رائعة للمدينة المضيفة لتصبح معروفة خارج حدودها الوطنية. ليس فقط من خلال الأخبار، أو أشرطة الفيديو، ولكن من خلال سحر وسائل الإعلام الاجتماعية والفضول لدى متابعينا وقرائنا في أن يعرفوا أين كنّا، وهذا ما سيحدث، وربما بدأ بالفعل، في حالة مدينة طنطا!". بحسب بيلار رودريغيس أراندا، الشاعرة المكسيكية.

المساهمون