المنفى الوطن... على خشبة المسرح

المنفى الوطن... على خشبة المسرح

07 يونيو 2015
حنين لا تكفيه الأشواق(العربي الجديد)
+ الخط -
كثيرة هي السفرات التي حملتني من وإلى، وأمتع الرحلات تلك التي عرفتني إلى الخشبة. خشبة لا تبخل على محبيها بمنحهم السكينة، والطمأنينة التي لا تركن للمسلمات.
الكلمة والفعل السؤال والشك، روح الخشبة التي تجعلها نابضة بالحياة، نور يندفع أحيانا، ويتسلل أحيانا أخرى مبددا الظلام، همه كشف كل مخبوء أو متخف بالثابت الأعمى.
رحلة الرحلات منذ الصرخة الأولى، والخطوة الأولى، والكلمة الأولى، ما لم تنته مصادفة، دون تحديد ميعاد تلح على المرتحل امتلاكها، وتمنحه الفرصة تلو الأخرى على امتلاك لغة الطريق.
هي سهلة ممتنعة/ من الرضعة الأولى/ نتذوق الحب ونشمه ونألف لمسة الحنان.
نمتن بضحكات فكلمات فمشاكسات، وبرفقة كل صباح نطوي ليلة بأحلامها وكوابيسها ونحملها عدة ومفاتيح لأبواب نسعى لفتحها، وخيوطا تصلح لنسج خيالاتنا عن الآتي.
في يوم مشمس، لا يخلو من رائحة الياسمين، بأنظف الثياب وأجدها، كان المشوار الأول من نوعه، وكأنه استعداد لاستقبال عيد يضفي فرحا وسعادة بوعد مهد له كأس من عصير البرتقال بجانب بوابة زجاجية بحجم بحر واسع، يعكس ألوان قزح تعلوه أضواء متراقصة تحيط بصور كبيرة، بتراقصها أشعر بترحيب احتفالي بي شخصيا ما جعله أكبر من احتمالي فجعلني أتشبث بيد أخي الأكبر.
نخطو إلى الداخل عبر البوابة الزجاجية، فضاء بحجم حارة وستارة تكفي لأشرعة سفينة في هذا اليوم كان كل شيء أكبر وأغرب من التصور، حتى الكراسي لا تشبه الكراسي التي اعتدتها، الضوء الخافت المترامي على الستارة الحمراء يعكس حرارته على الجدران الشاهقة يرن الجرس ثلاثا، معلنا تلاشي الخافت من الضوء. تتنحى الستارة بخجل، لنعبر إلى عالم أرحب مما نحن فيه.
عشقت السينما، وأحنو علي، عندما خطفتني السينما الهندية وجعلتني أتصور أن يكون الشخص ممثلا هنديا، حلما ممكن التحقق لطفل ولد لاجئا بدمشق.
يتكيف الحلم بضغط الممكن، ويبحث عن الطريق الذي بدأ مبكرا ومصرا على الضوء، لأعي أن قصة هذا الضوء يحيكها من يسمى المخرج الذي يغزل أحلام الناس كما يتصورها. وتصاعد الشغف بالسينما وأصبحت ملاحقة الأفلام لا تقتصر على صالات السينما الدمشقية، بل امتدت للمراكز الثقافية العربية والأجنبية.

حط بي الرحال في دولة السويد في شمال الكرة الأرضية حيث يحتفلون بشروق الشمس لشدة دلالها، الشمس التي تكافئهم بعد الغياب ما يقارب الشهر فينعدم الغروب رغم افتعال المصلين صلاة للفجر والمغرب وما بينهما ... هذا النهار الطويل، بعد ليل أطول، يلقنني أن المنفى قد يكون وطنا أجمل، خاصة عندما دخلت صالة مسرح رمشة عين، بمدينة أميو، للمرة الأولى وشممت رائحة مسرح القباني، وسمعت صوت شريف شاكر الدافئ فأصابني دوار ممتع، زاده متعة احتضان رفاق لي هناك لم ألتقهم قط سابقا، يحملون خشبتهم كما تحملهم لتحيا الإنسانية حرة فرحة. .. إنني أنتمي لخشبة المسرح وسأرفض أي انتماء لم أختره بمحض إرادتي أو يفكك البشر ولا يقدس الحرية.
(مسرحي عربي مقيم في السويد)

المساهمون