فن اغتيال الكتاب

فن اغتيال الكتاب

13 مارس 2016
شهد العرب طرقا عدة لإتلاف الكتب كالحرق (Getty)
+ الخط -
كلما بدأت مواسم معارض الكتب في البلاد العربية، انشغلت معها دور النشر والكُتاب والصحافيون بقضية منع الكثير من الكتب من الدخول إلى المعارض، لتغيب العديد من العناوين عن الأرفف، ويتكرر السؤال عن السبب وراء ذلك؟ وإلى متى يبقى السيناريو يكرر نفسه دائما؟

وبرغم أن الإجابة على هذا السؤال تبدو بديهية في حال استمرار غياب الديمقراطية والحريات في معظم الدول العربية، إلا أن هناك تناسيا بأن منع وإتلاف الكتب، بل إحراقها، هي واحدة من الممارسات التي تكررت تاريخيا. فنظرة سريعة على تاريخ الكتاب العربي تجعلنا ربما نشعر بأننا محظوظون الآن، فلطالما شهد تاريخنا إحراق وإتلاف السلطة للكتب، وأكثر من ذلك، هناك الإتلاف الشخصي للكتب لأسباب تتعلق إما بالخوف، أو في حالة مثل أبو حيان التوحيدي الذي أتلف كتبه بنفسه، لأنه لم ينل التقدير الذي أراده في حياته. يتوقف ناصر الحزيمي في كتابه "حرق الكتب في التراث العربي" ملياً عند هذه المسألة، ويرى أن "احتقار العلم بالقراطيس، هو رأي جمعي عند العرب المتقدمين أورثوه لمسلمي صدر الإسلام"، وهي مقولة صارمة وربما غير موضوعية، وإن كانت تتضمن جانبا من الحقيقة التاريخية.

من ذلك الجانب، أن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان أمر في سنة 82 هجرية، بإحراق كتاب يشيد بفضائل الأنصار وأهل المدينة، حيث خشي أن يقع في أيدي أهل الشام، فيدركوا فضل أهل المدينة، وهو خلاف ما عممه عنهم بنو أمية في الشام في تلك الفترة. بينما يحذر ابن تيمية من قراءة السير الشعبية، قائلا "ومن لا سبب لرزقه إلا قراءة سيرة عنترة والبطال ونحوهما لا يجوز أن يُرتب إماما يصلى بالمسلمين، فإنه يُحدث دائما بالأكاذيب".

والأنكى، هو أن العرب شهدوا طرقا عدة لإتلاف الكتب كالحرق، الدفن، الغسل بالماء والإغراق، التقطيع والتخزين، فالعرب كانت تحفظ ولا تكتب. ولم ينج سوى القرآن الكريم من هذا، فدُون مصحف عثمان وأُتلف ما عداه، ثم تطور الموقف فاستثني تدوين السنة مع القرآن من الحرق، وكُره ما عداه مثل كتب الرأي والفقه والتي استثنيت لاحقا، ثم شمل الأمر كتب الأدب والتاريخ واللغة، حيث اعتبرت بأنها بدعة وإتلافها أولى من إتلاف آلات اللهو وأواني الخمر.

ومازالت ميزة الحرق موجودة حتى يومنا هذا، تمارسها بعض الجماعات التكفيرية مثل داعش، ففي شهر فبراير/شباط 2015، قام التنظيم بإحراق ما يقارب مائة ألف كتاب ومخطوط في محافظة الأنبار. الأمر الذي أثار مخاوف من فقدان الذاكرة الجمعية، والمنجز الثقافي وللأبد.

الطريقة بحد ذاتها تطورت وأصبحت أكثر تحضرا واتساعا اليوم، تمارسها السلطة بطرق مختلفة، فبدلا من حرق الكتب، تُمنع اليوم، بدعوى عدم اتساقها مع قيمنا المحافظة، أو الادعاء بأنها تحتوي ألفاظاً تخدش الحياء، كما تشير شواهد عديدة، آخرها قضية الروائي أحمد ناجي، والحكم عليه بالسجن، لروايته "استخدام الحياة"، أو التكفير في حالة الشاعر الفلسطيني أشرف فياض، عن مجموعته الشعرية "التعليمات بالداخل".

وربما لهذه الأسباب جميعها يرى الكثيرون أنه حان الوقت للتخلي عن الكتاب الورقي، وتبني الإلكتروني، بدعوى الحفاظ على الكتاب من الزوال. مع العلم أن هذا لا يمنع السلطات من ممارسة الحجب على العديد من المواقع الإلكترونية، بل إن "تسريب" كتاب وإدخاله دولة ما يبدو أبسط من اختراق مواقع إلكترونية لبطء العملية. وقد تضيف هذه الدعوات لإبطال الكتاب الورقي سيرة جديدة لاغتيال الكتاب، فهي تضعنا أمام شكل واحد للكتاب؛ إما إلكترونيا أو إلكترونيا.

لذا لا يكمن الحل في إحراق الكتب، أو جعلها إلكترونية فقط، أو منعها، أو حبس مؤلفيها، بل تكمن الحاجة في مواجهة الخوف من الكتاب، ومحاولة إيجاد أجوبة قد تقنع السلطة في التخلي عن عنادها، وفي نفس الوقت قد تقنع القارئ العربي بأهمية الانكباب على القراءة، والأخذ على عاتقه مسؤولية تحرير الكتاب في مجتمعاتنا العربية.

اقرأ أيضاً
الهاجس الأمني والكتاب
القراءة والكِتاب والنهضة

المساهمون