لا معرفة عربية بدون بنية تحتية

لا معرفة عربية بدون بنية تحتية

14 فبراير 2016
+ الخط -
تتسم المعرفة المنتجة في الوطن العربي، وخاصة منها في اللغة العربية، بضعف مرئيتها وبالتالي بتهميشها للمستخدم العربي أو العالمي. وحسب مدير قاعدة البيانات العربية الرقمية سامي الخزندار، فإن هناك 2830 مجلة علمية تصدر في المنطقة ونادرا ما نجد أكثر من عشرين مجلة في أي مكتبة جامعية عربية. فالمجلات الثمانية عشرة التي تصدر من الجزائر في العلوم الاجتماعية والإنسانية مثلا لا يمكن أن نجدها إلا في الجزائر. وهذا الإشكال يشمل أيضا الكتب، حيث إن وصول الكتب الى السوق العربية مسألة شاقة وتعيقها أجهزة الرقابة البيروقراطية والسياسية. اما إذا أردنا التحدث عن البحث بشكل عام، فقد لاحظنا أنه ليس هناك من إمكانية، حتى في بلد صغير مثل لبنان، أن يعرف باحث في جامعة ما في ما إذا كان زميله في جامعة أخرى يجري أبحاثا في الموضوع نفسه، أو أن هناك أطروحات الماجستير أو الدكتوراه متعلقة بالموضوع ذاته.

كل هذه المشاكل المذكورة ليس لها حل بدون وجود بنية تحتية للمعرفة العربية التي عادة ما يكون للدولة الدور الرائد في صناعتها. وإلا سوف تظل المعرفة العربية مهمشة دون بوابة شاملة عربية للبحث والنشر، أي ما يعادل بوابة العلوم "WoS" أو سكوبوس "Scopus" (اللذين يعطيان مؤشرات عن معاملات التأثير والاستشهاد) وما يشبه جيستور "JSTOR" (الذي يوثّق النصوص الكاملة للمقالات). وبالتالي فلا خلاص بدون إنشاء بوابات بحوث وطنية لكل بلد عربي وربطها معاً. وبالفعل بدأت بعض الدول بذلك، مثل الجزائر التي أقامت النظام الوطني للتوثيق www.sndl.cerist.dz، والذي أجبر الجامعات على تزويد هذا النظام بأطروحات الماجستير والدكتوراه وبإرسال "كاتالوغ" المكاتب الجامعية، وبذلك يسمح هذا النظام بالاطلاع على آلاف المقالات والكتب والمجلات المتخصصة وكذلك تحميل الوثائق الضرورية لأعمال البحث. لكن الطريق ما زال طويلا حيث ما يزال المحتوى متواضعا. ولا توجد الآن أي دولة أو منطقة جغرافية لم تهتم بذلك ما عدا المنطقة العربية. فعلى سبيل المثال قامت تايلاند بإنشاء مؤسسة التوثيق الوطني للبحوث التايلاندية "TNRR" والتي تجمع البيانات البحثية ونتائجها وتربطها مع الجهات الاقتصادية لجعل البحث الأكاديمي قابلاً للتطبيق تجاريا. وقد قامت تايلاند بربط التوثيق بأنظمة مماثلة لأربع دول في جنوب شرق آسيا.

تهدف مثل هذه القواعد إلى الحفاظ على دقة البيانات الواردة فيها وجعلها مرئية ونشرها إلى الجمهور عن طريق الإنترنت مجانا. ويمكن لمثل هذا النظام أن يشكل أولا، قاعدة بيانات بشقين: للمشاريع البحثية الممولة من قبل الدولة، أو الممولين المحليين والدوليين، وقاعدة أخرى حول الباحثين ونتائج بحوثهم. وثانيا، نظام وطني لإدارة البحوث بحيث يشكل نهجا منظما لإدارة ميزانية البحوث الشاملة للبلاد، مع وسيلة فعالة وموحدة للحد من التكرار والتمويل المزدوج. وبالتالي يمكن توفير أداة مركزية لحساب البحث والتنمية "R&D" ونسبه ومدى الاستثمار في البحث والابتكار المتاح في كل بلد عربي. ويسمح هذا النظام بالمساعدة على ترجمة البحوث المنجزة إلى وعي للعموم وإلى سياسات والاستفادة منها من قبل القطاعات الاقتصادية. بينما سيسمح توثيق المشاريع الجارية برصدها ومراقبتها.

وعلى الرغم من الأهمية القصوى لوجود ثلاث قواعد بيانات متعددة الحقول (قاعدة البيانات العربية الرقمية "معرفة" وقاعدة البيانات المنهل - كلاهما في الأردن - ودار المنظومة ـ-السعودية) والتي تشمل المواد الأكاديمية التي تغطّي النصوص الكاملة لجزء صغير من المجلات العلمية، وكذلك أطروحات الدكتوراه، إلا أن هذا غير كافٍ من حيث استيعاب الكم الأكاديمي الهائل المنتج عربيا ومن حيث القدرة على ولوج مستخدمي المعرفة لهذه القواعد.

فعلى سبيل المثال، يكلّف الاشتراك السنوي لإحدى هذه القواعد 17.000 دولار سنويا. وهنا تكمن الحاجة إلى ريادة مؤسسات وطنية ومناطقية (مثل المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، أو الجامعة العربية... وغيرها) لإنشاء تعاون مع القطاع الخاص، الذي أخذ المبادرة مشكورا، بحيث تصبح مرئية المعرفة العربية مشاريع وطنية مفتوحة للجميع مجانا أو بأسعار معقولة.

(أستاذ علم الاجتماع، الجامعة الأميركية في بيروت)

اقرأ أيضا
التعليم العالي والبحث: إشكالية اللغة

المساهمون