فنجان قهوة مع الروائية بسمة الخطيب

فنجان قهوة مع الروائية بسمة الخطيب

13 أكتوبر 2015
بسمة الخطيب
+ الخط -
قبل أن تغادر "العربي الجديد"، تتوقف زميلتنا الروائية بسمة الخطيب لترتشف معنا فنجان قهوة وتُحدثنا عن ألم الكتابة...

* في روايتك "برتقال مر" تحدثت عن الحياة وآلامها، كذلك طرحت مشاكل اجتماعية كثيرة تخص المرأة. إلا أن الأبرز كان عالم الطبخ الذي تمارسه النسوة في روايتك، لماذا جازفت بالحديث عن المطبخ والمرأة هنا رغم ما يكتنز الأمر من صور نمطية عن النساء؟

نعم تعمّدت المجازفة لأجل كسر الصورة النمطية لامرأة تطهو لأجل أن تملأ بطون الآخرين، فقد عرفت نساء فريدات كان الطهو عندهن بذاته فعل حبّ ونافذة حرية حُرمن منها وورثن هذا الحرمان جيلاً بعد آخر. وفي الرواية أحكي كيف أن تعليم الفتيات كان بنظر الناس جالباً للعار، فإن تعلمت البنت الكتابة فستكتب رسائل الغرام للرجال، وفي السياق نفسه كان المجتمع يوهمهن أنّ البيت والمطبخ تحديداً مصيرهن الأفضل والوحيد! وقد تأقلمن مع الأمر الواقع، لكن متمردات قليلات الحيلة أطلقن خيالهن ومشاعرهن وشغفهن بالبوح عبر المطبخ، حوّلن السجن إلى فضاء لا محدود. أردت أن أتكلم عن الطهو بصفته حيلة لجأت لها نساء كثيرات في السابق وتلجأ لها البطلة في الرواية لأجل بثّ حبها وشغفها والبوح بمشاعرها لشخص أحبّته سنوات طويلة من دون أن تتواصل معه وحين استعدّت للقائها به لم تجد كلمات قد تقولها بل نكهات وخلطات وحيلاً يمكنها أن تخبر قصتها من خلالها بطريقة أكثر بلاغة وحسيّة أيضاً.

* ذكرت سابقاً أن "العمل الإبداعي هو فعل مؤلم لا يقي التعاسة، عبودية نختارها بحرية"، لماذا هذه السوداوية؟
لم أبالغ في وصفي، حين اختبرت ألم الكتابة ومعاناتها عرفت أنها ليست قادرة على شفائي أو مصالحتي مع واقع أتصادم معه طوال الوقت، كما أن هذه العبارة ليوسا، وأنا نقلتها عنه بعدما تيقنت من صوابها، لو كانت الكتابة علاجاً لما انتحر الكثير من الكتاب والشعراء، ولو كانت تقدّم إجابات مطلقة لما كانت فنّاً. حين نكتب يدفعنا شغف الكتابة ولكن كلما نمضي ونتورط أكثر نكتشف أن للكتابة عالمها القاسي هي أيضاً، فهي تعاني وتتأزّم وتتصادم معنا، تعاندنا تارة وتوافقنا تارة، لكن الأمر ليس نزهة، إنه أحد أكبر التحديات التي يقرر الانسان مواجهتها شأن الفنون الأخرى.

*عملتِ في أدب الأطفال، في الصحافة وعلى كتابة السيناريو، كذلك لديك مجموعتان قصصيتان هما "دانتيل" و"شرفة بعيدة تنتظر".. فهل أنت في حيرة من أمرك؟

قد يكون الإنسان مفطورا على "البحث عن نفسه"، البعض يخاف خطورة هذا الأمر فيختار تناسيه ويقبل بما توفره له الصدف، والبعض يخوضه متقبلاً صعوباته وتحدياته. بالنسبة لي عرفت في سنّ صغيرة انني أريد أن أكون كاتبة، ليس فقط لأنّ الأدوات (الورقة والقلم والمكتبة المحشوة بالكتب) متوفرة في بيت أسرتي بل لأنني كنت أكتشف صبراً غير محدود في نفسي على الكتابة. كنت أحب الخياطة والرسم وتصميم الأزياء وتأليف الأغاني... كانت طاقتي كلها تتجه نحو الفنون، العمل مع الأطفال أتى بالمصادفة، باكراً اتجهت للاعتماد على نفسي اقتصادياً فدخلت دار المعلمين ودرست التربية الحضانية التي قادتني إلى الكتابة لمجلة "العربي الصغير" الكويتية ثم قناة الجزيرة للأطفال، وهناك مزجت شغفي بالدراما والحكايات مع الفنون البصرية فكتبت السيناريو، وفي البداية كتبت القصص القصيرة لأنني أردت اختبار رأي المحيطين بي، كما شغلني منذ زمن تحدّي الإيجاز، فالإيجاز تحد كبير، الأسهل أن نسترسل، ولكن هذا جعل النصّ في أزمة الترهل والإضجار والخواء أيضاً. اختبار أنواع مختلفة من الكتابة هو كاكتشاف طرق فرعية بديعة في طريق نحفره بأيدينا ونحن نمضي في الحياة، وهذه الفروع رفدت بعضها البعض، فالمعالجة الدرامية ساعدتني في حبك روايتي، وتحدي الإيجاز في القصص القصيرة أفادني في السيناريو، والكتابة للأطفال ساعدتني في ردم الهوة بيني وبين الطفلة التي كنتها، والتي أعتبرها اليوم شريكتي ومساندتي.

المساهمون