في يوم ميلاده... بين "تشي" و"الماجيكو" صورٌ شعبية واختلاف

في يوم ميلاده... بين "تشي" و"الماجيكو" صورٌ شعبية واختلاف

07 نوفمبر 2017
أبو تريكة محبوب الجماهير الأول (تويتر)
+ الخط -
دخل الثائر الأرجنتيني إرنستو تشي غيفارا قلوب ملايين الناس حول العالم بعد وفاته يوم 9 أكتوبر/تشرين الأول 1967، هذا الأمر تشكل تدريجياً من خلال ثقافة الصورة الخاصة به، والتي رغم استهلاكها حافظت على قيمتها بين الناس، ففي أحد الأفلام الوثائقية التي تناولت حياته، يُقال إن صورة "تشي" صُنعت عبر طريقة مدروسة ومنظمة، بطريقة فنية من أجل أن يكون لها هذا التأثير، وأن تدوم لأطول فترة ممكنة، فبحسب المؤرخ الكوبي كميل بوزو "أدرك تشي أهمية الصورة، وكان مهماً الحفاظ على اللحية والزي العسكري حتى بعد الثورة"، كما أن القائد العسكري كان يُرسل في طلب المصور ليبوريو كل أسبوع لكي يلتقط صوراً جديدة له.


لكن ما علاقة تشي غيفارا بكرة القدم؟ نعلم جميعاً أن صور الثائر الأرجنتيني رسخت في ذاكرة الجميع، حاله حال بعض الشخصيات الأخرى في العالم، مثلاً مواطنه دييغو أرماندو مارادونا، الذي يُمكن أن ترى صوره في الشوارع وعلى الجسور في بلاده وفي العاصمة بوينس آيرس وكذلك في شمالي إيطاليا بمدينة نابولي التي لعب لفريقها وحقق للجماهير هناك عدة ألقاب، وهذا الأمر تشكل بطريقة فطرية طبعاً بسبب الإنجازات والألقاب.

كل هذه المقدمة هي مدخلٌ للحديث عن شخصٍ آخر، هو محمد أبو تريكة. النجم المصري الذي يحتفل اليوم ببلوغه التاسعة والثلاثين من العمر، وهو الذي ولد في الجيزة يوم 7 نوفمبر 1978، من هناك بدأت قصة أخرى تختلف عما حصل مع غيفارا، لم يُصنع أبو تريكة بل هو من صنع إرثاً أثمر عشقاً في قلوب الجماهير.

حبيب الشعب
في معظم البلدان العربية من الصعب على أولئك الذين ولدوا في عائلات فقيرة ومتوسطة أن يبلغوا النجومية بسهولة، لم يكن أبو تريكة ذلك اللاعب الذي يتطلع لكيفية أن يصبح محبوب الجماهير، حين كان يسجل أي هدف تتبدل الأمور في المدرجات، حين يقترب من "الشعب" يبدأ صراع وصراخ المشاعر لمتابعة النجم الأول عبر العيون الحائرة، تريكة كان عفوياً في التصرف، أو لنقل أنه كان عاطفياً عن غير وعي، فأن تخرج من بين هذه الحشود وترى نفسك ترتفع، تختلف كثيراً عن رؤيتك للأمور من الأعلى دائماً، لذلك استطاع أن يكون واحداً منهم، الوقوف أمامهم يعني لهم الكثير.


التواضع والشكر
باتت طريقة الاحتفال في السجود داخل أرضية الملعب أمراً منتشراً في معظم أنحاء العالم، لا سيما لدى اللاعبين العرب في القارة الأوروبية، أما مع أبو تريكة فقد كان الوضع مختلفاً، فالبيئة التي جاء منها وطريقة العيش والعائلة لعبتا دوراً في جعل "السجود" عند التسجيل حالة خاصة، أبو تريكة بحركته هذه "العفوية" أيضاً، كان يكسب محبة أكبر من فئة أخرى، أي أن التواضع لله وشكره على ما كل ما حصل هو دليل على أن هذا الشخص رغم كل النجاح ما زال يجيد فن "التواضع" بما يحمله الأمر من وجدانية لبعضهم.


المبادئ أولاً
في زمن سيطرة القيم المادية قد يفضل الأشخاص أو اللاعبون عدم إظهار ميولهم السياسية أو الدينية لعدم خسارة فرص النجاح والتقدم أو حتى ابتعاد الفرق الأوروبية الساعية لضمهم، لكن أبو تريكة كان دائماً يصنع الحدث، ماذا يعني أن يتضامن لاعبٌ مع قضية معينة أو منطقة أو حتى شخصية ذات دلالة إسلامية.

في البداية سنبدأ بعبارة "نحن فداك يا رسول الله"، رسالة واضحة بعدما سجل هدفه في إحدى المباريات خلع القميص الأحمر، والذي كان يرتدي تحته قميصاً أبيض كُتب عليه باللون الأبيض، تلقائياً ستجذبك الصورة وستبحث عن سبب قيامه بهذه الحركة، يومها كان قد تعرض نبي الله محمد (ص) لحملة تشويه، فردّ أبو تريكة بهذه الطريقة، هذا الأمر أكسبه شعبية كبيرة ليس لأنه ساند قضية دينية، بل لإنه بالأصل عُرف بأخلاقه وتعلقه بهذه الشخصية التي تعرضت للتجريح.


نأتي إلى القضية الثانية، والتي كانت تضامنه مع غزة، حينها كان الاحتلال الصهيوني يقوم بحربه على قطاع غزة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبالرغم من الغضب الشعبي في البلدان العربية وتغطية الإعلام الكبيرة، استطاع أبو تريكة أن يوجه رسالة قوية للعالم بمنظور آخر كسر القواعد السائدة ونمطية الأسلوب المتبع، كلاعب كرة قدم يستطيع أن يتبنى أي موقف يرى فيه ظلماً، بل بإمكانه أن يؤثر على الرأي العالم ويكون مركز ضغطٍ، في تلك الليلة غطى وجهه بالقميص الأحمر، لن ندخل هنا في المشاعر التي انتابته، لكن ما حصل دلالة على أنه مهما "أُسكتت الأفواه سنبقى متضامنين مع غزة، وعليكم أنتم كذلك" بالطبع نعم فهو البطل!


الراسخ في العقول

قلنا إن صورة أبو تريكة لم تُصنع كما تشي، لأنه كان بالفعل حالة خاصة، فقد كان النجم المصري رقماً صعباً على كافة الصعد، على المستوى الفني في الملعب كان حاضراً، قائداً ذكياً وهدافاً في الوقت المناسب، لديه الكثير من الصور في أوقات الاحتفالات، لكن لماذا صورته أمام الصفاقسي التونسي في دوري أبطال أفريقيا كانت لها مكانة خاصة.

الجواب الأول الذي سيتبادر إلى ذهن أي شخصٍ "قيمة الهدف في الوقت القاتل وإهداء الأهلي اللقب"، هذا الأمر منطقياً صحيح بنسبة معينة، التاريخ في العادة يُسجل اسم المنتصر وهويته، الكثير من الأهداف سُجلت في نهائيات البطولات العالمية، لكن طريقة احتفال أولئك اللاعبين نُسيت، من يذكر كيف عبّر ماريو غوتزه عن فرحته بعد الهدف في شباك الأرجنتين بنهائي مونديال 2014؟ ومن يذكر كيف احتفل إيدير في نهائي يورو 2016 أمام فرنسا؟ ربما لا أحد! لكن مع أبو تريكة الوضع مختلف بكل ببساطة، الجواب في النقطة الأولى سأعود إليها، هو "حبيب الشعب".



المساهمون