السياسة تقتحم مدرجات الملاعب المغربية.. التيفو رسالة

السياسة تقتحم مدرجات الملاعب المغربية.. التيفو رسالة

27 ابريل 2020
جماهير الكرة المغربية توجه رسائلها عبر المدرجات (Getty/العربي الجديد)
+ الخط -
كانت الأولتراس الخاصة بالفرق المغربية في السابق تشتهر بالمناوشات فيما بينها، وحتى "التيفو" كان يواكب هذا التراشق. ولعل جماهير الرجاء والوداد أكثر من جسّد هذه الخاصية، وتحديداً في لقاءات الكلاسيكو بين قطبي الدار البيضاء والجيش الملكي.

وفي استعراض لأشهر "تيفوهات" سابقة على غرار "طال الانتظار" الذي استحضر من خلاله الوداديون قصة المباراة التي لم تنته مع الغريم، و"خماسية رمضان" في الديربي و"حب في الدار البيضاء" و"التنين والبطة"، تطورت هذه المرة صوب انتقاد الأولتراس للحكومات والبرلمان. ونلمس أيضاً رسائل انتقدت وزارة التعليم والبرلمان بعد اتخاذ بعض القرارات، وبالتالي وجدت السياسة طريقاً لتيفوهات الجماهير بشكل واضح.

ولأن كل أولتراس تعكس هوية ناديها وثقافة فريقها، وتجلى ذلك في بعض الاختلافات في المدرجات في تعبيرات متفاوتة، وكأن الأمر يتعلق بتيار معارضة يساري كما يترجمه جمهور و"كورفات" الرجاء وتيار معتدل لا يوجد أكثر من فصيل "وينرز" ليعكسه بجلاء.

فقبل سنوات، لم يكن أحد يتصور نقل وإسقاط رسمة ناجي العلي عن الطفل حنظلة وحكاية الجدار العازل لتترجم في صورة بالمدرجات، حتى أنجزها الرجاويون بعبارة "حتى النصر"، مستغلين لقاءهم مع هلال القدس في البطولة العربية، فكان هذا سبباً في بزوغ موال "رجاوي فلسطيني"، الذي فاقت شهرته الحدود، وتغنى به الملايين في ملاعب الكرة.

لو رجعنا إلى تيفو "الغرفة 10" الذي صنعته أولتراس "إيغلز"، نجد أنه أبعد ما يكون عن الحمولة السياسية، إلا أن الأجهزة الأمنية في المغرب رأت عكس ذلك، والدليل أنها حظرت على الفصيل في الديربي اللاحق القيام بـ"طلعته". ومقابل هذا، كان "وينرز" المساند للوداد، سبّاقاً في التعبير عن مواقف المغرب ووحدته الترابية، والانخراط في "تيفوهات" تناولت مباريات المنتخب المغربي لتمرير رسائل لمن يهمهم الأمر، بأن العلم المغربي لا يقبل المساس بقدسيته.

وبحسب مصدر أمني رفيع المستوى تحدث لـ"العربي الجديد"، أكد أن الرسائل السياسية طغت على مضامين التيفوهات في الفترة الأخيرة، وأجهزة الأمن يصعب عليها أحياناً تتبع كل التعبيرات المستوحاة من مضامين روايات وروائع قديمة لمؤلفين رومان وإغريق.

وأضاف المتحدث أنه حين يكون هناك تيفو بمضمون غامض ودلالات محيرة، وهذا محسوب على بعض الأولتراس، يكون التدخل إلزامياً للتقصي خلف تلك الرسائل، رغم الرواية الخاصة التي تعرضها الأولتراس في تفسيرها، في مرحلة لاحقة، محاولة التدليس على هذا التسييس، كما وصفه.

وتعكف أجهزة الشرطة الإلكترونية، ومعها وحدات خاصة، على دراسة هذه الظاهرة، بغية استباق تطويقها حتى لا يتحول الحراك من الشارع إلى المدرجات، وحتى لا يتوغل بعض المتطرفين بأفكارهم في الملاعب، لأن الاستثناء المغربي، يقول المتحدث الأمني، لم تهزه مؤثرات الفوضى بالشارع، فكيف له أن يتزلزل بشيء اسمه "التيفو".

"الماكانا" تلبس السواد
"الماكانا" هي معقل أولتراس الرجاء، بل هي المكان المقدس، وبلغة هذه الفصائل هي "الفيراج" الذي يضم المتعصبين والموالين والأكثر وفاءً في تعلقهم بثقافة الأولتراس، وبالإمكان أن يصل هذا الوفاء إلى حد من الهوس لا يتابع من خلاله رواد هذا الفضاء المباراة بالكامل، إما بإدارة ظهورهم للملعب، أو الهتاف قبل صافرة البداية إلى نهاية اللقاء.

قبل الديربي الأخير في الدوري المغربي، سُرِّبَت أخبار عن أن هناك تيفو تعمل عليه فصائل الرجاء بمضمون سياسي، وأكد آخرون أن فصائل الوداد توجهت بشكوى سابقة تحذر من مضمونه الذي قد يمسّ كيان الوداد.

وأمام هذه التقارير التي حذرت من تمرير تيفو سياسي في مباراة ذات بعد تسويقي، فتحت أجهزة أمن الدار البيضاء وخلايا وزارة الداخلية باب التفاوض مع أولتراس الرجاء، وطالبت بالتعرف إلى مضمونه، وذلك في إجراء استباقي وشرط من أجل السماح برفعه، ولا سيما أن "الوينرز"، الفصيل المساند للوداد، وافقوا على هذا الشرط وسمحوا به.

ولأن أولتراس الرجاء صنفت هذا الأمر تدخلاً سافراً، وفيه تعدٍّ على حرية الإبداع، ردت في بلاغها بقولها "إنه تدليس وتسييس" لا تقبله، فرفضت المقترح، لتردّ السلطات الأمنية بتعبئة واسعة، وقررت عدم السماح بـ"الطلعة"، وهو ما رد عليه أنصار الرجاء أيضاً بارتداء الزي الأسود الموحد حزناً على ما وصفوه بـ"اغتيال الإبداع". لكن الأجهزة الأمنية لم تُعِر هذا الأمر اهتماماً، وكان لها توجه آخر، هو "الوقاية خير من العلاج".

الأمن يراقب الوضع
أشهر الأمنيين لدى الجمهور المغربي في الملاعب هو محمد بوزفور، الذي احتك بالأولتراس زمناً طويلاً، في معرض حديثه عن الرسائل السياسية في الملاعب المغربية، أكد أن خطورتها تتجاوز مخاطر الشماريخ والتصدي لإدخالها للملاعب، لأنها مواد يمكن أن تخضع للتفتيش.

أما الرسائل السياسية التي تُرفَع بين الحين والآخر، والتيفوهات، فمسألة مركبة ومعقدة، كما يلخص بوزفور في تصريح له، قائلاً: "بكل تأكيد، هذا هو الواقع. نحن نواكب الطفرة النوعية التي تعيشها الأولتراس خلال آخر 10 سنوات. وبطبيعة الحال، كلما ابتكروا أساليب وطرقاً جديدة لإدخال بعض المواد المحظورة نردّ بالردع الذي يكفله لنا القانون وفق الضوابط المتاحة".

لكن بالنسبة إلى الرسائل التي تحمل في قطعة ثوب، يصعب التحكم بضبطها لسبب أو لآخر، وترفع في توقيت زمني لا يمكن توقعه وبما تتضمنه أحياناً من تمرير رسائل تتجاوز الانتقاد لخطاب بحمولة قدحية أو رسالة سياسية. هنا نعترف بأن العملية تحتاج فعلاً لدراسة مبتكرة، ولترسيخ ثقافة الوعي لدى بعض هذه الفصائل، كحل ناجع يلخص مبدأ "الوقاية خير من العلاج".

دلالات

المساهمون