ويا الرئيس وإيبوي "التعيس"

ويا الرئيس وإيبوي "التعيس"

05 يناير 2018
ويا قاد منتخب ليبيريا واليوم يقود شعبها (Getty)
+ الخط -
 

تابع الرياضيون في غضون أيام قليلة مضت خبرين متناقضين تماماً في المضمون، أولهما حول المعاناة التي يعيشها لاعب أرسنال الإنكليزي السابق، الإيفواري إيمانويل إيبوي بسبب الفقر والتشرد، والثاني تعلق بوصول النجم الليبيري السابق جورج ويا إلى سدة الحكم في بلاده؛ بفضل شعبيته وكثرة محبيه اللتين توفرتا له نتيجة تألقه في الملاعب العالمية.

في وقت زمني قصير شاهدنا وقرأنا؛ الإيفواري إيمانويل إيبوي يعيش ضياعاً وتشرداً وفقراً يهدد أنفاسه بكل ما تحمل الكلمة من معنى، خاصة أنه كان على وشك الانتحار، والليبيري جورج ويا بات رئيسا لشعب وقائدا لدولة صعد أعلى مراتب المجد، لكنّ ثمة قاسما مشتركا بينهما؛ كرة القدم، لأنها حددت مصيريهما وهنا يكمن السر؛ إذ صفق العالم لويا وبكى بحرقة على إيبوي، والأخير حظي من جمهور الكرة بكثير من التضامن، لكنه لن يضاهي ما وصل إليه الليبيري بما ناله من مجد.

ويا وإيبوي لاعبان أفريقيان سطعا في المسابقات الأوروبية وقدما الغالي والنفيس لكرة القدم، بل إن المسافة التي تبعد بين بلديهما لا تتجاوز 400 كيلومتر تقريبا؛ ومع ذلك فقد بدت الفوارق شاسعة للغاية، ليس لأنهما في عصرين مختلفين؛ فكل لمع نجمه في زمنه، لكن شتان بين هذا وذاك. الأول حقق المجد مع ميلان وتوج بالكرة الذهبية كأفضل لاعب في العالم، وكوّن شعبية واسعة بسبب كرة القدم؛ فهي أنقذته وساهمت في رفعته حتى بات أول لاعب يحظى بشرف أن يكون رئيسا لدولة.

أما الثاني لم يحالفه الحظ في أن يصعد منصات التتويج، فخسر مع أرسنال لقبا عظيما هو دوري أبطال أوروبا، ولكنه حظي بشعبية قوية بين مشجعي الفريق الإنكليزي وبين أبناء شعبه، وذلك لم يكن ليسعفه كثيرا، فضاع في غياهب الزمن حتى وصل به الحال لما هو عليه الآن؛ يرجو المساعدة ويهدد بالانتحار ويعيش حياة قاسية؛ إذن الفارق بينهما "الثراء والفقر" فقط.

كرة القدم ترفع نجوما وتقضي على مستقبل آخرين؛ هذه حقيقة تجسدت أمامنا مرارا وتكررت هنا؛ فأعلنت تضامنها مع جورج ويا تضامنا كاملا لا شية فيه، وتخلت عن إيبوي بشكل حزين رغم أنهما داعباها في ملاعب أوروبا كثيرا وعاشا نفس الأجواء المجنونة. لقد اختارت رئيسا من "جذور عائلتها" سبق أن عاش فقرا قبل مجده، حاله حال أغلب لاعبي الكرة في العالم، ورفضت آخر بعد اعتزاله، فظل وحيداً يعاني التهميش؛ وهو درس بليغ ورسالة واضحة المفاهيم لا تحتاج لشرح مفصّل.

جمعت الكرة بين اللاعبين، وهي التي تحكم أحكاماً لطالما انكوى كثيرون بها، وتسلق غيرهم سلم المجد كما حدث في حالتنا هذه، وهي اللعبة الشعبية الجارفة التي لم تعد مجرد رياضة فحسب، بل هي أموال وثروات وتجارة ونجومية وألقاب وتحديد مصير؛ إذا لا ينكر أحد أن اللعبة التي يشارك فيها 22 بشريا في ملعب صغير صارت وسيلة من الوسائل التي تستخدم بمختلف الاتجاهات، وباتت ورقة رابحة توظف على الصعيد السياسي أو الاجتماعي في كوننا الواسع.

درس قاسٍ آخر تقدمه اللعبة الشعبية للجميع، ولا سيما للاعبين العرب الذين يتألقون ويساهمون بالألقاب لفرقهم ومنتخبات بلادهم، بأن كرة القدم عالم مثالي للنجومية، لكنها في ذات الوقت تحتاج لأن تضع في حسبانهم مستقبلا ينتظرهم، فبعض اللاعبين العرب نجحوا في ذلك ووصلوا لهدفهم بعد الاعتزال؛ فهي سلاح ذو حدين لمن لا يحسن استخدامه.

يمتلئ وطننا العربي بحالات يعيش فيها لاعبون حياة البؤس والفقر والتسول، بعيدا عن الأضواء وفي غياهب النسيان، ولا يعلم حالهم إلا الله، فيتشكل ذلك المشهد المؤلم في حياة لاعبي كرة القدم؛ لأن المجد بسبب الكرة بات أمرا طبيعيا، لكنها لن تكون عادلة؛ فاحذروا..

دلالات

المساهمون