قصة صعود ميرتينز...من جناح بديل إلى أفضل مهاجمي "الكالتشيو"

قصة صعود ميرتينز... من مجرد جناح بديل إلى أفضل مهاجمي "الكالتشيو"

23 سبتمبر 2017
ميرتينز أحد أبرز نجوم نابولي حالياً (Getty)
+ الخط -

اشتهر الدوري الإيطالي على مر تاريخه بالمهاجمين الأفذاذ، على الرغم مما عرف عنه من قوة دفاعية وصلابة معهودة بالخط الخلفي، مع أسماء كبيرة بقيمة ماركو فان باستن، جورج وايا، الظاهرة رونالدو، كريستيان فييري، تريزيغيه، وآخرين. وتصدر كل من غونزالو إيغوايين وإيدين دجيكو قائمة الهدافين في الموسمين الأخيرين، ويعتبر هذا الأمر طبيعياً نظراً للقوة الجسمانية والحسم التهديفي لكلا النجمين.

لكن دخول البلجيكي دريس ميرتينز على الخط ومزاحمته الكبار على لقب الهداف كان أمراً مثيراً للدهشة والإعجاب في آن واحد، نظراً لأنه جناح صريح على الخط في الأساس، ويمتلك جسداً ضئيلاً مقارنة بهؤلاء العمالقة، في بطولة تميزت تاريخياً بأنها ليست لأصحاب القلوب الضعيفة.

مسيرة غريبة
بدأ دريس مسيرته الكروية في بلجيكا، وتدرج في أكثر من مركز للشبان، حتى التقطته العين الخبيرة في نادي جينت، وتم تصعيده سريعاً للفريق الأول في سن صغيرة، لكنه لم يلعب كثيراً مع الفريق الأول، لينتقل بين أكثر من نادٍ بين بلاده وهولندا، حتى استقر به الحال في نادي أغوف الهولندي. وحصل ميرتينز على الثقة سريعاً، ليسجل أهدافاً غزيرة ويتألق باستمرار على الرواق، حتى رحيله إلى أوتريخت ثم أيندهوفن، النادي الكبير في الدولة البرتقالية، قبل أن ينضم لصفوف نابولي في عام 2013، بتوصية من المدرب الإسباني رافائيل بينيتيز.

تصادفت انطلاقته مع صعود الجيل الذهبي لمنتخب بلجيكا قبل كأس العالم 2014، ورغم تمتع اللاعب بإمكانات فردية كبيرة، وتميزه على مستوى المهارة والسرعة، إلا أنه ظل حبيس الدكة مع الفريق الوطني، ولم يصل أبداً إلى دور الرجل الأول مع ناديه الإيطالي، نتيجة ضعف الجانب البدني وعدم اهتمامه بالشق الدفاعي. فنجم نابولي الحالي لم يكن يشترك أبداً في الصراعات من أجل الكرة، وعانى من سلبيات واضحة في الارتداد من دون الكرة، ليجلس على الدكة مع منتخب بلاده، ويلعب كيفين ميراليس بدلاً منه في الخانة الأساسية.

حتى بعد قدومه إلى إيطاليا بطلب من بينيتيز، قدم ميرتينز أداء متباياًن بالكالتشيو، ليلعب أكثر على الخط الجانبي كجناح مقلوب في خطة 4-2-3-1. يبدأ البلجيكي المباراة على اليسار، يستلم الكرات ويمر من المدافعين مستخدماً سرعته، مع دخوله إلى العمق من أجل التسديد أو التمرير، مجرد مسيرة عادية مثله مثل أي لاعب آخر، حتى تغير كل شيء مع تولي ماوريسيو ساري قيادة فرسان السان باولو، وتحولت حياة اللاعب إلى مسار آخر مختلف تماماً، وغير متوقع أبداً.

مهاجم حقيقي
"أعرف جيداً الأسباب التي جعلت الناس يطلقون على مركزي اسم المهاجم الوهمي، فأنا قصير وضعيف البنية، طولي 169 سم فقط ولا أتمتع بجسم قوي مثل بقية الهدافين في إيطاليا، لكن كرة القدم تغيرت بالسنوات الأخيرة، وساري نفسه يقوم بعمل جديد نوعا ما، لذلك أنا مهاجم صريح رقم 9 وليس وهمياً أو مزوراً، لأنني أسجل أهدافاً بمعدل شبه مستمر مع فريقي". يقول دريس عن نفسه إنه لم يولد كمهاجم مثل مايكل أوين، أحد أشهر هدافي الكرة الإنكليزية، وشعر بالغربة بعض الشيء في البداية، خصوصاً أنه لعب طوال مسيرته كجناح، لكنه تكيف مع المهام الجديدة بالتدريج، وأصبحت المراكز مجرد أرقام بالنسبة له، 9 مثل 14 والعكس صحيح.

منذ فترة وجوده بإيطاليا، امتاز ميرتينز بتسجيل الأهداف، لدرجة أنه سجل 45 هدفاً في 88 مباراة مع أيندهوفن، نتيجة ميله المستمر إلى الوجود داخل منطقة الجزاء، وعدم حبه للواجبات الدفاعية والارتداد للخلف. ولعبت هذه الملاحظة دوراً محورياً في وضعه كمهاجم صريح مع نابولي بعد إصابة البولندي ميليك، لأن ساري وجد فيه نموذجاً مجسماً لما يريد تنفيذه داخل الملعب، فالقوة البدنية ليست مطلباً للمدير الفني بقدر الناحية التقنية والمهارية، مع الأخذ في الاعتبار ترجمة الفرص إلى أهداف، لأن هذه المهمة بمثابة الرقم 1 لأي رأس حربة من وجهة نظر الصحافة والجماهير.

تحرر ميرتينز مع ساري من الواجبات الدفاعية، قام البلجيكي بعمل 14 عرقلة مشروعة في 35 مباراة بالموسم الماضي محلياً، مع مشاركته في 3 ألعاب هوائية فقط، لكنه في المقابل زاد من مهاراة المراوغة والتمرير، وأتقن التسديد على المرمى من مختلف الزوايا، بدقة تنفيذ وصلت إلى 60 % بالموسم الماضي، و79 % خلال 5 مباريات هذا الموسم، فاللاعب سدد على المرمى 14 كرة مؤخراً، سجل 6 وأضاع فقط 8 في معدل يدل على النجاعة والحسم بالثلث الهجومي الأخير.

الدور التكتيكي
من الصعب وصف ميرتينز بالمهاجم الوهمي، لأنه لا يعود فقط إلى المنتصف من أجل جعل المدافعين بدون مهمة، وإفساح الطريق أمام القادمين من الخلف كما جرت العادة، رفقة الربط المستمر مع لاعبي الأجنحة والأطراف. صحيح أن البلجيكي يفعل كل هذه الأمور، ويتحرك إلى الخلف في بعض الأحيان، لجعل كاليخون أو هامسيك في وضعيات أفضل أمام المرمى، بالإضافة للتمرير المتواصل مع إينسينيي، لكنه أيضاً يقوم بكافة صفات المهاجم الصريح، من خلال الوجود داخل منطقة الجزاء، ومزاحمة المدافعين على الكرات أمام المرمى، وخلق الفراغ اللازم لنفسه من أجل استلام التمريرات البينية والكرات القطرية على بعد أمتار من المرمى.

في مباراة نابولي ولاتسيو بالملعب الأوليمبي، سجل اللاعب هدفه من خارج منطقة الجزاء بعد استغلال تقدم الحارس، لكنه تمركز في معظم فترات اللقاء كمهاجم رئيسي بحت، يتحرك في القنوات الشاغرة بين المدافعين، وينتظر الكرات من هامسيك وإنسيني وجورجينيو، مع تموضعه بطريقة تجعل الطريق سهلاً أمام زميله كاليخون. فساري يطبق أكثر من فكرة لضرب دفاعات الخصم، إما بالتمريرات الكثيرة لخلق فراغ خلف خطوط الضغط، أو بنقل اللعب مباشرة من طرف إلى آخر، بحثاً عن اللاعب الحر البعيد عن الرقابة، لذلك يصب هذا العمل بالنهاية في اتجاه كل من ميرتينز وكاليخون، لكن البلجيكي يسجل أكثر لأنه أكثر نجاعة أمام المرمى، ويعرف بمهاجم المركز 9 وفق تكتيك فريق الجنوب.

يمتاز ميرتينز بقدرات تجعله قادراً على إيصال زملائه إلى المرمى، وبالتالي فإنه يصنع الفرص والأهداف لكل من إينسينيي وكاليخون، مع عودته إلى خط الوسط لتبادل المراكز مع هامسيك. ويقوم أيضاً بدور محوري في طريقة البناء من الخلف، التي وصلت إلى أبعاد أخرى مع نابولي، لأن المدرب يعتمد على خليط من التمريرات العرضية والقطرية والعمودية، أملاً في الصعود بالكرة إلى نصف ملعب المنافسين، عن طريق لعب أكثر من تمريرة سهلة، ثم أخرى مباشرة للأمام. إنه واحد من هؤلاء الذين ينتظرون التمريرة العمودية، حتى يعيدها إلى زميله بالخلف، قبل أن يتم تمريرها من جديد إلى لاعب آخر بالأمام، أي أنه يساهم بطريقة مباشرة في تشتيت انتباه مدافعي الخصم وإجباره على ترك الفراغ المنشود بالنهاية.

سطوة العمق
ينطلق لاعب الجناح في الملعب باتجاهات أقل من لاعب الوسط المركزي، لأنه يتحرك في الأمام والخلف وعلى طرف واحد، لأنه محاصر بالخط الجانبي في النهاية، عكس لاعب المنتصف الصريح الذي يتحرك في كل اتجاهات الملعب، يميناً ويساراً، للخلف وإلى الأمام، لذلك يمتاز لاعب الجناح بمهارات كبيرة وقدرة واضحة على التعامل مع الكرة في أضيق المساحات. حينما تسنح له الفرصة ويلعب بالمنتصف خلف الهجوم، يكون في وضعية مريحة لإحراز الأهداف وصناعتها، من هنا تضاعفت أدوار كل من أوزيل وسيلفا وماتا وغيرهم، عندما تحولوا من مركز الجناح إلى صانع اللعب الحديث رقم 10.

الخط الجانبي للملعب هو أقوى مدافع، لأنك إذا تجاوزته سيوقف الحكم اللعب ويأمر المنافس بلعب رمية تماس، ولأن دريس ميرتينز جناح من الأساس، فإنه حفظ أبجديات مركزه الأصلي بسهولة، من خلال تحكمه بالكرة وهزيمته للمدافع في أضيق فراغ ممكن، وبعد دخوله إلى العمق تحت قيادة ساري كرأس حربة، أصبحت الطرق متاحة أمامه للتحرك في كافة الاتجاهات، وكانت النتيجة مثالية في النهاية، بحصوله على المركز الثاني في سباق الهدافين بالموسم الماضي، ومطاردته للأرجنتيني ديبالا خلال الفترة الحالية.

لم يتوقع دريس أبداً أن يتطور بهذا الشكل في مركز المهاجم، لكن هذا ما حدث في نابولي، فإصابة ميليك جعلته لاعباً أساسياً في مركز غير معتاد، ونصائح ماورسيو وضعته بعد ذلك على الطريق الصحيح، ليصبح الهداف الأول للفريق وأحد أفضل المهاجمين في أوروبا بالأرقام والإحصاءات والمستوى الفني داخل الملعب، فالبلجيكي لا يتفوق فقط بالتسجيل، بل أيضاً في التمركز والتحرك والعمل الجماعي.

المساهمون