فالفيردي...مصور حالم يعشق لعبة الضغط ويبحث فقط عن الفوز

فالفيردي...مصور حالم يعشق لعبة الضغط ويبحث فقط عن الفوز

31 مايو 2017
فالفيردي يبدأ رحلة جديدة مع برشلونة (Getty)
+ الخط -

أن تقترب من تدريب برشلونة ثم يتم استبعادك في اللحظات الأخيرة، ثم يعود اسمك للظهور مرة أخرى بترشيح شخصي من معشوق الكتلان بيب غوارديولا، قبل أن تبتعد من جديد يأتيك من أبعدوك عن قصد ودونه، ويطالبونك أن تكون الرجل الأول في كامب نو، لكنك أنت من يرفض هذه المرة، لتمر الأيام وتمضي السنوات وتأتي الفرصة على طبق من ذهب هذه المرة، وكأن قصة فالفيردي مع برشلونة أقرب إلى بداية أشهر مقولات غاندي ونهايتها، في البداية يتجاهلونك، ثم تنتصر!

ظهر اسم فالفيردي لأول مرة في مكاتب برشلونة بعد رحيل فرانك ريكارد، بالتحديد نهاية موسم 2007-2008، وقتها كان يتولى إرنستو تدريب إسبانيول، وللمصادفة فقد قاد هذا الرجل، الابن العاق، في كاتلونيا لإضاعة الليغا على برشلونة في موسم 2006-2007، حينما تعادل راؤول تامودو في الدقيقة الأخيرة ليذهب اللقب إلى مدريد كابيلو، ويفقده الكامب نو في لحظة درامية صعبة على العشاق القدامى.

خطف بيب المنصب، في اللحظات الأخيرة، بعد منافسة شرسة مع مورينيو، بدعم كلي من الأب الروحي يوهان كرويف، وبعد إعلان الفيلسوف رحيله عن برشلونة في 2012، رشح كلا من تيتو فيلانوفا وإرنستو فالفيردي لخلافته وفق ما أكده الصحافي المختص بالليغا سيد لو.

وكما حصل غوارديولا على المنصب قبل فالفيردي، كرر تيتو اللعبة من جديد ليقود البارسا لمدة عام واحد قبل مرضه وموته، ليعود اسم "النملة" إلى الظهور من جديد، وللعلم فإن هذه الكلمة هي لقب فالفيردي في الأوساط الإسبانية، وقد أطلقه عليه المدرب السابق خافيير كليمنتي حينما دربه في أواخر الثمانينات، بسبب صغر حجمه وقوته في الاحتكاك وافتكاك الكرات.

إرنستو هو من رفض برشلونة هذه المرة، ليقرر الاستمرار مع أتليتك بلباو ويفي بعقده وكلمته مع أسود الباسك، ليحصل لويس إنريكي على الفرصة ويقود الفريق إلى 9 بطولات من أصل 13، حتى يقرر هو الآخر الراحة ويجعل لهذه الحكاية الأقرب إلى القصص والروايات نهاية سعيدة، على الأقل حتى إشعار آخر.

عاشق الصور
الصورة الآن غير واضحة، لكن يجب أن تركز جيداً حتى تظهر بصورة مميزة، في المؤتمر الصحافي الأول له كمدرب لفالنسيا، اتجه فالفيردي لشغفه الكبير بوضع بعض التعديلات على صورة فريقه الجديد. وفي مركزه السابق مع أولمبياكوس، استطاع جمع الكرة بالكاميرا ليُخرج صورة بديعة على أرض الإغريق. من ذلك المكان، حقق ثلاثة ألقاب، دوري يوناني، مع بطولتي كأس، وكتاب له اسمه "بين الشوطين".

كانت مقدمته كالتالي، "هذه صور تريك عالماً ليس وطناً أو منزلاً أو بلداً، بمساحات كفنادق، مطارات، حافلات، ملاعب، أماكن سياحية، بالمجمل أماكن وحيدة يشعر فيها الشخص بالوحدة، إنها العزلة التي تبدو على وجه معظم الناس الموجودين في هذه الصور"، من كتابة صديقه الكاتب والفيلسوف الباسكي برناردو أتشاغا.

في حديث له مع موقع "بانينكا" الإسباني، ذهب فالفيردي لشرح فلسفته الخاصة التي تمزج كرة القدم بفن التصوير قائلاً، هناك فارق بين الكرة والتصوير، ولكن في النهاية تصبح دائماً فاعلاً. عندما كنت لاعباً كنت تعمل بشكل دائم في هذا المجال، الحركة والركض دون تفكير في بعض الأوقات، وبعد أن أصبحت مدرباً، تغيرت الأمور بعض الشيء لتبدأ في التساؤل لماذا وكيف تعمل الأشياء.

المدرب يرصد، يلاحظ ويعمل، بينما في التصوير كنت تقريباً مثل المتفرج الذي يبحث باستمرار عن المعرفة، الأكثر إثارة للاهتمام بالنسبة لك، أي أن عالم التصوير جعلني أتعلم وكأنني عدت إلى مرحلة الطفولة.

عندما كنت لاعب كرة قدم كان لدي بعض الخصائص، والكلام لإرنستو، وكان لا بد من استغلالها. الآن، كمدرب، أحاول أيضاً أن يلعب فريقي وفق الطريقة التي أريدها. الوضع مختلف للمصور، من اللحظة التي أخذت فيها الصورة، فإنها بالفعل خلاقة ومبتكرة وجديدة، أما في كرة القدم فإن الفوز هو الأساس. لا أريد أن أتحدث عن الخطابة، عن الإبداع. في النهاية، نعم، نعم، الإبداع أمر رائع ومطلوب، لكن عليك أن تفوز. الأرقام موجودة، ولكن بعد ذلك يختار كل شخص طريقه لمحاولة الانتصار.

DNA بالاسم
كتب الصحافي المقرب من البيت الكاتلوني غراهام هانتر تحليلاً عن إرنستو فالفيردي، ووصفه بأنه واحد من تلاميذ يوهان كرويف، لكنه لا يتبع فكره الكروي بنسبة 100%، فمدرب بلباو السابق ليس من هواة الاستحواذ على طول الخط، ويلجأ أكثر إلى الضغط العالي واللعب العمودي المباشر، معتمداً على أقل عدد من اللمسات من أجل الوصول إلى مرمى الخصوم.

يقول إرنستو في حواره الشيق مع "بانينكا" إن كرويف مدرب متطلب للغاية، يطلب أشياء عديدة ولا يتوقف عن الحديث مع لاعبيه، لقد كان رجلاً صعب المراس في التدريبات، لا يقبل أبداً بأي تمريرة خاطئة من لاعبيه. يستعيد المدرب ذكرياته في برشلونة كلاعب ليؤكد أنه كان يقع في تمرينة "الروندو" ولا يقدر على قطع الكرة، كلما كان خصومه لاودرب وتشيكي وأوزيبيو، لأن يوهان أثر بالإيجاب في كل تلاميذه، وجعلهم أفضل بالكرة ومن دونها.

ينقل هانتر عن فالفيردي إحدى مقولاته المهمة،"متعة اللاعب على أرض الملعب بالتغلب على التحديات ومعالجة الشدائد، وليس لعب الكرة بين أقدام الخصوم. لاعب كرة قدم يريد أن يشعر بالراحة مع ما طلب منه القيام به، لا يعني ذلك التلاعب بالكرة دون فائدة، ولكن فهم الأسلوب الذي يريده مدربه، والطريقة التي يجب أن يلعب بها الفريق ككل وكمجموعة في النهاية".

وبترجمة هذه الكلمات على برشلونة، يبقى السؤال الأهم الذي يطرحه غراهان وأقرانه، كيف سيتفاهم فالفيردي مع لاعب مثل نيمار، وهل سينجح الرجل في ضبط غرفة ملابس برشلونة والتعامل مع النجوم الكبار؟ فإرنستو درب عدة فرق في أكثر من مكان، لكن البارسا بمثابة أول تجربة فعلية مع الفرق العملاقة، وبالتالي لن تكون الأمور وردية كالسابق، ربما ستحدث صدامات وخلافات واختلاف في وجهات النظر، ليبقى هذا التحدي هو الأهم في المرحلة الأولى للمدير الفني في كامب نو.

التيكي تاكا ليست أساس إرنستو، بل القوة والشغف الشديد، إنه يريد من فريقه السيطرة والجرأة وهزيمة المنافس بالضربة القاضية. في بلباو على سبيل المثال، كان يلعب بالثنائي غارسيا وأدوريث في الهجوم، لذلك لجأ للكرات الطولية والضغط المرتفع في نصف ملعب الخصم، حتى يقطع الكرة ويصل إلى الشباك بأسرع طريقة ممكنة.

مرونة خططية
ينقل الكاتب سيد لو في تحليله في صحيفة "ذا غارديان" البريطانية تصريحات بعض الأشخاص الذين عملوا مع فالفيردي، ومن بينهم ألباكسي خافي غونزاليس، ليقول عنه بأنه شخص لا يتحدث كثيراً، لكنه قوي في عملية التحفيز، ولن يهاب النجوم الكبار في برشلونة، لدرجة إجلاس نيمار على الدكة إذا انخفض مستوى البرازيلي، والحديث مع ميسي من أجل لعبه في مركز آخر إذا كان ذلك في مصلحة التكتيك، وبالتالي وفق توقعات لاعبيه السابقين فإن إرنستو لن يجد صعوبة في التعامل مع النجوم.

وفي الشق التكتيكي، يركز فالفيردي على خطتي 4-2-3-1 و4-4-2 في معظم مشواره، ليعتمد على ثنائي محوري في منطقة المحور، مع ثلاثي هجومي صريح خلف المهاجم المتقدم. وفي حالة عدم وجود صانع لعب حقيقي في المركز 10، فإن المدرب يدفع بثنائي هجومي صريح في الأمام، أملاً في الضغط القوي وتضييق الخناق على دفاعات الخصوم، لكنه رجل مرن إلى حد ما، ولا يمانع في تجربة خطط جديدة لتناسب إمكانات لاعبيه وقدراتهم الفردية.

مع فالنسيا على سبيل المثال في موسم 2012-2013، لعب فالفيردي بخطة 4-3-3 بتواجد ثلاثي صريح بالمنتصف مع ثلاثي آخر بالهجوم، لذلك من الصعب توقع طريقة لعبه رفقة برشلونة، لكن ليس من المنطقي الحديث عن 4-2-3-1 أو أي خطة أخرى، لأن كل شيء سيتوقف على الصفقات القادمة، بالإضافة إلى الوافدين والراحلين.

ويركز "الكوتش" في تكتيكه على الجمع بين الضغط المرتفع والمتوسط، من خلال تضييق المساحة بين دفاعه وهجومه، ومحاولة خنق الخصم في نصف ملعبه، بغلق زوايا التمرير أمام حامل الكرة، وترك منفذ واحد أمامه تجاه الأطراف، وبمجرد تمرير الكرة إلى الخط الجانبي، ينطلق فريق فالفيردي ككتلة واحدة من أجل قطع الهجمة وتنفيذ المرتدة السريعة.

فالفيردي مدرب جيد تكتيكياً، يركز على الجانب الفني والعمل بالكرة، لكنه ليس معقداً ومهووساً بالتفاصيل مثل غوارديولا. وترتفع أسهمه عندما يتعلق الأمر بالناشئين، لأنه يعطي الفرصة للصغار في مختلف الفرق التي تولى تدريبها، مع التأكيد أن نادي مثل بلباو لا يتعاقد مع لاعبين من خارج الباسك، بينما يختلف الأمر في برشلونة الذي لا يجد مشكلة في ذلك، مع وجود عامل مشترك وحيد بين الناديين، خاص بأكاديميات الشبان وعلى رأسها مدرسة لاماسيا الشهيرة في كاتلونيا.

في حضرة الشك
يجب التأكيد على أفضلية فالفيردي تكتيكياً مقارنة بإنريكي، مع تمتعه بخبرة أكبر على مستوى التدريب، لكنه لم يحصل أبداً على فرصة قيادة فريق أسطوري بحجم برشلونة، لذلك ستكون الضغوط أكبر عليه، خصوصاً أنه لم يكن نجماً كلاعب مثل غوارديولا وإنريكي وريكارد، وبالتالي يخاف بعضهم من تكرار سيناريو تاتا مارتينو، حينما جاء من أميركا اللاتينية إلى أوروبا، وفشل في تحمل الضغوطات ليرحل بعد موسم واحد.

يعاني أيضاً الفريق الحالي لبرشلونة من ضعف الأفكار الخططية، وارتفاع سن بعض الأعمدة الرئيسية كإنيستا، مع عدم وجود أسماء قوية في مركزي الظهير الأيمن ولاعب الارتكاز المساند، أي أماكن داني ألفيش وتشافي هيرنانديز، ليعتمد الفريق بشكل أساسي على مهارات ثلاثي الهجوم، دون أي اهتمام بخط الوسط. ونتيجة لهذه المقدمات المهمة، يحتاج زعيم كاتلونيا إلى مدرب "ثوري" يبدأ من الجذور، ويصنع جيلاً جديداً يساند ميسي ونيمار. شيء قريب مما فعله غوارديولا في أول موسم له مع البلاوغرانا.

إرنستو ليس لديه خبرات كبيرة في الميركاتو، وفي آخر تجربة له مع بلباو، عمل مستفيداً من تجربة مارسيلو بييلسا، لكن في برشلونة لم يترك إنريكي إرثاً حقيقياً، لتصبح الأمور أصعب وأكثر تعقيداً، ومع تطلعات الجماهير وأحلامهم التي لا تتوقف، فإن المهمة لن تكون سهلة على الرجل القادم من الباسك.

برشلونة حالياً يحتاج لمدرب راديكالي، يضيف الجديد تكتيكياً، لأن الفريق أصبح محفوظاً حتى وهو يحقق بطولات. مدرب يفاجئ الكل بشيء مختلف، يجبر الكبار قبل الصغار على التعلم، يهتم بأدق أدق التفاصيل، حتى يبني أسلوباً تكتيكياً محكماً، هذا ما ينقص البارسا حالياً، لأن هذا النادي له تقاليده الخاصة التي تهتم بطريقة الفوز قبل الفوز نفسه. في النهاية، فالفيردي ليس سيئاً، بالعكس فهو مدرب مميز ومجتهد وله تجاربه، لكن الشكوك مشروعة وقوية حول تكيفه وتحمله ومواجهته التعقيد المنتظر، وتبقى الأيام فقط هي الحكم النهائي لهذه التجربة

المساهمون