(كتاب ساكي 12).. بداية المشوار مع إيطاليا

(كتاب ساكي 12).. بداية المشوار مع إيطاليا

03 يناير 2017
ساكي وبداية رحلته إلى منتخب إيطاليا (Getty)
+ الخط -

ينشر موقع "العربي الجديد" حلقات مترجمة من كتاب "أريغو ساكي.. كالتشيو توتالي"، تتناول حياة أسطورة التدريب، والذي لم يلعب الكرة بشكل احترافي خلال مسيرته، ونجح في قيادة العديد من الفرق إلى القمة في فترة الثمانينيات، في ما يلي الحلقة الثانية عشرة:

- ساكي.. إذا قررت الذهاب ليوفنتوس ستكون صدمة كبيرة

- سأتعاقد مع المنتخب.. لا تقلق. أحتاج لترك كل شيء لمدة عام وانتظار مشاركة المنتخب في اليورو. كما سبق وقلت أحتاج لعطلة مدتها عام.

لم يثق برلسكوني كثيرا في كلامي. كان يعرف أن لوكا كورديرو دي مونتيزيمولو يتساءل إذا ما كنت حقا سأتوقف عن العمل لمدة عام في الوقت الذي كان ريال مدريد أيضا يسعى خلف التعاقد معي. كان رئيس النادي رامون ميندوزا قد بدأ بالفعل في التواصل معي.

أتذكر أن برلسكوني قال لي حينها "إذا ما كنت ستذهب لريال مدريد، سأقدم لك هدية جميلة وسأعطيك لاعبا تختاره أيا كان". كان واضحا أنه يخشى أن أوقع ليوفنتوس، خصم الميلان التاريخي.

لم يكتف ميندوزا بالتواصل معي عبر الوسطاء وجاء إلى ميلانو لمحاولة الاتفاق معي. اجتمعنا في أحد مطاعم البيتزا وعرض علي راتبا سنويا تبلغ قيمته ضعف ما كنت أتقاضاه في الميلان وثلاثة أضعاف ما كنت سأحصل عليه في المنتخب ودار بيننا الحوار التالي:

- ولكن هل وقعت على شيء بالفعل؟

- لا.. أعطيتهم فقط كلمتي.

- حسنا هذا أمر جيد.. وقع معنا. لست ملزما بشيء.

-هذا ليس صحيحا. كلمتي بألف عقد.

كتب الإعلام مئات المقالات حول انتقالي من ميلان للمنتخب. تحدثوا عن خلافات مع الإدارة بل وبرلسكوني نفسه وأن اللاعبين لم يعودا قادرين على تحمل عبء التدريبات الثقيلة وفترات الإعداد الخانقة ومزاجي الحاد وصراخي.

ردي على كل هذه الأمور هو أن شخصا غبيا وحده هو من يقرر التخلي عن عقود بالملايين وفريق عظيم وعمل يحبه لأنه هناك خلافات تجمعه بشخص ما. من لا يفهم هذه النقطة إما هو جاهل أو سطحي، لهذا أكررها مرة أخرى: برلسكوني لم يدفعني نحو قيادة المنتخب. أنا من ذهبت نحوه.

كنت أراه كمغامرتي الكبرى. التحدي الأخير الذي يجب عليّ مواجهته عقب الفوز بالكثير والكثير من الأشياء. حينما عدت لمنزلي لم يتوقف عقلي عن التفكير. كنت أفكر في تدريبات جديدة وبدأت في مشاهدة مباريات للمنتخبات لدراسة طريقة لعبها. دونت الكثير من الملحوظات عليها. كنت أرسم الخطط على أوراقي وأحاول ابتكار مراكز وطرقاً جديدة. المنتخب هو المكان المثالي لتلبية حاجتي الطبيعية لاستمرار التدريب والابتعاد عن الضغط اليومي الموجود في الأندية.

قبل الميعاد
كانت بدايتي مع المنتخب قبل الميعاد. لم أحصل على عام العطلة الذي كنت أرغب فيه بعدما فشل المنتخب في التأهل ليورو السويد 1992. فتحت إقالة أزيليو فيشيني أبواب المنتخب أمامي على مصراعيها.

كنت سعيدا من جانب لأنني سأبدأ المغامرة التي كنت أرغب فيها منذ ذلك اليوم الذي هربت فيه من عائلتي وأنا طفل، ولكن من ناحية أخرى كنت أشعر بالقلق لأنني لم أحصل على راحتي المنشودة.

بعدما أصبحت مسألة توقيعي للمنتخب أكيدة، أهداني برلسكوني بكرمه المعهود اثنتين من سياراته. بعدها بعدة أيام التقيت بمونتيزيمولو وشكرته فسألني مندهشا عن السبب لأنه كان يعرف أنه لم يفعل شيئا من أجلي فأجبته "محادثاتك مع برلسكوني جعلتني أستمر في الحصول على راتبي حتى توقيعي للمنتخب".

كنت أرى المنتخب كواحد من أجمل المستجدات في حياتي فهو يتيح لك فرصة تدريب كيان عظيم دون ضغط الأندية اليومي ويمنحك فرصة الاختيار بين قائمة كبيرة من اللاعبين. كانت أمامي دوافع فنية جديدة وفرصة للعمل دون إرهاق أعصابي لإدخال فكرتي حول كرة القدم لمجال جديد.

وجدت في المنتخب وقتا أطول لإعداد الفريق الذي كنت أرغب فيه. كانت أمامي أربع سنوات تقريبا لصقل المنتخب كما أريد والوصول لمونديال 1994 بالطريقة التي أتمناها، ولكن بمرور الوقت أدركت أنني مدرب وهمي لفريق وهمي. يمكنني القول بأنني كنت أشبه بخصي داخل بيت من النساء الجميلات، بمعنى آخر كان لدي كل شيء ولكن بدأت أفتقد العمل اليومي. في المنتخب عليك أن تتحلى بصبر كبير.

لم أعد مديرا فنيا بل مدرب منتخب. كما يقول البعض: في المنتخب لا يوجد تدريب بل تعامل مع الوقت من أجل إنشاء طريقة لعب. كان أول ما قمت به لتحقيق هذا الغرض هو إنشاء فريق العمل والذي كان مكونا من بييترو كارميناني مساعدي في بارما وفينشينزو بينكوليني المعد البدني الذي صاحبني دائما و"ذراعي الأيمن" ناتالي بيانكيدي وأيضا كارلو أنشيلوتي الذي كان المدرب الثاني في مونديال الولايات المتحدة.

كانت اللقاءات الأولى في الحقيقة بمثابة حصص تعليمية. أساليبي لم تكن مألوفة في المنتخب: فصول تكتيكية فنية واختبارات نفسية بدنية وتدريبات موجهة ترتبط بالعمل الذهني والمجهود البدني.

أتذكر أن جيجي ريفا الذي كان يعمل أيضا للمنتخب قال للصحافيين "لم أشاهد أبدا هذا الربط في التدريبات بين العمل الذهني والمجهود البدني بكل هذا التناسق. حينما كنت لاعبا كنا ننتظر خطأ الخصم من أجل اللعب بالمرتدات. أعتقد أن ما قدمه ساكي أثرى كثيرا كرة القدم الشاملة".

أتذكر أننا قمنا بتسجيل شريط فيديو لمحاولة شرح أساليب التدريب الجديدة والتكتيكات المبتكرة وكيفية الركض بدون كرة ولتفسير الخطط المختلفة. جلبت أسلوب عمل جديداً للمنتخب والاتحاد الإيطالي، ولكن من ضمن أكبر المشكلات التي اكتشفتها في العمل كمدرب للمنتخب أنك لا تعاني من توتر كبير ولكنك في نفس الوقت لا يتاح لك الوقت الكافي للتعرف على اللاعبين كبشر وللتحدث معهم، هذا بخلاف أن الفترات الزمنية بين كل استدعاء والذي يليه كانت تصعب عملية نقل أفكاري الكروية الهجومية المتعلقة بالاستحواذ واللعب الشامل.

كان أسلوب عملي يشتمل على أوقات تكون الحركة فيه هي الخطة. كان هناك تغير دائم؛ قد تبدأ المباراة بخطة 4-4-2 ولكن في مرحلة عدم الاستحواذ على الكرة نحول الأمر إلى 4-3-1-2 أو 3-4-1-2. كنت أعمل على بناء الفريق ارتكازا على اللعب التي تحدد اللاعبين الذين سيقع الاختيار عليهم.

كانت أكبر الصعوبات أنك تضطر للعمل مع رجال يتدربون طوال الأسبوع بشكل مختلف، ففي إيطاليا يميل المدربون لإغلاق الخطوط دفاعيا واللعب على المرتدات، على عكس أسلوبي وما كنت أرغب فيه. كان عملا طويلا وصعبا. الطريق نحو المونديال كان مليئا بالانتقادات من الداخل والخارج. تركت لاعبين لم يقنعوني بسبب عدم رغبتهم في العمل واخترت آخرين لاجتهادهم.

كان من ضمن الانتقادات الموجهة لي هي أنني أستدعي الكثير من اللاعبين لعدم امتلاكي أي أفكار واضحة، ولكن هذا أمر خاطئ تماما لأنه الشيء الوحيد الذي لم تساورني أي شكوك بخصوص هو فكرتي حول كرة القدم.

المساهمون