تهديدات اليورو بين أزمة عنصرية بنزيمة والحراك الاجتماعي المتواصل

تهديدات اليورو بين أزمة عنصرية بنزيمة والحراك الاجتماعي المتواصل

04 يونيو 2016
بنزيمة أشعل فتيل أزمة في فرنسا (Getty)
+ الخط -


عادة ما يوصف اللاعب الفرنسي، من أصول جزائرية، كريم بنزيمة بأنه لاعب منطوٍ على ذاته، عدا مجموعة من أصدقاء الحيّ، ظل وفيّاً لهم، وأنه أقل "اجتماعية" مع رفاقه في المنتخب الوطني. ولكن الجميع يتفق على أن توقيت تصريحاته الأخيرة في صحيفة إسبانية، والتي يرى فيها "أقلية عنصرية" فرنسية وراء إقدام المدرب الوطني، ديدييه ديشامب، على استثنائه من المشاركة في كأس الأمم الأوروبية جاءت في الوقت المناسب. إذ أصبح الموضوع شغل الصحافة الرياضية والسياسية، وحديث مسؤولين وفاعلين كُثُر.

والحقيقة أن تصريحات كريم بنزيمة، التي سبقتها حملةٌ متحاملة غير مسبوقة في وسائل الإعلام الرياضية، بسبب ما قيل إنها تصريحات له حين كان في الثامنة عشرة من عمره عن "هواه الجزائري"، وعن لعبه في فرنسا من "أجل المال"، أو ما سيعود كل مرّة أثناء أداء النشيد الوطني من أن كريم "لا يُحرّك شفتيه"، أو أنه مرة لم يتماسك عن البصاق أثناء عزف النشيد الوطني الفرنسي. وهي بعض أمثلة عن صحافة مترصدة، لعلّ أكثرها وقاحة غلاف صحيفة ليبراسيون الذي يُوهِمُ بضلوع كريم في فضيحة أخلاقية في حق أحد زملائه في الفريق الوطني الفرنسي، إضافة إلى نشر استطلاعات للرأي عن أغلبية تقترب من 80 في المائة لا ترى ضرورة لمشاركة كريم في كأس الأمم، إن بسبب مشاكله مع القضاء أو بسبب القليل من الأهداف التي سجّلها أثناء لعبه مع المنتخب الوطني في الآونة الأخيرة.

اختار كريم بنزيمة، التي تحرص الصحف الفرنسية، حين لا تريد أن تكون موغلة في الوصم، على تذكيرنا أن نقطة ضعفه هي أنه محاطٌ برفاق سوء يقدمون لهم نصائح سيئة، أفضل توقيت له، أي بعد فوزه مع فريقه الريال بكأس رابطة الأبطال، وبعد أن كان الثاني، وبإيعاز من مدربه زيدان، في رفع هذه الكأس أمام الجماهير.

ثم أن تصريحاته جاءت بعض نشر تصريحات للاعب الفرنسي السابق إيريك كانتونا، والتي ذهب فيها بعيداً حين تحدث فيها عن "نزوع عنصري" لدى المدرّب ديدييه ديشامب، الذي "يرنّ اسمه الفرنسي الواضح"، وحين كشف أن هذه "العنصرية" هي التي أمْلت عليه إقصاء لاعبَيْن من أصول عربية، هما من خيرة لاعبي فرنسا، في الوقت الراهن، كريم بنزيمة وحاتم بن عرفة. وإذا كان الفرنسي التونسي، حاتم، سارَع إلى النأي بنفسه عن تصريحات كانتونا "المُورّطة"، فإن كريم بنزيمة أضاف إليها مُسوحاً وتعديلات.

والشيء الذي لا يمكنه أن يغيب عن الملاحظين للوضع الاجتماعي والفكري في فرنسا، القلقين من تردي الأوضاع الاجتماعية التي لا تشجع على تدفق السياح أثناء العرس الكرويّ، هو أنه مع كل استحقاق رياضي هام في فرنسا، يسود الانطباع بأن الصراعات العرقية قد انتفت في هذا البلد، ويتفق الساسة والصحافيون على "هدنة" وطنية، لأن الفترة هي فترة "تتعلق بالوطن". وهو ما حدث سنة 1998، حين فازت فرنسا، البلد المنظّم، بأول كأس عالم في كرة القدم في تاريخها، وكان الجمهور الفرنسي وأيضاً رئيس الجمهورية، جاك شيراك، يهتفون باسم زيدان ورفاقه. وكان شعار فرنسا، حينئذ، "أسود- أبيض- عربي"، التي تتحدث الصحافة الفرنسية، اليوم: (لوموند، نوفيل أوبسرفاتور وغيرهما)، عن كونها حقبة "سادت ثم بادت"، أي كانت "أسطورة"، والأساطير مكانها التاريخ.

ولعلّ كتاب الباحث في العلوم السياسية الفرنسي إمانويل بلانشارد "الزرق والعرب: فريق فرنسي مغلق على المنحدرين من أصول جزائرية"، يُذكّرنا بهذه الحقيقة المؤلمة، التي نعيشها، اليوم. ولا يتردد الباحث الفرنسي في الإشارة إلى ضغوط ما لرئيس الحكومة الفرنسية ووزير الرياضة في منع كريم من اللعب مع الفريق الوطني، ويستعرض وقائع لا تحتاج للتعليق "ما بين 1962، استقلال الجزائر، وأول مشاركة لِلاّعب زيدان سنة 1994، لم تعرف الملاعب الفرنسية سوى مشاركة لاعب واحد قَدِمَ والداهُ من الجزائر، ويتعلق الأمر بعمر سحنون، سنة 1977-1978".

وحتى في هذه الفترة، أي 1998، التي شهدت تتويج زين الدين زيدان ملكاً على فرنسا، وظهرت صورتُهُ في شاشات العالم تغطّي "قوس النصر"، لم تكن فترة انسجام ووئام وطني، كما كان مأمولاً. فإضافة إلى أصحاب الحنين إلى زمن الجزائر الكولونيالية، الذين يكشفون عن أنفسهم في كل مناسبة، ظهر المفكر ألان فينكلكروت، بتصريحاته مع هآرتس الإسرائيلية، التي يَسْخَرُ فيها من الشعار الفرنسي ويعوضه بشعار آخر أكثر وضوحاً، وصدقية، في نظره، وهو"أسود- أسود- أسود"، في إشارة "عنصرية" إلى مشاركة رياضيين سود في الفريق الوطني الفرنسي. وبعد أقل من عقدين من الزمن فتحت له الأكاديمية الفرنسية أبوابَهَا وأصبح من "الخالدين".

"حرب أعصاب" تشهدها فرنسا، بسبب تصريحات كريم بنزيمة، كما كتب موقع أتلانتيك الإخباري، يوم الخميس 2 يونيو/حزيران، ولكن الحقيقة التي لا يريد أن يُقرَّ بها الكثير من المراقبين في فرنسا، هي أن مواقف بنزيمة ليست مواقف شخصية معزولة، بل تمثل رأياً عاماً، خاصة لدى عشاق بنزيمة أو بين أوساط الفرنسيين المنحدرين من دول المغرب العربي، وإلا فما الذي يفسّر تصريحات الممثل والفنان جمال دبّوز، الذي يتأسف، صراحة، "لغياب أي ممثل من ممثلينا في الفريق الوطني"، وهي تصريحات أثارت الجدل، من جديد، ولكنها لا تشكك في نوايا الرجل "المندمج جيداً"، وأحد الشخصيات الأكثر شعبية في فرنسا. وكأننا أمام دمى روسية.

ويعترف 70 في المائة من الفرنسيين، في العديد من استطلاعات الرأي، بأنهم يكرهون العرب. فهل بالَغَ كريم بنزيمة حين تحدّث عن "خضوع المدرب ديدييه ديشامب لضغط قسم من العنصريين؟".

لاعبو الفريق الوطني مُطالَبون بخطف الكأس الأوروبية، وإلا فإنّ هذا الحريق الذي أشعله الشاب الخجول المنطوي كريم بنزيمة، والذي تُذْكيه أوضاعٌ اجتماعية واضطرابات لا تتوقف، مُرشّحٌ للتمدد ولتداعياتٍ مفتوحة.

دلالات

المساهمون