3-4-2-1... باب الخروج لزعيم "الميرسيسايد"

3-4-2-1... باب الخروج لزعيم "الميرسيسايد"

09 مارس 2015
+ الخط -
بعد بداية كارثية ومستوى غريب في مختلف البطولات، عاد ليفربول إلى الواجهة من جديد، واستعاد المدرب براندن رودجرز كامل توازنه في الأوقات الحاسمة من عمر الموسم الكروي الحالي، فبعد الخروج المبكر من مرحلة المجموعات أوروبياً، والخسارة بالثلاثة أمام الغريم مانشستر يونايتد في الأولد ترافورد، ثم تعادل غريب أمام آرسنال في الأنفيلد، انقلبت كتيبة "الريدز" على نفسها، وحولت دفة التوقعات من أقصى جوانب الفشل إلى أقوى درجات النجاح، في فترة زمنية قياسية.

فاز ليفربول في تسع مباريات وتعادل فقط في مباراتين دون أي خسارة، خلال آخر 11 جولة بالدوري الإنجليزي الممتاز، ليحقق طفرة واضحة وينتقل سريعاً من مراكز الوسط بسلم الترتيب، إلى المنافسة بقوة على بطاقة مؤهلة لدوري أبطال أوروبا، فالليفر تنقصه فقط نقطتان عن اليونايتد صاحب المركز الرابع، وثلاث نقاط عن آرسنال المحتفظ بالمركز الثالث، بعد مرور 28 جولة من منافسات البريمييرليج لهذا العام.


أيام الحيرة
رحل لويس سواريز إلى برشلونة بمبلغ قياسي، وأنفق مسؤولو ليفربول الأموال القادمة من كاتالونيا على عدة جبهات، وتعاقد الفريق مع أسماء جديدة، ماريو بالوتيلي من ميلان، لامبرت، لالانا، لوفرين من ساوثهامبتون، ايمري كان من ليفركوزن، ماركوفيتش من بنفيكا، مورينو من أشبيلية، مع بعض الصفقات الأخرى التي خرجت إلى أندية أخرى على سبيل الإعارة، لينتهي بلا رجعة عذر غياب كابتن "هانيبال سواريز" عن قلعة الأنفيلد رود.

لعب براندن في البدايات بتكتيك شبه متوقع، مزيج من 4-4-2/ 4-3-3 و 4-2-3-1، وهي الخطط التي أنهى بها النصف الثاني من الموسم الماضي، لكن البوصلة لم تتحرك أبداً في الاتجاه الصحيح، لأن رأس مال هذه الأفكار هو الضغط العالي في منتصف ملعب الخصم، وتناقل الكرات بطريقة عمودية سريعة من الخلف إلى الأمام، فيما يعرف تكتيكياً بالـ "كونتر برسينج"، لكن هذا لم يحدث أبداً بسبب عشوائية الضغط وسهولة ضرب الدفاع الأحمر.


هجوم خامل ودفاع مسكين
يحتاج الضغط المتقدم إلى دفاع سريع ونشيط وعال، وليفربول افتقد إلى الأسماء الهجومية التي تقدم هذا الخيار، بالإضافة إلى عدم قدرة الأسماء الدفاعية على معادلة الكفة، فغياب سواريز وإصابات ستوريدج، أمور أجبرت المدرب على الاستعانة بلامبرت أو بالوتيلي في الأمام، والثنائي لا يقدر أبداً على الضغط المستمر، والدليل مباراة الريال في دوري الأبطال، حيث وقف الإيطالي كالمتفرج، ولم ينجح البرازيلي كوتينهو في لعب دور الجناح الحقيقي، فاكتفى الليفر بالضغط عن طريق ستيرلينج، فارتاح كثيراً الدفاع المدريدي.

في المقابل، فشل تماماً دفاع الفريق في تقديم غطاء قوي لمنطقة المنتصف، الوافد الجديد لوفرين غير قادر على التغطية في مساحة شاسعة خلفه، وخط المنتصف يترك فراغات كبيرة في المنطقة الحمراء أمام رباعي الدفاع، بسبب كثرة التغييرات في خانة الارتكاز وعدم نجاح جيرارد في تأدية دور الموسم الماضي، لنقص ضغط الهجوم وأحكام السن والزمن، فأصبح الليفر كالحمل الوديع هجومياً ودفاعياً، رغم الدعم المالي الكبير خلال فترة الميركاتو الصيفي.


نقطة التحول
"بعد مباراة بازل تأكدت أن الأمور لا تسير بشكل صحيح، وأننا لم نعد نملك شخصية تكتيكية داخل الملعب، كان يجب أن أقوم بتغيير"، يتحدث براندن رودجرز عن نقطة التحول المحورية في مشوار ليفربول لهذا الموسم، فبعد التعادل أمام بازل وتأكد خروج الفريق من دوري الأبطال، وصل المدرب إلى يقين تام بأن آوان التغيير قادم لا محالة، لذلك حاول سريعاً إيجاد حلول فعّالة، تنقذ الفريق وتحمي رقبته من حد الخروج.

"في تلك الفترة كنت أجلس داخل غرفة مغلقة لساعات، أحلل وأفكر كيف يمكن أن أغير الفريق، لقد أعطيت للجميع فرصة لكن الفريق لا يؤدي"، لذلك كان التحول التكتيكي البحت إلى أسلوب جديد ونظام مختلف هو الحل الفوري. ورغم عدم التعاقد مع أي لاعب جديد، إلا أن براندن تخلى عن حذره، وغيّر الخطط سريعاً إلى طريقة لعب مختلفة ومغايرة وغريبة، إنها اللعبة الخاصة بـ 3-4-2-1، والتي كانت بمثابة "باب الخروج" بالنسبة لزعيم ميرسيسايد.


فلسفة، استراتيجية، تكتيك
فلسفة رودجرز دائماً أقرب للهجوم والمبادرة، ومن أجل تطبيق هذه الفلسفة، يلجأ المدرب إلى عدة استراتيجيات كروية مختلفة، أين هي المناطق التي يجب أن نستغلها، ومتى نصل إلى مرمى الخصم بأقل عدد ممكن من التمريرات أو العكس، وكيف نحقق أفضلية عددية في هذا المركز من الملعب، وهل نستطيع بناء الهجمة من الخلف بطريقة منظمة، وهكذا، ثم يأتي دور التكتيك المتبع الذي يجعل اللاعبين قادرين على تطبيق هذه الأفكار داخل المستطيل الأخضر.

تعتمد خطة 3-4-2-1على التناغم الدائم بين كتلة الفريق ككل من أجل خلق الفراغ اللازم لتحرك اللاعب "الحر" من خلاله، ومباغتة المنافس. يتحرك الثنائي المتقدم كثيراً في الثلث الأخير، ليس فقط على مستوى الأطراف بل في العمق أيضاً، حتى يتم توفير الغطاء اللازم لعودة المهاجم المتقدم إلى الخلف على مشارف منطقة الجزاء، والحصول على الكرات دون مزاحمة من ارتكاز المنافس المنشغل بإيقاف الأسماء الأخرى بين الوسط والدفاع.

وفي حالة انشغال دفاع المنافس بالمهاجم المتقدم، فإن الحل يأتي حتماً من الثنائي كوتينهو ولالانا، ليس فقط على مستوى الأطراف بل في العمق أيضاً، كما حدث مؤخراً أمام مانشستر سيتي بالدوري المحلي.

 ​


الرجل الثالث
يضم لاعبو الهجوم في الثلث الأخير، حتى تتحول التحركات إلى ما يُشبه "الفوضى" في المنطقة الحمراء بين الخطوط، من أجل فتح الطريق أمام لاعبي الأطراف، ماركوفيتش ليس جناحا حقيقيا أو ظهيرا خالصا، بل هو لاعب الطرف المحمي من ثلاثي خلفي، والحاصل على الدعم الكامل من مهاجمي العمق، لذلك زادت أهداف "الوينج باك" مع الريدز، مورينو من قبل وماركوفيتش بعده، لأن الليفر نجح في الوصول إلى أولى تطلعاته، عن طريق الـ Free Man أو الرجل الإضافي في الملعب.

الرجل الحر ليس فقط على الأطراف، بل من الممكن أن تحدث الفكرة في العمق، خصوصاً حينما يقابل الليفر فريقا يلعب بارتكاز واحد كأرسنال مثلاً، فكوكلين سيكون مشغولاً بمراقبة ثنائي متأخر ومتحرك كلالانا وكوتينهو، وفي حالة مقابلة خصم يلعب بـ 4-2-3-1 أي ثنائي محوري، فإن كلاً من هيندرسون، ألين أو ليفا "محاور ارتكاز ليفر" سيكون كامل تركيزهم على لاعب الوسط الهجومي للمنافس، مما يسّهل فكرة الرقابة الثنائية نتيجة الزيادة العددية.

 ​


البناء من الخلف
في حديثه مع هيئة الإذاعة البريطانية، شرح مدافع ليفربول السابق "مارك لورنس" طريقة بناء اللعب من الخلف في ليفربول، وأهميتها في إيجاد زوايا تمرير عديدة تساهم في صعوبة فقدان الكرة، والحصول على صيغة مناسبة تؤهل الفريق للوصول إلى مرمى المنافسين بأقل عدد ممكن من اللمسات.

إيمري "كان" القادم من البوندسليجا كان هو الدليل، بعد أن تحول إلى مركز المدافع المائل لليسار، رفقة ثنائي دفاعي آخر، لاعب بالعمق وآخر على الطرف الآخر، خلف ثنائي الأظهرة الأقرب إلى دور الـ Wing Backs. تمريرات كانفي كل أرجاء الملعب على اليسار، في الخلف معظم الوقت، وينطلق ليكون ظهير أيسر عند الحاجة، بل يلعب كثيراً في أنصاف المسافات Half Spaces عند الصعود للهجوم.

تبدأ الهجمة من الخلف وبالتحديد عند حارس المرمى أو المدافع الأخير، الذي يجد على يمينه لاعبا وعلى يساره لاعبا آخر، مع إمكانية التمرير الطولي إلى واحد من الأظهرة المتقدمة في منتصف ملعب الخصم، بينما في العمق يوجد ثنائي من لاعبي الوسط، وبالتالي توجد زوايا عديدة للتمرير سواء في العمق أو الأطراف، ومع تحركات الثنائي الهجومي الآخر في الأمام، من السهل على لاعب الارتكاز التمرير إلى زميل آخر بشكل أفقي دون مشاكل، وهذه الفكرة تدعم تكتيك ليفربول كثيراً.




لا يوجد نظام كامل
يضم ليفربول مجموعة مميزة من اللاعبين الذين يتحدون معاً من أجمل جماعية الأداء، لكن هناك مشكلة ما خاصة بالعقلية، بسبب عدم تواجد نجم كبير ذي شخصية قوية كسواريز مثلاً، لذلك تعادل الفريق على أرضه وبين جماهيره أمام ليستر سيتي بهدفين لكل جانب، وفشل في تسجيل أي هدف في الأنفيلد خلال مباراتين فقط في آخر ثلاثة أشهر، والمفاجأة أن بولتون وبلاكبيرن كانا الخصوم، لذلك في مثل هذه المواجهات، من الممكن إنهاء كل شيء بلعبة فردية أو تصرف نابع عن ابتكار خارج عن المألوف.

فنياً، لا يوجد أبداً نظام تكتيكي مكتمل، ومع كل الإيجابيات التي ينفرد بها الليفر أخيراً، خصوصاً على مستوى الضغط الذكي في منتصف ملعب المنافس، كما فعلوا أمام مانشستر سيتي في القمة الأخيرة، عن طريق الثلاثي المتقدم حول منطقة جزاء السيتي، مع غلق الوسط برباعي صريح، ثنائي بالعمق وثنائي على الأطراف، مما يجعل فرص الخصم في البناء السليم للكرة أمرا غاية في الصعوبة، إلا أن هناك أيضاً سلبيات تتعلق بأي خطة كروية مهما كانت قوتها ومدى كمالها.

هناك بعض المخاطر أثناء التحولات، خصوصاً في المسافات الواقعة بين ثلاثي الدفاع وثنائي الأظهرة، ومن الوارد ضرب ليفربول أمام الفرق السريعة الخاطفة بهذه الطريقة. ويتحدث المحلل "ريتشارد جولي" أن تركيبة ليفربول الحالية تكمن في التركيز على شغل العمق، وبالتالي توجد مساحة في جانب آخر.

اللعب أمام الليفر بثنائي من الأجنحة في مركز عال بالملعب، مع رباعي بالوسط، وعدم وجود مهاجم صريح بل متحرك في كل أرجاء الملعب، كما يفعل لوكاكو مع إيفرتون تحت قيادة مارتينيز، وهنا يحدث الخلل خلف الأظهرة المتقدمة، ولاعب مثل هازارد مثلاً يستطيع صناعة الفارق مع عدم قيام بعض لاعبي الأطراف في الأنفيلد بالواجبات الدفاعية الكاملة، لكن حتى هذه اللحظة، تسير سفينة ليفربول بخطى ثابتة نحو بر الأمان.

 ​

المساهمون