يواصل فريق مانشستر سيتي سلسلة انتصاراته وانفراده بصدارة الدوري الإنكليزي الممتاز، رغم مردوده المتواضع في مباراته الأخيرة أمام أرسنال الذي كان متميزاً وأفضل منه إلى غاية طرد مدافعه البرازيلي غابرييل.
ومع ذلك لم يتمكن "سيتي" من تحقيق الفوز الـ11 له على التوالي إلا في الوقت بدل الضائع، مؤكداً قوته وجدارته في الاحتفاظ بلقبه بعدما عمّق الفارق إلى عشر نقاط عن ملاحقيه بعد الجولة الـ21، وقدرة لاعبيه على تجاوز الظروف الصعبة التي تواجههم كل أسبوع، مقارنة بمنافسيهم الذين تعثروا، وخاصة في مباريات نهاية السنة (البوكسينغ داي) التي تعتبر منعرجاً مهماً، وخصوصاً بالنسبة إلى الأندية التي تنافس على اللقب، دون الحديث عن التأثيرات التي تخلفها غيابات اللاعبين الدوليين الأفارقة عن نواديهم في أثناء بطولة كأس أمم أفريقيا التي ستنطلق الأسبوع القادم.
كل المؤشرات قبل بداية الموسم كانت توحي بأن فريق ليفربول سيعود بقوة بعد موسم تعيس، وبأن تشيلسي بطل دوري أبطال أوروبا، سيكون منافساً شرساً على لقب الدوري الإنكليزي الممتاز، لكن مع مرور الجولات تمكن غوارديولا من فرض نفسه مرشحاً أول بأفضل خط دفاع (13 هدفاً) وأفضل خط هجوم (53 هدفاً)، رغم عملية المداورة التي ينتهجها.
وتبين أن هذه المداورة من مصلحة الفريق، عكس ما يحدث في الأندية المنافسة التي يفضل مدربوها الاعتماد على ذات التشكيل تقريباً في كل المباريات، ما عرّض اللاعبين للإرهاق بسبب كثرة المباريات المحلية والدولية وكثرة التنقلات مع منتخباتهم في تصفيات كأس العالم، لكن رغم ذلك لا يزال المدرب الإسباني يمارس الضغوطات على لاعبيه، ويعتبر الحديث عن التتويج باللقب في بداية السنة سابقاً لأوانه.
الكل في إنكلترا وأوروبا ينسب الفضل إلى المدرب، بيب غوارديولا، وفلسفته الكروية التي طبقها في برشلونة وبايرن ميونخ وأكدها في مانشستر سيتي، خصوصاً عملية المداورة التي ينتهجها بين لاعبين متميزين فردياً، جماعياً بدنياً وتكتيكياً، التي تفرض عليهم بذل الجهد في كل مباراة لإقناع مدربهم بأحقيتهم في اللعب كأساسيين في الأسبوع التالي، ما خلق منافسة كبيرة بينهم كانت في مصلحة الفريق.
لكن الكل أيضاً يُثني على نوعية اللاعبين الذين يتوافر عليهم الفريق الذي لم يعد يتأثر حتى بغياب كيفن دي بروين أو روبن دياش، أو حتى محرز ورحيم وبرناردو سيلفا وفودين وغريليش الذي وجد نفسه مع الوقت على كرسي الاحتياط، مطالباً ببذل مزيد من الجهد للحصول على ثقة المدرب، رغم الأموال التي أنفقت لاستقدامه في بداية الموسم والتي بلغت 120 مليون يورو.
يلعب "سيتي" مثل غيره بـ11 لاعباً، لكنه يعطي الانطباع بأن تعداده 20 فوق أرض الملعب على المستويين الدفاعي والهجومي بسبب المجهود البدني المبذول والضغط العالي الذي يفرضه على منافسيه، حتى إنه في أسوأ مبارياته أمام أرسنال بلغت نسبة الاستحواذ في الشوط الثاني أكثر من 75% من دون فودين وغوندوغان الذي دخل بديلاً، ومن دون ووكر وجون ستونز في الدفاع، الذين يتقاسمون عبء المباريات فيما بينهم، ويتداولون على المناصب.
وهو الأمر الذي ليس متوافراً مع يورغن كلوب في ليفربول، ولا يعمل به توماس توخيل في تشيلسي، رغم توافره على كرسي احتياط ثري يسمح له بانتهاج استراتيجية غوارديولا في المداورة، دون أن يتأثر اللاعبون من الناحية المعنوية والنفسية بغيابهم عن بعض المباريات.
غياب قلب هجوم حقيقي من حجم أغويرو، وعدم الاعتماد على غابرييل جيسوس بانتظام لم يمنعا مانشستر سيتي من تسجيل 53 هدفاً واللعب من دون مهاجم صريح أحياناً في إطار منظومة لعب تستند إلى المهاجم الوهمي الذي يقوي وسط الملعب ويزيد من الضغط على المنافسين لاسترجاع الكرات في أسرع وقت وتسجيل الأهداف، وضمان التتويج بلقب الدوري والتربع مجدداً على عرش الكرة الإنكليزية، في انتظار نجاح الفلسفة نفسها في التتويج بلقب دوري أبطال أوروبا الذي يفر منه كل مرة، رغم بلوغه النهائي السنة الماضية، لكن مع ذلك يبقى ما يفعله السيتي مثيراً ومميزاً ولافتاً للانتباه، سيُدرس أكيد في مراكز التدريب ومعاهد تكوين المدربين.
رغم كل هذا، لم يفز مانشستر سيتي بعد باللقب، لأن الكرة الإنكليزية تحمل أسراراً وألغازاً فريدة، لكنه نصّب نفسه المرشح الأول الذي لا يخسر حتى في أسوأ أحواله مثلما حدث له مع أرسنال، وسيحدث له مع أندية أخرى في مباريات لاحقة.