استمع إلى الملخص
- يتميز بقدرات فريدة في الراليات الصحراوية، حيث يجمع بين الصفات البدنية والذهنية والتقنية، مما يمكنه من التفوق في سباقات تتطلب التحمل والتركيز العالي.
- إلى جانب الراليات، برع في رياضة رماية الأطباق، وحقق الميدالية البرونزية في أولمبياد لندن 2012، مما يجعله من الأساطير الرياضية.
يؤكد القطري ناصر العطية يوماً بعد آخر أنّه اسمٌ تاريخي في سماء الرياضة العالمية والعربية وكذلك في منطقة الخليج، مع استمراره في حصد الألقاب وتحقيق الإنجازات، التي كان آخرها التتويج قبل أسبوع تقريباً بلقبه العشرين القياسي في بطولة الشرق الأوسط للراليات (MERC) للموسم 2025، التي ينظمها الاتحاد الدولي للسيارات (FIA).
واستطاع العطية طوال مسيرته أن يبرع في قيادة السيارات على مستوى الراليات إلى جانب الرماية، ليتابع شغفه ورحلته الاستثنائية بعمر الـ54، بعدما استلهم كلّ هذا الإصرار من كتاب "الفوز لا يكفي" لبطل العالم في الفورمولا 1 جاكي ستيورات، وهو الذي بدأ المنافسة عام 2003 من بوابة الشرق الأوسط للراليات على متن سيارة سوبارو إمبريزا حتى عام 2009، ومن ثم فورد فييستا، إلى جانب سيارة بيجو 207 خلال جولتين عام 2012، قبل أن ينتقل في 2016 إلى سيارة سكودا فابيا.
حضر العطية في العديد من الأحداث الكبرى، وكان أبرزها رالي داكار، حين شارك للمرة الأولى هناك في عام 2004 مع شركة ميتسوبيشي، ليحتلّ المركز العاشر، ثم قاد سيارة "بي إم دبليو" من طراز "إكس-رايد" في النسخ الثلاثة التالية، محققاً المركز السادس في عام 2007. وفي عام 2008، فاز بكأس العالم لراليات الضاحية التابع للاتحاد الدولي للسيارات "فيا" على متن سيارة "بي إم دبليو"، ليكون بين الكبار مجدداً في رالي داكار إلى جانب الملّاحة السويدية تينا ثورنر بالأرجنتين عام 2009، وفي السنة نفسها، احتل وصافة الترتيب في "رالي دوس سيرتويس" من غويانيا إلى ناتال في البرازيل خلف الإسباني كارلوس ساينز.
مع اكتسابه المزيد من الخبرة، استطاع العطية احتلال المركز الثاني في رالي داكار عام 2010، بفارق 2.12 خلف ساينز، وهو أصغر فارق بالمناسبة في تاريخ السباق. لكن ذلك لم يمنعه من مواصلة المحاولة، ليرفع أخيراً لقب الرالي الأسطوري في 15 يناير/ كانون الثاني 2011 متقدماً على فاجن ساينز وجينيل دي فيلييه، ما جعله العربي الوحيد المتوج بهذا الحدث الكبير.
فتح هذا الإنجاز الباب أمام نجاحات أخرى، إذ استطاع ناصر العطية التتويج بلقب كأس العالم للراليات الصحراوية الطويلة عام 2015 وأيضاً رالي داكار على متن سيارة "ميني أول 4 رايسينغ إكس-رايد"، وكأس العالم للراليات الصحراوية الطويلة لعام 2016 بسيارة تويوتا، وفي سنة 2019، صعد العطية على منصة التتويج في رالي طريق الحرير مع "تويوتا هايلوكس" التابعة لفريق تويوتا غازو رايسينغ، وجاء وصيفاً في باجا 1000 في العام نفسه، الذي شهد أيضاً خطفه لقب رالي داكار مجدداً، ليكرر بعدها الإنجاز عينه في 2022 بالمملكة العربية السعودية، ويصبح العربي الوحيد الذي يفوز برالي داكار على أرض عربية، متقدماً على بطل العالم للراليات تسع مرات سيباستيان لوب، كما فاز بلقب بطولة العالم للراليات - الرايد الافتتاحية التابعة للاتحاد الدولي للسيارات.
وفي عام 2023، فاز العطية برالي داكار للمرة الخامسة في مسيرته متقدماً مرة أخرى على سيباستيان لوب، وأصبح حينها السائق الوحيد من الشرق الأوسط وغرب آسيا المتوج بالمسابقة في أكثر من مناسبة، وخلال الموسم نفسه، فاز هو ومساعده ماتيو بوميل أيضاً بكأس العالم لراليات باها الصحراوية.
ما حققه العطية لم يكن سهلاً البتة، خاصة أنّ التنافس في الراليات الصحراوية، وتحديداً "داكار"، يحتاج إلى مزيجٍ فريد من الصفات البدنية والذهنية والتقنية، لأنّه سباق استنزاف أكثر من كونه مجرد سباق سرعة، لذلك امتاز السائق القطري المخضرم بالتركيز العالي والقدرة على البقاء يقظاً ساعات طويلة وسط تضاريس متغيّرة وخطرة، إلى جانب تمتعه بالهدوء تحت الضغط والتعامل مع الأعطال والكثبان الرملية أو حتى الحوادث من دون إظهار علامات ارتباك، كما برز النجم الكبير باتخاذ القرارات السريعة، لا سيما أنّ كلّ ثانية مهمة لاختيار المسار وتجنّب العقبات، إلى جانب القدرة على التحمّل الذهني مثل مقاومة التعب والتوتر على مدار أسبوعين.
أجاد العطية بطبيعة الحال أيضاً من الناحية التقنية من خلال إتقان الملاحة مع المساعد، والتعامل مع الأجهزة الإلكترونية إلى جانب المعرفة الميكانيكية وكذلك إدارة السيارة، لمعرفة لحظة زيادة السرعة والوقت المناسب للحفاظ عليها حتى لا تنهار قبل خط النهاية، كما لا يُمكن نسيان الصفات البدنية، على غرار اللياقة العالية، من خلال قوة التحمّل بسبب الحرارة العالية والارتفاعات وقلّة النوم، وكذلك المرونة الجسدية بتحمّل الاهتزازات المستمرّة داخل المقصورة لآلاف الكيلومترات، وأيضاً قوة التحمّل العضلي، خاصة في منطقة الذراعين والظهر للسيطرة على المقود في الرمال والكثبان بشكلٍ جيد.
الصبر والإصرار والعزيمة من الصفات التي امتاز بها العطية أيضاً، وهذا لم يكن صدفة، فرغم بعض الإخفاقات والحوادث، كان العطية يعود دائماً لتحقيق الإنجاز، وهذه السمات دفعته ليكون بارعاً في رياضة رماية الأطباق، بعدما شارك في دورة الألعاب الأولمبية عام 2004 واحتلّ المركز الرابع، ثم حضر في نسخة 2008 وجاء في المرتبة الخامسة عشرة، ليصعد بعدها أخيراً على منصة التتويج في أولمبياد لندن عام 2012، بعد حصده الميدالية البرونزية إثر تفوقه على فاليري شومين.
وبهذه الإنجازات، جمع العطية رياضتين في الوقت عينه، على غرار ما فعل بعض الأساطير أمثال مايكل جوردان في السلة الأميركية والبيسبول، والأميركي راي ألين (سلة وغولف)، والويلزي غاريث بيل (كرة قدم وغولف)، والصربي داركو ميليتش (سلة وكيك بوكسينغ)، والجامايكي أوسين بولت (عداء وكرة قدم)، والإسباني رافاييل نادال (كرة قدم وتنس).