"برشلونة هو الابن الحقيقي لأياكس، نحن جميعاً أتباع فلسفة النادي الهولندي، ونعتبر أنفسنا جزءاً لا يتجزأ من كرة أمستردام، التي أبهرت الجميع وجعلتهم ينظرون إلى اللعبة من وجهة نظر مغايرة تماماً، لذلك تعتبر قمة أياكس وبرشلونة خاصة جداً لكل أنصار ومشجعي الفريقين". هكذا كان تصريح جوسيب ماريا بارتوميو، رئيس النادي الكتالوني قبل ساعات قليلة من مباراة البلاوجرانا وفرسان هولندا على الأرينا، والتي انتهت لصالح الأحمر والأزرق بهدفين دون رد.
ويقودنا حديث الرجل الأول في إدارة البارسا إلى فهم العلاقة المتينة التي تجمع بين الناديين، والكيمياء الكروية المشتركة لأفضل فريق كرة قدم في حقبة السبعينيات من القرن الماضي، ونظيره الذي غيّر خريطة اللعبة خلال الألفية الجديدة بقيادة جوارديولا، التلميذ النجيب للأستاذ يوهان كرويف، الأسطورة الخالدة لكلّ من أياكس وبرشلونة، ومنتخب هولندا الذهبي.
الحكاية مستمرة
يتحدث كتاب "قلب الهرم" عن بدايات الكرة الشاملة، ويعود بالذاكرة إلى عام 1872 وبالتحديد في مدينة رينجرز الاسكتلندية، كان هناك نادي كوينز بارك، معظم لاعبيه يهاجمون ويعتمدون في لعبهم مثل غيرهم على المراوغات والسرعة والاحتفاظ بالكرة كثيراً، ما عدا لاعب واحد سمين بعض الشيء لا يستطيع الجري مثل بقية زملائه.
يحتفظ هذا اللاعب بالكرة ثم يمررها إلى لاعب آخر ويجري كي يحصل على مكان أفضل وهكذا. مجموعة تراوغ وتجري، وهو يمرر ويتحرك. بدأت الفكرة البدائية تنال إعجاب الجميع خصوصاً المدرب والطاقم المعاون. انتقل مهاجم كوينز ويدعى تروفي بوب إلى صفوف نيوكاسل يونايتد لينقل معه الفكر الجديد الخاص بالتمرير مع الحركة.
كان نيوكاسل وقتها فريقا سريعا مباشرا، يلعب بنفس الطرق القديمة لكن مع الوقت أصبح شكله داخل الملعب مختلفا. الفريق يمرر كثيراً ويتحرك ويستحوذ على الكرة حتى أصبح لاعبه ماك ويليام مدربا لتوتنهام. ماك أدخل سياسة التمرير إلى ناشئي النادي اللندني وجميع المراحل السنية خلاله واشتهر وقتها بهذه الميزة التي جعلته يتفوق على منافسيه.
انتقل بعدها الرجل إلى ميدلزبره قبل أن يعود إلى توتنهام من جديد ليتعلم على يده ثلاثة أشخاص، آرثر روي، بيل نيكلسون، وفيك باكينجهام. وقاد آرثر توتنهام للصعود ثم الفوز باللقب، نيكلسون قادهم بعد ذلك للفوز بالثنائية. أما باكينجهام فدرّب ويست بروم ثم سافر إلى هولندا مع أجاكس، وعاد من جديد مع شيفلد ثم رجع إلى أمستردام من جديد .
وهناك تأثر ناشئو الفريق الهولندي بأفكار المدرب الإنجليزي وطريقة فهمه لجوانب اللعبة. وبدأت من هنا تنتشر الكرة الهجومية القائمة على التمرير في ملاعب هولندا وأرضها البرتقالية. حتى نجح رينوس ميتشيلز، أحد تلامذة باكينجهام، في قيادة أياكس نحو المجد، وصناعة فريق يعتمد في لعبه على تبادل المراكز والهجوم الكاسح خلال فترة السبعينيات، ونقل أفكاره إلى منتخب هولندا ونادي برشلونة.
الضغط العالي
وإذا عدنا إلى قمة أياكس وبارسا، سنجد أن مفاهيم اللعب الهجومي ثابتة لا تتغير عند الفريقين، فأصحاب الأرض نجحوا في تطبيق أعلى معدلات الضغط ضد نجوم برشلونة، خصوصاً خلال الشوط الأول الذي سيطر عليه الفريق المضيف من البداية وحتى النهاية، بسبب طريقة لعب المدرب فرانك دي بوير الأقرب إلى مزيج بين 4-3-3/ 3-4-3، عن طريق تمركز بولسن بين الظهير ومنطقة الوسط على طريقة كرول في منتخب الطواحين قديماً.
وبالتالي وجد لاعبو البارسا أنفسهم أمام خمسة لاعبين دفعة واحدة بالثلث الأخير من الملعب، مهاجم وثنائي من الأجنحة مع لاعبيّن بالوسط، مع تمركز بولسن في وضعية قريبة من الارتكاز الصريح سيريو، مما جعلهم يخطفون الكرة ست مرات داخل نصف ملعب البارسا، وكانوا أقرب كثيراً للتسجيل في عديد المحاولات، لولا التألق غير العادي للحارس تير شتيجن، وماسكيرانو قائد الدفاع.
في المقابل، استعاد برشلونة السيطرة خلال الشوط الثاني، حينما لعب سواريز أكثر في العمق، وخلفه ميسي في صناعة اللعب رفقة نيمار على الأطراف، ومع الدعم الكبير من راكيتتش وتشافي وبوسكيتس، الارتكاز الذي تقدم كثيراً نحو منطقة وسط أياكس، فعادت القوة من جديد إلى الفارس الكتالوني، الذي نجح في تسجيل هدف آخر أنهى به المباراة تماماً، عن طريق نفس الاستراتيجية، الضغط، فقطع الكرة ثم تمريرات سريعة نحو مرمى المنافس.
وحدة الأداء
من أهم شروط الكرة الشاملة، أن يتحرك الفريق كوحدة واحدة، في الدفاع والهجوم، يهاجم الفريق بعشر لاعبين وحارس مرمى، ويدافع بالحارس ونفس عدد اللاعبين، وهذا ما نجح فيه أياكس خلال البدايات، وفشل فيه برشلونة خلال الفترة الأخيرة، رغم الفوز بثنائية وتحقيق ثلاث نقاط، ضمنت لفريق إنريكي الصعود إلى الدور الثاني رفقة باريس سان جيرمان.
استمرت معاناة الكتلان في الربط بين الخطوط الثلاثة، وذلك بسبب انشغال لاعبي الوسط بالتغطية خلف الظهيرين المتقدمة، وزيادة الفراغات بالعمق، لذلك لعب برشلونة مؤخراً بثلاثة مهاجمين في الأمام، والبقية في حالة فصل كامل عنهم، وهذا الضعف تسبب في خسارتين بالدوري وأداء متباين بالأبطال، وبالتالي يحتاج لوتشو وجهازه المعاون إلى شغل شاق من أجل الوصول إلى توليفة تساعده على حماية دفاعه، وربط كامل الفريق بالثلاثي الناري في الأمام.
أما أياكس فلعب وفق قدراته، ووضح تماماً العمل الكبير الذي يقوم به فرانك دي بوير مع الفريق، الذي ينقصه فقط خبرات أكثر، وبعض النجوم الذين يحملون على عاتقهم أخطاء اللاعبين الشبان، الذين قدموا أداء قتالي لكن هفوات بسيطة أنهت الأمور وتسببت في هدفي ميسي.
البناء من الخلف
اعتاد الجميع خلال سنوات سابقة على سماع جملة متكررة من معظم المعلقين، تدور حول أهمية مركز حراسة المرمى، والتأكيد أن الحارس نصف الفريق. لكن في الكرة الحديثة يبدو أن الحارس أشمل من ذلك بمراحل، لأنه لا يكتفي بصد الكرات ومنع الأهداف، بل يساهم في بناء اللعب وبداية الهجمة، والصعود إلى الأمام من أجل لعب دور الليبرو أثناء المرتدات، وفي بعض الأحيان يتقدم أكثر ويصبح لاعب ارتكاز صريحا، كما يفعل مانويل نوير مع بايرن ميونخ ومنتخب ألمانيا.
ومن الواضح أن تير شتيجن حارس البارسا يسير على خطا مواطنه نوير، ومن قبل فيكتور فالديس الحارس القديم للكتلان، فيما يتعلق بخاصية التمرير الدقيق، ولعب الكرات الطولية ببراعة غير عادية، وهذا ما حدث بالنص خلال قمة أياكس وبارسا، فكلما ضغط لاعبو الفريق الهولندي على دفاع برشلونة، تأتي الحلول دائماً من مركز حراسة المرمى، عن طريق شتيجن الذي يستلم الكرة بهدوء ويمررها إلى الظهيرين المتقدمين إلى الأمام، فتبدأ هجمة خطيرة للفريق الضيف.
بعيداً عن نتيجة اللقاء، فإن عشاق ومحبي المستديرة كانوا على موعد حقيقي مع قطبي الكرة الشاملة على مر التاريخ، في مباراة حملت لقبا واحدا، أبناء العم وجهاً لوجه في بطولة أوروبية ستحمل الكثير والكثير من المفاجآت والأشغال الشاقة الكروية خلال قادم المواعيد.