دقت ساعة الحقيقة، ليحين معها موعد حلول البت في المصائر في مشوار الصراع نحو اللقب الأوروبي الأسمى، والذي يصعد على منصة التتويج المميز في اقتراحات ربع النهائي، البطل بايرن ميونيخ المتأهب لاستضافة أرسنال، سهرة اليوم الثلاثاء، ضمن إياب يعد بالكثير، عطفاً على وعود أرشيف قديم وجديد، لطالما استفرد بعناوين التشويق والإثارة.
ليس من باب الإسقاط التذكير بأن مهمة أرسنال تكاد تكون مستحيلة مع الإبقاء على تحفظ حدوثها، ولا سيما أن نسخة المواجهة ذاتها من العام الماضي، تدل جيداً على هذا الاستنتاج، بالمقابل لا مؤشرات على اهتزاز للبطل البافاري، تجعلنا نفكر ولو من باب التكهن بأن حامل اللقب في خمس مناسبات، سينهار أمام جماهيره وعلى معقله المرعب "أليانتس أرينا".
غارقاً وسط حالة من النشوة بعد تأهله إلى المربع الذهبي من كأس الاتحاد الإنكليزي بدكه مرمى ضيفه "العنيد" إيفرتون بنتيجة (4-1)، يستهدف "المدفعيون" قصف معقل اشتُهر بحصانته لا سيما في نسخته المقترحة في الأعوام الأخيرة، وما قد يعزز من تعقيد مهمة ممثل الإنكليز خسارته على أرضه في رحلة الذهاب بثنائية نظيفة، وهو ما يعني أنه مطالب بتوجيه صفعة ثلاثية لخصم اسمه بايرن ينعم بكل دعائم القوة ومشاعر الثقة.
لا مستحيل في عالم الكرة، بيد أن زمن المعجزات على ورود استحضاره سيبقى صعب الحضور في موقعة "أليانتس أرينا" بعاصمة الجنوب ميونيخ، إذ إن مجرد الحديث عن سقوط بالثلاثة ووسط الديار، والكلام موجه إلى الزعيم البافاري الذي سيكون معززاً بدفع جماهيره الغفيرة، يعد أمراً بعيداً عن أسس المنطق والعقلانية، خاصة أننا بصدد التطرق لفريق بلغ المباراة الختامية للمسابقة الأعرق في أوروبا في ثلاث مناسبات من جملة المواسم الأربعة الأخيرة.
من جهة أخرى، سيلعب "المدفعجية" على عامل آخر، يتمثل قطعاً في سفرتهم الموفّقة في الموسم الماضي إلى ميدان البافاريين حين فازوا بثنائية لا رد عليها، بيد أنهم تكبدوا عناء الانسحاب من البطولة من الدور ذاته الذي يتوقفون عنده حتى الآن، بعد أن خسروا معركة الذهاب في لندن بنتيجة (3-1)، كما أن الـ"غانرز" لم يخفقوا في التسجيل لثلاث مباريات متتالية في تاريخهم الطويل بالبطولة، وسيكونون مهددين بتحطيم هذا الاستثناء في حال انحنوا للمشيئة الألمانية في لقاء اليوم.
في صدام شرس كهذا وعلى سطح قاري ساخن، لن يكون للتهاون مكان، حيث سيوظّف كلا الفريقين كافة قدراتهما وأوراقهما الرابحة لبلوغ الهدف المرسوم مسبقاً، ولعل هذا السياق، يجبرنا على التعريج على اللاعبين المميزين وأصحاب التجربة في كل فريق أو ما يسمى بلغة الرسم التكتيكي لدى المدربين "اللاعب المفتاح".
بالتطرق إلى مفاتيح كل فريق يسترعي الانتباه بعض الفوارق على مستوى الخصائص الفنية للاعبي كل فريق، فما هو واضح أن منسوب الخبرة لدى أوراق المدرب الإسباني جوسيب غوارديولا أعلى من تلك التي يمتلكها نظيره الفرنسي أرسين فينغر، إضافة إلى تنوع الخيارات الخططية المطروحة وكيفية توظيف العناصر المناسبة لها، وهو ما يحكمه قطعاً المستوى الفني والذكاء الفطري لكل لاعب.
بالنظر إلى أوراق البايرن تطفو جملة من الأسماء، هي عبارة عن فواعل أساسية في أي مخطط يضعه غوارديولا ومن أهم مرتكزاتها خط وسطه، والمتمثل خاصة في مواطنيه خافي مارتينيث وتياغو ألكانتارا والنمساوي دافيد ألابا والمواطنين توني كروس وباستيان شفانشتايغر، إضافة إلى الدفاع الحصين الذي يؤمنه الثلاثي المحوري، البرازيلي دانتي وجيروم بواتنغ والبلجيكي دانيال فان بويتن، علاوة على هجوم مرعب يكونه ثلة من النجوم يتقدمهم، "الزئبقي" الهولندي أريين روبن و"الطوربيد" الفرنسي فرانك ريبيري العائد من الإصابة و"المطرب" ماريو غوتسه و"الانتهازي" توماس مولر دون نسيان "الخبير" البيروفي كلاوديو بيتزارو المرجح أن يبدأ من دكة الاحتياط، ويشفع كل هذه الخطوط المتلاحمة قائد رصين للأوركسترا له من صفات الرفعة والحنكة، ما يجعله قائداً للبايرن والـ"ناسيونال مانشافت" في الآن ذاته، وليس هذه الميزات إلا للأشقر الأنيق فيليب لام.
جيش من النجوم المرصفة في نظام ملفت ومثير للإعجاب يسير وفقه بايرن بشكل ملتزم، ويحصد من خلفه نجاحات لا تحصى ولا تعد، ولعل من بين أبرزها أنه يتصدر على بعد "20 سنة ضوئية" من أشباه الملاحقين، ويسير بخطى متزنة نحو لقبه الرابع والعشرين في البوندسليغا ومع رقمين قياسيين على مستوى الدوري المحلي (تحقيقه الفوز في 16 مباراة متتالية ووصوله إلى 49 مباراة متتالية بلا خسارة)، كما سيهدف إلى توظيف هذه النهضة الكروية بقيادة غوارديولا عبر الوصول إلى حلم تحطيم الرقم الأوروبي الصامد حتى هذه اللحظة، ألا وهو الاحتفاظ بلقب دوري الأبطال بالحصول عليه للمرة الثانية توالياً كأول فريق بعد ميلان الإيطالي الذي نجح في تحقيق هذا الكسب عام 1990 وكان تلك المرة الأخيرة، علماً بأن النسخة الجديدة من دوري أبطال أوروبا، التي بدأت منذ عام 1993 (رابطة الأبطال الأوروبية سابقاً)، كانت عصية على الاحتكار من قبل كافة الأندية بلا استثناء، فهل ينجح البايرن في تحطيم ذلك؟
أما عن أرسنال، فتبدو لبنة التحدي ورفع الرهان إلى أقصى مدى له، موجوداً لدى لاعبيه ومدربه التاريخي رغم تعقد المهمة بسقوط الذهاب، ولعل ما يحفز فينغر، ثقته الكاملة في عناصره وفي مخزونهم الكروي الذي قد يسعفهم في دحض كافة الأحكام المسبقة والرمي بها في سلة التكهنات إذا ما قلبوا الطاولة على مستضيفهم، وتبقى الإمكانية واردة طالما أن "قلعة المدافع" تختزن في صفوفها جملة من الأسماء القادرة على صنع الفارق وإحداث التغيير على خارطة أي مواجهة، وعلى رأسهم النجم الأول مسعود أوزيل الذي سيسعى إلى جانب القناص أوليفييه جيرو ومحركي خط الوسط، توماس روزيسكي و سانتي كاثورلا وميكاييل أرتيتا، إلى إسقاط حسابات أهل الدار في الماء ونزع التاج الأوروبي عنهم مبكراً.
لا يقل تأثير التصريحات التي تسبق القمم الكروية عن قيمة المواجهة على الميدان، وضمن نفس التوظيف حاول أرسين فينغر تحفيز لاعبيه، حيث دعاهم لتكرار مشاهدة فيديو مباراة العام الماضي التي حسمها فريقه في ألمانيا بالذات وكاد يقتطع إثرها تذكرة التأهل لولا الحظ، كما ذكرنا آنفاً.
وأراد فينغر من هذه اللفتة زرع الإحساس بالثقة في عناصره وهو ما ثبت في تصريحه، حيث ذكر: "يتعين علينا أن نذهب إلى ميونيخ والانجراف نحو الهجوم. أنا واثق بقدرتنا على تحقيق نتيجة تشكل صدمة. تسجيل الهدف الأول في غاية الأهمية بالنسبة إلينا، وإذا نجحنا في ذلك فكل السيناريوهات ستكون واردة".
وأضاف: "الموسم الماضي فزنا بهدفين، وهذا الأمر يجعلنا نخوض المباراة بثقة عالية. الأمور لم تنته بعد، سنذهب إلى هناك وكلنا ثقة بقدرتنا على تحقيق نتيجة إيجابية".
وأضاف المدرب (64 عاماً) :"إنهم (بايرن) في هذه اللحظة المرشح الأقوى للقب في أوروبا، لكننا غداً يمكننا إثبات العكس".
وذكّر المدرب الفرنسي ببعض النجاحات التاريخية الذي حققها فريقه في أوروبا سابقاً، مستحضراً ما حدث عام 2003 أمام إنتر ميلان الإيطالي، حيث خسر أرسنال على أرض "الهايبري" وقتها بثلاثية نظيفة، قبل أن يقلب الأمور رأساً على عقب ويفوز بنتيجة (5-1) إياباً على ميدان "جيوسيبي مياتسا" بالذات.
وختم فينغر قوله: "الإحصاءات كانت ضدنا عام 2003 ولكننا فزنا 5-1 على أرض إنتر ميلان. لقد استمتعنا ببعض الأمسيات الجيدة في أوروبا، وسيكون من الرائع أن تنضم أمسية الليلة إليها".
من جانبه، حذّر غوارديولا لاعبي فريقه من التهاون أو الغرور أو الاطمئنان لنتيجة الذهاب، حاثاً إياهم على مواصلة التركيز في مباراة اليوم، وصرح بواقعية كبيرة: "سجلنا في لندن نتيجة ممتازة، ولكن ذلك لا يعني أن الخطر قد زال".
وأضاف: "لدينا حظوظ وافرة في المواصلة، ولكن علينا بالتركيز الكامل أمام فريق يمتلك لاعبين نوعيين وذوي خصال فنية ممتازة، وإن لم نحرمهم من الكرة بالاستحواذ عليها، فمن الممكن أن يجرّدونا بطاقة التأهل".
وخلص "بيب" إلى القول: "مباريات دوري الأبطال تتميز بأهمية قصوى وعناية مخصوصة بالنسبة لنا، لكونها لا تشبه مباريات الدوري حيث نلعب بشكل متواتر ونجاريها يوماً بيوم، لذلك علينا دوماً تقديم الأفضل لنكون جديرين بتحقيق التميز فيها".
سيشهد موعد العودة على أرض بافاريا غياب بعض النجوم المؤثرة، حكراً على كتيبة أرسنال، الذي سيفتقد جهود بعض لاعبيه الأساسيين والغائبين منذ فترة على غرار الجناح الطائر تيو والكوت، وزميله أرون رامسي المصاب منذ شهرين تقريباً، وجاك ويلشير الذي تعرض إلى كسر في ساقه في آخر مباراة دولية ودية للمنتخب الإنكليزي أمام الدنمارك، وهو ما سيجبره على الركون إلى الراحة لمدة 6 أسابيع على الأقل.
لا تتوقف عراقيل ثالث الـ"بريميرليغ" عند هذا الحد، إذ سيفتقد إلى حارسه الأساسي، البولندي فوجيتش تشيزني المطرود ذهاباً والذي سيعوضه مواطنه الاحتياطي وقليل الخبرة لوكاس فابيانسكي، علاوة على تخلف الظهير الأيسر كيران غيبس بسبب إصابة في الكاحل، وهو ما قد يدفع فينغر للتعويل اضطرارياً على البلجيكي توماس فيرمايلين، وهو مدافع محوري في الأصل، لسد شغور غيبس في الجهة اليسرى، وهو التحوير المحتمل الذي أشار إليه الموقع الرسمي لأرسنال نفسه، وتبقى الإيجابية الوحيدة في إمكانية استعادة خدمات المدافع الفرنسي لوران كوسييلني الذي تعرض لإصابة في معسكر "الديوك" قبل إجراء مباراته الودية الأخيرة أمام هولندا.
وفي خضم هذه العاصفة من الإصابات التي تعصف بأرسنال، يعيش بايرن بعيداً عن هذا المشكل مع تمتعه بكافة عناصره الأساسية منها والاحتياطية، باستثناء الغائب "غير المؤثر" عن الملاعب لفترة طويلة أولغر بادشتوبر، وهو ما سيجعل زملاء الحارس مانويل نوير مرشحين لصرع ضيوفهم للمرة الثالثة على التوالي من عتبة ثمن النهائي لدوري الأبطال بعد موسمي 2004-2005 و2012-2013.
للغوص أكثر في بعض خبايا المواجهة الثنائية بين أي فريقين لا مناص من الارتماء في أحضان التاريخ والمعطيات الأرشيفية، فهي وإن لم تكن حاسمة في نتائج المباريات، غير أنها غالباً ما تعطي قراءات واقعية، ومن هنا آثرنا الاستدلال بالنهج التاريخي لأخذ فكرة مقتضبة عن حالة الفريقين قبل صدامهما المشوق، وذلك في الأرقام الآتي ذكرها:
1- أرسنال آخر فريق تمكن من الحفاظ على نظافة شباكه ضد بايرن ميونيخ في دوري أبطال أوروبا (0-2 على ملعب بايرن في آذار/مارس 2013)، ومنذ تلك المباراة سجل الفريق البافاري 32 هدفاً في 12 مباراة في البطولة.
2- فاز بايرن بـ11 من آخر 12 مباراة في دوري أبطال أوروبا، وخسر مواجهة واحدة فقط، كانت ضمن دوري المجموعات لهذا الموسم ضد مانشستر سيتي الإنكليزي (2-3) بتاريخ 10 كانون الأول/ديسمبر 2013.
3- كانت آخر 3 مباريات فشل بايرن ميونخ في الفوز بها على ملعبه بدوري أبطال أوروبا ضد فرق إنكليزية وهي، تشيلسي في أيار/مايو 2012، وأرسنال في أذار/مارس 2013 ومانشستر سيتي في كانون الأول/ديسمبر 2013.
4- فاز بايرن بآخر 6 مباريات في دور خروج المغلوب بدوري أبطال أوروبا (سجل 15 هدفاً واستقبل هدفاً واحداً فقط في مرماه).
5- وجه بايرن أكبر عدد من التسديدات على المرمى هذا الموسم في دوري أبطال أوروبا(59 تسديدة)، وتجاوز في هذا الرقم نظيره أرسنال.
6- فاز أرسنال بفارق هدفين خارج ملعبه في دور خروج المغلوب ضمن أبطال أوروبا مرتين فقط: ضد ميلان في آذار/مارس 2008 (0-2) وبايرن نفسه في آذار/مارس 2013 (0-2)، وهو ما يمكن أن نعتبر وفقه بأن شهر آذار/مارس هو شهر "النحس" على "المدفعجية".
7- حافظ أرسنال على نظافة شباكه في 3 مباريات فقط من آخر 27 مباراة خارج أرضه في دوري أبطال أوروبا، ولكن آخر مرتين حافظ على شباكه نظيفة جاءت في ألمانيا (ضد بايرن ميونيخ في آذار/مارس 2013 وبوروسيا دورتموند في تشرين الثاني/نوفمبر 2013).
8- من المفارقات في هذه المواجهة أيضاً، أن الثنائي توني كروس وتوماس مولر سجلا في لقائي الذهاب بين الفريقين في الموسم الماضي والحالي، كما شارك أريين روبن في تسجيل 10 أهداف في آخر 10 مباريات على ملعب بايرن ميونخ في دوري أبطال أوروبا (سجل 5 وصنع 5).