حصل منتخب إسبانيا على كأس العالم في 2010 مع خطة لعب قريبة من 4-2-3-1، الرسم الذي انتشر بقوة بعد مونديال جنوب أفريقيا، ليسيطر هذا التكتيك على الأجواء الأوروبية والعالمية لسنوات طويلة، ويلعب معظم مدربي المستديرة بهذه الطريقة خلال المحافل الأوروبية والعالمية. وفكر كل مدير فني في اللعب بثنائي محوري Double Pivot في منتصف الملعب، ثنائي ارتكاز خلف ثلاثي الهجوم ورأس الحربة المتقدم.
لماذا 4-2-3-1؟
يقول خوانما ليًو عن طريقة 4-2-3-1، "إنها تعطي الانتشار الأفضل على أرضية الملعب، تشعرك وأنت في الخارج كأنك تملك المستطيل من أوله إلى آخره، عندما تحس بالراحة في الخارج، سينتقل الشعور إلى لاعبيك. بالإضافة إلى أنها تعطي ميزة أكبر للاعبي الأطراف، من خلال مساحة وقدرة على التعامل مع الظهير الخصم، وتعتبر أشمل من طريقة 4-4-2 الكلاسيكية التي تجبر الجناح على مواجهة مباشرة مع الظهير".
من الناحية الخططية، هي استراتيجية تعطيك مع الانتشار، خيار التمرير والضغط، لأنك في الهجوم تلعب بخمسة لاعبين وأمامهم مهاجم صريح وبالتالي تستطيع تطبيق السيطرة وخنق الفريق الآخر. وتحتاج دائما إلى مهاجم غير ثابت، مع تحركات مستمرة في ظهر المدافعين وبين المساحات الموجودة خلف الأظهرة المتقدمة، ليفاندوفسكي قدم مع دورتموند نموذجا حقيقيا للرقم 9 في هذه الحالة.
تحت قيادة يورغن كلوب في ألمانيا، لعب بروسيا بثنائي ارتكاز، واحد مهامه دفاعية أكثر، والآخر يجيد الدفاع مع القدرة على الإضافة الهجومية، بيندر وغاندوغان نموذج رائع لهذه الثنائية بالمحور، أما الثلاثي الهجومي خلف الرقم 9، فأقرب إلى لاعبين على الأطراف، مع لاعب في العمق يقوم بمهام الرقم 10. تكمن الفكرة في لامركزية الحركة بين المثلث الهجومي، أجنحة تقطع من الطرف إلى العمق، وصانع لعب يفسح المجال لهم ويتحول إلى الخلف خطوات أو يبادل مكانه مع المهاجم.
مشاكل الفراغات
لكل طريقة عيوبها، مهما وصلت الدقة والتخصص والتعقيد. هناك جانب خاص بالإبداع في اللعبة، عنصر بشري غير قابل للمس أو النقاش، لذلك عانت الخطة كثيرا على مستوى التحولات، في حالة عدم ضم لاعبي الارتكاز إلى الأظهرة الدفاعية، بالإضافة إلى صعوبة الربط بين الظهيرين ولاعب المحور لغلق منطقة الوسط أثناء مرتدات المنافس.
يمثل الرقم 10 أيضا عاملا إيجابيا وسلبيا في نفس الوقت، إنه اللاعب الذي يفعل كل شيء هجوميا، يمرر ويصنع ويراوغ ويتحرك ويخلق الفراغ لزملائه، لكنه لا يعود كثيرا للدفاع، مما يجعل المهمة صعبة أمام ثنائي المحور للتغطية طولا وعرضا، بسبب وجود مسافة غير قليلة بين الظهير والجناح، لذلك في حالة وجود مهاجم وهمي يلعب في الوسط، كما فعل ميسي سابقا في أكثر من كلاسيكو ضد مورينيو، فإن الفراغ يكون أوضح بين خط الدفاع ومنطقة الارتكاز في نصف الملعب الفريق البعيد عن الاستحواذ.
في نهائي شامبيونزليغ 2013 بين بايرن ودورتموند، قام روبين بدور محوري في خلخلة خطة بروسيا، من خلال تحوله المستمر إلى داخل الملعب أكثر من خارجه، مما تسبب في مشاكل عظيمة لخط الوسط بسبب وجود أكثر من لاعب بالعمق. بعدها يأتي دور اللاعب القادر على الاختراق بين الخطوط، لينطلق من المسافة الواقعة بين الظهير والجناح، ويخترق في العمق بين الظهير والمدافع، مما يجعل الطريق إلى المرمى متاحا، من هنا تضاعفت أهمية الفراغات وقدم سيميوني حلا أفضل للتعامل مع الفرق الهجومية من خلال تجربته مع أتليتكو مدريد.
الأجنحة الداخلية
لعب أكثر من فريق كبير بطريقة لعب 4-4-2 لتقليل نواقص خطة 4-2-3-1، من خلال الاستغناء عن صانع اللعب الهجومي في المركز 10 بالملعب، في سبيل إضافة ثنائي متحرك بين العمق والأطراف، يقوم هذا الثنائي بصناعة الفرص أثناء الاستحواذ في عمق الملعب، ومن ثم العودة إلى مناطق الأطراف لمساندة الأظهرة وتقليل الفراغات قدر المستطاع في نصف ملعبهم، فيما يعرف تكتيكيا بالجناح الداخلي أو الـ "إنتريور"، على طريقة ساؤول نيغويز، كوكي، وأسماء أخرى.
مع ظهور الجناح الداخلي، لعب أكثر من مدرب أيضا بريشة المنتصف على خطى بوغبا في يوفنتوس، لاعب يملأ الفراغ بين الطرف والعمق، من الصعب تصنيفه كصانع لعب هجومي ومن المستحيل وضعه كلاعب ارتكاز دفاعي، إنه خيار غير قابل أبدا للدخول في لعبة التصنيف. مثله مثل لوكا مودريتش في ريال مدريد، لاعب أشمل من تعريفه بمركز واحد فقط، مما يجعله أهم لأي مدرب، لأنه يقوم بواجبات دفاعية ومهام هجومية خلال نفس المباراة.
كما قتل التخصص مسبقا أكثر من طريقة لعب ليفرض 4-2-3-1، فإن اهتمام كافة المدربين الجدد باستغلال الفراغات دفاعا وهجوما، جعل الجميع يفكر في أسماء تجيد أكثر من وظيفة، مع الاستغناء تدريجيا عن صانع اللعب رقم 10، ولنا مثال بالبرتغال في يورو 2016، فسانتوس ترك الهجوم لمنافسيه، ليضع أكبر عدد ممكن من اللاعبين في منطقة المنتصف، كارفاليو وسيلفا بين الدفاع والهجوم، وماريو وسانشيز بين الأطراف والعمق، هكذا كل لاعب يظهر وكأنه 2 في 1، فتش عن الفراغات والتحكم فيها عن بعد.
المدافعون الجدد
خلال الفترة الأخيرة، تطورت الأمور لتدخل خطة 3-4-3 في النص، لانتشار ما يعرف بالضغط العكسي أو "الكونتر برسينغ"، بالتالي فكر أكثر من مدرب في محاولة التأمين بالبناء الآمن للهجمة، بوجود ثلاثة مدافعين مع ظهيرين. حتى في المقابل أمام الفرق التي لا تضغط بشكل قوي، يمكن استخدام قلب الدفاع الثالث كمحرك للأجنحة، ليصبح لدى الفريق عنصر "المفاجأة" في إضافة لاعب أو آخر للهجمة، وخلق ما يسمى بالرجل الحر بعيدا.
يعرف الموسم الإنكليزي بغولو كانتي، بعد الإضافة المرجوة التي قدمها لتشيلسي، مع وجود مجموعة أخرى تلعب بنفس طريقته كدياوارا ونزونزي وكاسيميرو، مفهوم لاعب الارتكاز "الأنكور مان"، دفاعي أكثر، يقطع الكرات ويكسر الهجمات، لتزيد أهمية وجود مدافع ممرر من الخلف، مع قيام الوسط بالألعاب "القذرة" كما يقال، مما يجعل الحاجة ماسة للبناء الذكي بعيدا عن غابة السيقان في نصف ملعب المنافسين.
يؤمن كل فريق هجومي بأهمية وجود أكثر من صانع لعب، في برشلونة يقوم ميسي ونيمار وإنيستا وحتى بوسكيتس بالتحكم في الفرص وخلقها، لذلك من الصعب عليهم الاعتماد فقط على لاعب واحد في المركز 10 بالملعب، لذلك لا يلعب كثيرا الفريق الكاتلوني بطريقة ثنائية المحور، لأنها توفر خيارات تمرير أقل في الخلف، وتدمر ميزة اللعب التموضعي بسبب تمركز ثنائي الارتكاز على خط واحد تقريبا في نفس المنطقة من اللعب.
ومع حاجة الفرق الهجومية إلى عدد متنوع من صناع اللعب، ولجوء أرباب الدفاع إلى التضيحة بالرفاهية في سبيل إضافة لاعبين آخرين يقومون بأكثر من وظيفة، دون نسيان المدربين الذين يحاولون دائما صناعة التفوق العددي في جانب ما بالملعب، كلها عوامل أدت إلى قلة خطة 4-2-3-1 في الظهور لدرجة الندرة هذا الموسم.
(العربي الجديد)