"قبل أن تحكم على شخص ما، يجب أن تسير مسافة طويلة مرتدياً حذاءه"، هو مثل شائع يوضح ربما أهمية ألا يحكم الإنسان على تصرفات أي شخص وفقاً لأحكام مسبقة أو حتى على ما شاهده من أول مرة، بل ربما عليه أن يعيش نفس حياة ذلك الشخص لمعرفة ما يمرُ به ذهنياً ونفسياً.
في كرة القدم مثلاً، لم تعد هذه اللعبة محصورة في إطار رياضي وفني فقط، بل هي أكثر من ذلك بكثير. هي عمل إداري وتنظيمي وتتضمن الكثير من الأقسام التي تُساعد الفريق واللاعب على التطور وتحقيق الألقاب. على سبيل المثال، قبل أشهر، اكتشف متابعو الرياضة أن هناك فريقاً متخصصاً بتحليل ودراسة الأرقام في ليفربول الإنكليزي، وهو من أسباب تفوق "الريدز" مؤخراً.
علم التحليل مثلاً بات أحد أهم العناصر التي تؤثر على بناء فريق كرة القدم، لكن هذا المجال ليس وحده الذي يُغرد خارج إطار كرة القدم المحصورة بـ11 لاعباً وبملعب أخضر. فهناك مجال يبرزُ إلى الواجهة وتحدثت عنه صحيفة "ذا أتلتيك" المتخصصة، وذلك في تقرير يوضح الكثير من التفاصيل، وهو مجال علم نفس كرة القدم.
"روبوت" بدون مشاعر
يوضح لي ريشاردسون متخصص علم نفس الأداء في ليفربول، لصحيفة "ذا أتلتيك" دور علم النفس في كرة القدم، مؤكداً أنّ الكثير من الحواجز كُسرت في السنوات الأخيرة، واللاعبون أنفسهم بدأوا يطلبون مؤخراً المساعدة النفسية.
لاعب كرة القدم ليس مجرد "روبوت" بدون مشاعر
ويلفت ريشاردسون إلى أنّ "بعض الناس ينظرون إلى لاعب الكرة الذي يتقاضى أموالاً طائلة من الخارج وكأنه روبوت بدون مشاعر". بناءً عليه، فإن علم النفس الذي يُعتبر أساسياً للكثير من الأشخاص في هذا العالم، أمسى ضرورة في فريق كرة القدم لعدة أسباب، ولعل أبرزها أن اللاعب بحاجة لتنظيم صحته النفسية وتطوير ذاته بعيداً عن كل الضغوط من حوله.
لاعب كرة القدم ليس مجرد "روبوت" بدون مشاعر، هو إنسان في النهاية، يشعر بكل شيء من حوله ويحتاج للدعم النفسي لكي يشعر بدفعة معنوية، وكل هذا من أجل تقديم أفضل أداء في الملعب. هو ليس شخصاً يتقاضى أموالاً كثيرةً فقط ولا مجرد مشهور ذي شعبية في المجتمع، فهو مثل الجميع له قلب وروح.
وربما أكبر الأمثلة على تأثير الحالة النفسية لأي لاعب على أدائه هو الألماني يورغن كلوب مدرب ليفربول. فريشاردسون نفسه يصفه في حواره مع الصحيفة بأنه "أفضل متحدث رأيته في حياتي". باختصار كلوب يستحوذ على قلب اللاعبين وعقلهم إيجابياً ويحثهم على تقديم الأفضل، ببساطة هو يتحدث لغة اللاعبين.
كلوب مثلاً هو سيد علم النفس في ليفربول، خصوصاً أنّ علم النفس كان جزءاً من دراسته اختصاص "العلم الرياضي" في ألمانيا. فاختصاصي علم النفس مهمته الأساسية توفير أفضل الأجواء للشخص المعني، الدعم المُستمر وتطوير العمل الذهني والرياضي.
علم النفس وسيلة للنجاح
ليس بالضرورة أن يكون مُحلل علم النفس في فريق كرة القدم هو الشخص المسؤول عن كل شيء يخص حالة اللاعب النفسية، فأحياناً هناك لاعبون لا يتحدثون ويرفضون مشاركة أفكارهم، وعليه لا يمكن إجبار أحد على التحدث. لكن وظيفة محلل علم النفس هي ضمان أجواء إيجابية مثالية للمجموعة والمساعدة عند الضرورة.
لا يمكن معرفة إن كان لكل فريق كرة قدم مُختص في علم النفس، لكن أهمية تواجده تكمن في أن لاعب كرة القدم مُعرض لضغوط هائلة، فهو ببساطة يعيش مع دخل مادي كبير، ويعاني من ضغط المدرب والإعلام والجمهور، وضغط الابتعاد عن العائلة وتفاصيل أخرى تحتاج لرعاية.
وعليه، من الضروري أن يتواجد في أي فريق كرة قدم شخص على الأقل لا يُهمه العمل البدني بل النفسي والذهني، وطبعاً بعيداً عن دور المدرب التحفيزي داخل الملعب وخارجه. وهناك بعض اللاعبين الذين يتجهون اليوم لعلم النفس الرياضي، واللجوء إلى مثل هؤلاء المختصين الذي كانوا لاعبين سابقاً سيُفيد الأندية كثيراً.
في ليفربول اليوم هناك رجل مختص في علم نفس الأداء، هو لي ريشاردسون
فلاعب سابق مثلاً مُختص اليوم في علم النفس، يعرف جيداً نشوة فرحة الانتصار وهو أفضل من اختبر مرارة الخسارة، وبالتالي هو خبير بكيفية التحدث مع اللاعبين عندما يعيشون هاتين الحالتين، وحتماً سيكون تأثيره كبيراً على الصعيد الذهني والنفسي.
في ليفربول اليوم هناك رجل مختص في علم نفس الأداء، هو لي ريشاردسون، حضر إلى "الريدز" وبدأ يتعامل مع اللاعبين عن كثب، وهو جاهز للاستماع إلى أي لاعب كل يوم وعلى مدار الساعة. هو يعمل في الظل ولا يسمع عنه الناس كثيراً، ربما لأن دوره يقتصر على أمور نفسية خاصة باللاعبين.
والأهم ربما أن اختصاصي علم النفس في كرة القدم يتعامل مع عدة لاعبين ولكل لاعب شخصية مختلفة عن الآخر، لكن في النهاية هو يعرف جيداً أنه يتعامل مع إنسان أولاً. وتطوير اللاعب المحترف هو عملية ضرورية في عالم كرة القدم، والعمل الذهني يلعب دوراً كبيراً في عملية البناء والتطوير طبعاً.
فلاعب كرة القدم يتأثر دائماً بالعاطفة لأن هذه اللعبة فيها الكثير من العواطف نتيجة الفوز والخسارة، حُب الجمهور، الشهرة، العائلة، وكلها أمور تتطلب الحفاظ على مشاعر إيجابية دائماً. ومُختص علم النفس يعرف جيداً أن لا شيء ثابت في نفسية اللاعب، فهناك تفاصيل كثيرة تؤثر سلباً أو إيجاباً.