كما كان متوقعاً منذ بداية بطولة كأس أمم أفريقيا في الكاميرون، خرج حامل اللقب، المنتخب الجزائري، من الدور الأول بعد احتلاله المركز الأخير في مجموعته بنقطة واحدة وهدف واحد مُسجل، مثل سيناريو دورة 1992 في السنغال، التي شارك فيها بطلاً للدورة التي سبقتها، وكان له ذات الرصيد من النقاط والأهداف التي تلقاها، بعدما خسر أمام منتخب ساحل العاج آنذاك بالثلاثة.
وهو السيناريو نفسه الذي حدث لمصر التي غابت عن نسخة عام 2012، بعدما توجت باللقب ثلاث مرات متتالية، وحدث لزامبيا عام 2013 ونيجيريا التي توجت سنة 2012 وغابت عن دورتين متتاليتين بعد ذلك، وكذا ساحل العاج التي خرجت من الدور الأول سنة 2017، والكاميرون بطلة دورة 2017 التي أُقصيت في الدورة التالية، في ظاهرة غريبة تعود لأسباب نفسية وذهنية أكثر مما هي فنية.
حتى على الصعيد العالمي، حدث لمنتخب فرنسا، بطل العالم سنة 1998، المصير نفسه، بتسجيله لهدف واحد وخروجه من الدور الأول، رغم امتلاكه آنذاك للثلاثي جبريل سيسي، تييري هنري، وديفيد تريزيغيه، أفضل هدافي دوريات فرنسا، إنكلترا وإيطاليا آنذاك، وهي ذات سيناريوهات إيطاليا في 2010، إسبانيا سنة 2014 وألمانيا في كأس العالم 2018 عندما خرجت من الدور الأول بعد الخسارة من كوريا الجنوبية. ليأتي الدور على المنتخب الجزائري بطل أفريقيا والعرب وصاحب سلسلة 35 مباراة دون خسارة، وليسقط مرتين متتاليتين في ظرف أربعة أيام، دون أن يقدر لاعبوه على تجاوز الحاجز النفسي الذي لازمهم منذ مواجهتهم الأخيرة في تصفيات كأس العالم أمام بوركينافاسو ذهاباً واياباً، التي ظهرت فيها ملامح تراجع في أداء اللاعبين.
ولم يكن المنتخب الجزائري يستحق بلوغ ثمن النهائي في دورة الكاميرون بتلقيه أربعة أهداف وتسجيله لهدف واحد في مشوار تميز بأداء متواضع فردياً وجماعياً وحتى فنياً باعتراف المدرب جمال بلماضي الذي لم يقدر على تغيير الأمور هذه المرة لأسباب ذاتية تتعلق بمعنويات اللاعبين وخياراته، وأخرى موضوعية تتعلق خاصة بأرض الملعب غير المناسبة لمنتخب يلعب كرة، وبمنافسين متواضعين كانوا يريدون إطاحة البطل على غرار سيراليون وغينيا الاستوائية الذي تمكن من إطاحة المنتخب الجزائري لأول مرة على مدى ثلاث سنوات.
وهي الخسارة التي أثرت كثيراً بمعنويات اللاعبين الجزائريين الذين نسوا طعم الخسارة، لدرجة لم يستطيعوا تحملها وتجاوزها أمام منتخب ساحل العاج الذي استثمر في هشاشة الفريق الجزائري، ففاز عليه بالثلاثة وأخرجه من المنافسة التي كان سيخرج منها لا محالة في أدوار خروج المغلوب بالمستوى الذي ظهر به.
وتحمّل مدرب المنتخب الجزائري، جمال بلماضي، مسؤولية الإخفاق، ووعد بالتعويض في المباراة الفاصلة لكأس العالم 2022، دون أن يلمّح إلى إحداث تغييرات قبل تقييم المشاركة، مجدداً ثقته بالمجموعة وإصراره على إعادة البسمة إلى الجماهير الجزائرية بعد شهرين من الآن والتأهل إلى مونديال قطر، لذلك كانت وسائل الإعلام الجزائرية في مجملها رحيمة مع لاعبيها ومدربها بعد الإقصاء.
ولم تكن قاسية عليهم على غير العادة حتى لا تؤثر بمعنوياتهم، رغم المستوى المتواضع الذي بدأ يظهر عليهم منذ المواجهتين الأخيرتين أمام بوركينا فاسو، لكن ذلك لم يمنع من تسجيل بعض المؤاخذات والملاحظات على خيارات المدرب وأداء اللاعبين، ما يساعد دون شك على تصحيح الأخطاء التي حدثت في الكاميرون، بما في ذلك من الجانب الإداري والتنظيمي.
أما الجماهير المنتشية بخمس وثلاثين مباراة دون خسارة، فكانت بدورها جد متعاطفة مع المدرب واللاعبين رغم أسفها وحسرتها على الأداء والنتائج المسجلة، لدرجة كانت تستعد لكي تخصّ المنتخب باستقبال الأبطال عند عودته إلى الجزائر، لولا مغادرتهم الكاميرون في اتجاه أنديتهم الأوروبية، كعربون محبة وتقدير واحترام لمنتخب صنع أفراحهم لسنوات ومنحهم طاقة إيجابية انعكست على حياتهم اليومية، رغم هموم الحياة ومتاعبها التي تهون لدى الجزائريين أمام فوز منتخب بلادهم الذي أمسى ظاهرة فريدة تسعد الجزائريين عند الفوز وتسعد آخرين عند الخسارة.