منذ بدء البشرية، كان التطوّر والتقدّم هو هاجس البشر وأحد أهدافهم الأولى، ومن الطبيعي بل من الضروري أن يبقى هذا الهدف نصب الأعين دائماً. فالرغبة في التطوّر تعني الطموح، والطموح يعني الأمل، والأمل يعني المحاولة، وهذا كله يعني "الحياة".
كرة القدم، إحدى آلاف الأمور التي اخترعها الإنسان، والتي بدورها، هي أيضاً خاضعة للتطوّر والتغيير. وبالفعل، منذ تأسيسها إلى اليوم، طرأت العديد من التغييرات عليها، بدءاً من اللباس الخاص بها، إلى الكرة نفسها، وبالطبع، إلى قوانينها.
بعض أو ربما كل تلك التغييرات كانت ضرورية، إن كان على الكرة أو على القوانين، فهي جعلت من هذه اللعبة أكثر حماسة، حتى باتت اليوم أكثر الألعاب الرياضية شعبيّة حول العالم.
ولا تزال هذه اللعبة تخضع لبعض التغييرات من حين لآخر، حتى وصل الأمر إلى تغيّر أذواق عشاق اللعبة وانقسام آرائهم.
اليوم، نرى وبوضوح انقساما حادا بين جمهورين، الأوّل يحب ويعشق ويهتم بأرقام كرة القدم، والآخر يهتم ويبحث عن المتعة والأداء.
برز هذا الانقسام كثيراً بعد بطولة كأس العالم للأندية التي أقيمت في اليابان أخيراً، بعد استعمال تقنية الفيديو لتحديد ركلة جزاء في إحدى المباريات.
البعض اعتقد أن التطوّر أمر مهم، ومن الطبيعي أن يشمل كل شيء حتى أدقّ تفاصيل كرة القدم. أما البعض الآخر فرأى أن هذا الأمر يقتل متعة اللعبة التي تُعتبر الأخطاء والجدالات حول الحالات التحكيمية جزءا لا يتجزأ منها، بل إنه يضفي عليها المتعة والإثارة.
هذا الانقسام بين الجماهير، بدأ بالظهور منذ فترة، منذ بدأت بعض الأندية اعتماد أسلوب ضخ الأموال لشراء لاعبين نجوم ورفع أسعارهم في سوق الانتقالات، ما جعل نسبة كبيرة من الجمهور اليوم تهتم بسعر اللاعب ونجوميته أكثر من أدائه.
أدّى هذا الأمر، بطبيعة الحال، إلى انقسام الآراء والميول وحتى الشغف! فهناك جزء لديه شغف وولع بالأرقام، وجزء لديه شغف وعشق الأداء والولاء للّعبة نفسها.
جمهور الأرقام والذي يمكننا أن نطلق عليه جمهور "نيو آيج" كرة القدم، بدأ بالظهور مع ولادة ظاهرتي كرة القدم في السنوات العشر الأخيرة: ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو. هذان اللاعبان اللذان قلبا معايير ومقاييس كرة القدم. فمعهما، بدأت لعبة الأرقام والمنافسة، وبانتمائهما لأحد أقوى الفرق في العالم وأغناها، ساعدهما كثيراً على فرض أسلوب وفكر جديد على كرة القدم.
جمهور هذه الفئة لا يلفته الأداء بقدر ما تلفته أرقام اللاعب وألقابه وإنجازاته، إن كانت فردية أم مع فريقه. فعندما تحدّثهم عن موهبة لاعب ليس لديه الكثير من الألقاب أو ليس لديه الكثير من الأهداف المسجّلة باسمه، ببساطة شديدة ينكرون أهمية هذا الكلام، ما دام ليس مرفقاً بعدد أهداف "كذا" وتمريرات حاسمة "مذا".
في الوقت نفسه، نرى أن جمهور الشغف والأداء يعتقد أن جمهور "النيو آيج" محروم من متعة كرة القدم الحقيقية، وأن هذا الجمهور مثلاً لن يقدّر هدف "يد الله" لمارادونا، أو "الهدف الشبح" لإنكلترا، هذا الجمهور لن يفهم إحساس روبرتو باجيو حين أضاع ركلة جزاء في مباراة حاسمة بكأس العالم، أو لقطة مارادونا الشهيرة حين ركض نحو الكاميرا وأفرغ غضبه أمام ملايين المشاهدين بعد تسجيله الهدف. هذا الجمهور لا تهمّه هذه التفاصيل...
ووصل هذا الانقسام بالآراء والأذواق إلى تقييم المباريات نفسها، فهناك من يستمتع بإحدى المباريات التي قد تنتهي بالتعادل السلبي مثلاً، بينما قد يراها البعض "مباراة للنسيان"، طالما أنها لم تحتو على الأهداف.
هي ليست مسألة "صح" أو خطأ، وليست مسألة شغف أم لا، فالشغف هو نفسه، شغف الأرقام، وشغف الأداء. الأوّل يقبل ويطالب بتطوّر كرة القدم أكثر وقادر على تقبّل واستيعاب أي تغيير يطرأ عليها، أما الثاني فيتمنّى أن لا يحدث هذا الأمر ويعتقد أن هناك أموراً ستفقد جمالها إن طرأ التغيير عليها.
اليوم، تجد من يبحث في الإنترنت عن أرقام وإنجازات لاعب معين، ويقضي ساعات بترتيب تلك الأرقام ومشاركتها في الصحف وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، بينما نجد آخر، أكثر ما يمتعه هو مشاهدة "فيديو" لمهارات رونالدو الظاهرة، والتي أغلبها لم تنتج عنها أهداف بالمناسبة، لكنها بالنسبة له هي الشغف والمتعة، هي "كرة القدم".
اقــرأ أيضاً
كرة القدم، إحدى آلاف الأمور التي اخترعها الإنسان، والتي بدورها، هي أيضاً خاضعة للتطوّر والتغيير. وبالفعل، منذ تأسيسها إلى اليوم، طرأت العديد من التغييرات عليها، بدءاً من اللباس الخاص بها، إلى الكرة نفسها، وبالطبع، إلى قوانينها.
بعض أو ربما كل تلك التغييرات كانت ضرورية، إن كان على الكرة أو على القوانين، فهي جعلت من هذه اللعبة أكثر حماسة، حتى باتت اليوم أكثر الألعاب الرياضية شعبيّة حول العالم.
ولا تزال هذه اللعبة تخضع لبعض التغييرات من حين لآخر، حتى وصل الأمر إلى تغيّر أذواق عشاق اللعبة وانقسام آرائهم.
اليوم، نرى وبوضوح انقساما حادا بين جمهورين، الأوّل يحب ويعشق ويهتم بأرقام كرة القدم، والآخر يهتم ويبحث عن المتعة والأداء.
برز هذا الانقسام كثيراً بعد بطولة كأس العالم للأندية التي أقيمت في اليابان أخيراً، بعد استعمال تقنية الفيديو لتحديد ركلة جزاء في إحدى المباريات.
البعض اعتقد أن التطوّر أمر مهم، ومن الطبيعي أن يشمل كل شيء حتى أدقّ تفاصيل كرة القدم. أما البعض الآخر فرأى أن هذا الأمر يقتل متعة اللعبة التي تُعتبر الأخطاء والجدالات حول الحالات التحكيمية جزءا لا يتجزأ منها، بل إنه يضفي عليها المتعة والإثارة.
هذا الانقسام بين الجماهير، بدأ بالظهور منذ فترة، منذ بدأت بعض الأندية اعتماد أسلوب ضخ الأموال لشراء لاعبين نجوم ورفع أسعارهم في سوق الانتقالات، ما جعل نسبة كبيرة من الجمهور اليوم تهتم بسعر اللاعب ونجوميته أكثر من أدائه.
أدّى هذا الأمر، بطبيعة الحال، إلى انقسام الآراء والميول وحتى الشغف! فهناك جزء لديه شغف وولع بالأرقام، وجزء لديه شغف وعشق الأداء والولاء للّعبة نفسها.
جمهور الأرقام والذي يمكننا أن نطلق عليه جمهور "نيو آيج" كرة القدم، بدأ بالظهور مع ولادة ظاهرتي كرة القدم في السنوات العشر الأخيرة: ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو. هذان اللاعبان اللذان قلبا معايير ومقاييس كرة القدم. فمعهما، بدأت لعبة الأرقام والمنافسة، وبانتمائهما لأحد أقوى الفرق في العالم وأغناها، ساعدهما كثيراً على فرض أسلوب وفكر جديد على كرة القدم.
جمهور هذه الفئة لا يلفته الأداء بقدر ما تلفته أرقام اللاعب وألقابه وإنجازاته، إن كانت فردية أم مع فريقه. فعندما تحدّثهم عن موهبة لاعب ليس لديه الكثير من الألقاب أو ليس لديه الكثير من الأهداف المسجّلة باسمه، ببساطة شديدة ينكرون أهمية هذا الكلام، ما دام ليس مرفقاً بعدد أهداف "كذا" وتمريرات حاسمة "مذا".
في الوقت نفسه، نرى أن جمهور الشغف والأداء يعتقد أن جمهور "النيو آيج" محروم من متعة كرة القدم الحقيقية، وأن هذا الجمهور مثلاً لن يقدّر هدف "يد الله" لمارادونا، أو "الهدف الشبح" لإنكلترا، هذا الجمهور لن يفهم إحساس روبرتو باجيو حين أضاع ركلة جزاء في مباراة حاسمة بكأس العالم، أو لقطة مارادونا الشهيرة حين ركض نحو الكاميرا وأفرغ غضبه أمام ملايين المشاهدين بعد تسجيله الهدف. هذا الجمهور لا تهمّه هذه التفاصيل...
ووصل هذا الانقسام بالآراء والأذواق إلى تقييم المباريات نفسها، فهناك من يستمتع بإحدى المباريات التي قد تنتهي بالتعادل السلبي مثلاً، بينما قد يراها البعض "مباراة للنسيان"، طالما أنها لم تحتو على الأهداف.
هي ليست مسألة "صح" أو خطأ، وليست مسألة شغف أم لا، فالشغف هو نفسه، شغف الأرقام، وشغف الأداء. الأوّل يقبل ويطالب بتطوّر كرة القدم أكثر وقادر على تقبّل واستيعاب أي تغيير يطرأ عليها، أما الثاني فيتمنّى أن لا يحدث هذا الأمر ويعتقد أن هناك أموراً ستفقد جمالها إن طرأ التغيير عليها.
اليوم، تجد من يبحث في الإنترنت عن أرقام وإنجازات لاعب معين، ويقضي ساعات بترتيب تلك الأرقام ومشاركتها في الصحف وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، بينما نجد آخر، أكثر ما يمتعه هو مشاهدة "فيديو" لمهارات رونالدو الظاهرة، والتي أغلبها لم تنتج عنها أهداف بالمناسبة، لكنها بالنسبة له هي الشغف والمتعة، هي "كرة القدم".