لا يوجد أدنى شك في أن تاريخ كاسياس يضعه في مصاف عظماء حراس المرمى في تاريخ إسبانيا وأوروبا، فعلى سبيل المثال خاض 158 مباراة دولية مع المنتخب ونجح في الحفاظ على عذرية شباكه في 93 منها أي بنسبة 58.8 %، وكان له دور لا يمكن انكاره في تتويج "لاروخا" بكأس العالم 2010 ويورو 2008 و2012 ، ولكن في الوقت الحالي ما الذي يحدث؟
مباراة سلوفاكيا هي رابع لقاء لكاسياس مع المنتخب الإسباني على التوالي يفشل خلاله في الحفاظ على نظافة شباكه بعد مباريات هولندا وتشيلي ومقدونيا حيث بلغ اجمالي الأهداف، التي تلقاها مرماه في هذه المواجهات 10 أهداف، وأغلبها يتحمل مسؤوليته بصورة شخصية، هذا دون ذكر تلك التي تلقاها مرماه مع الريال منذ بداية الموسم.
ويبدو أن لفيسينتي ديل بوسكي المدير الفني للمنتخب الإسباني نظرية نسبية جديدة فيما يتعلق بمستوى كاسياس نصها أنه "كلما زاد معدل الأهداف التي تسكن مرمى القديس، زاد معدل التأكيد على أنه الحارس الأول للفريق"، وهذا هو ما ظهر بالفعل بعد مباراة سلوفاكيا حيث اعتبر أن كاسياس لا يتحمل مسؤولية الهدفين.
نفس الأمر حدث ابان أزمة مورينيو وفي الموسم الماضي، حيث كان ديل بوسكي ينتهز كل فرصة لمدح كاسياس وتاريخه وكونه قائداً.. هذه أصبحت مشكلة ديل بوسكي والتي ظهرت جلية في المونديال إنه "العيش في أوهام الماضي"، حيث بدا أن المدرب المخضرم لا يقدر على مواكبة الواقع الجديد والتغيير، كل تصريحاته وأفعاله حتى بعد نكسة المونديال حول عملية التجديد في صفوف الفريق لا تبدو حقيقية، فحتى في ظل ادخاله بعض الأسماء الجديدة على استحياء، لا يوجد تغير في العقلية.
منافسون بلا حلبة
في عالم الفنون القتالية المختلطة، يظل البطل في بعض الأحيان محتفظا باللقب لفترة طويلة رافضا مواجهة أي منافسين ويكون الأمر محددا بسقف زمني لخوض المواجهة التي اذا لم تحدث يتم تجريده من اللقب.. هذا الأمر يشبه كثيرا وضع كاسياس فهو في نظر ديل بوسكي الأحق بلقب الحارس الأول، وعلى الساحة يوجد منافسون مثل ديفيد دي خيا ودييجو لوبيز، ولكن مدرب المنتخب لا يعيرهما الكثير من الاهتمام.
دي خيا ولوبيز مقاتلان بلا حلبة، فهما يشاركان بما هو أشبه بنزالات على "ألقاب محلية صغرى" تتعلق بحراسة مرمى فريقيهما: مانشستر يونايتد الإنجليزي وإيه سي ميلان الإيطالي، أما مسألة الظهور على حلبات المنافسة الدولية فلا، حيث إن "البطل" كاسياس ومدربه ديل بوسكي لا يريان أن الوقت مناسب لهذه اللعبة.
الوضع بالنسبة لدي خيا أفضل كثيرا فعلى الأقل هو يحظى باهتمام من ديل بوسكي الذي ضمه لقائمة الفريق، ولكن مع لوبيز الوضع مختلف تماما حيث لا يزال مسلسل التجاهل مستمرا للرجل الذي تجرأ ونجح في اجلاس كاسياس احتياطيا خلال حقبة مورينيو مع الريال وأثبت نفسه وتألق لدرجة جعلت ادارة الريال تعجل برحيله للابتعاد عن أي "صداع" يثيره الاعلام مجددا بخصوصه وكاسياس وتبع هذه الخطوة التعاقد مع الكوستاريكي كيلور نافاس.
التدليل الإعلامي
"المباراة في إسبانيا قد تظل مستمرة لمدة أسبوع أما في إنجلترا فإن كل شيء ينتهي في اليوم التالي".. هكذا وصف البرتغالي جوزيه مورينيو حال كرة القدم الإسبانية والاعلام في جملة.. دور الصحافة في عالم الرياضة وكرة القدم الإسبانية قد يتخطى الحدود المعقولة في بقية العالم.
هذا الدور في تفاقم أزمة كاسياس- مورينيو على مدار السنوات القليلة الماضية كان كبيرا، لأنها دائما ما وقفت بجانبه بانحياز أعمى وتعصب لتاريخ "القديس" أو كمهمة وطنية ضد "ذلك البرتغالي الذي جاء ليعدل ما اعتدنا عليه ويحطم رموزنا"، حيث إن الانتقادات الموجهة لكاسياس يجب أن تكون بحساب، وهو الأمر الذي لا يزال مستمرا حتى بعد رحيل "ذا سبيشال وان" وعودة إيكر للعب أساسيا.
يجب أن تأتي الانتقادات بكلمات ناعمة مع ضرورة ذكر أنه نجح في التصدي لكرة أو أكثر، غالبا بصورة عادية ولكن لا بد من توصيفها بـ"الأعجازية" أو "التصدي الرائع"، هذا على أن يصاحب الخبر مجموعة من مقاطع الفيديو حول تاريخ كاسياس أو أخطاء مماثلة لحراس سابقين للمنتخب الإسباني، كما فعلت صحيفة (ماركا) على سبيل المثال بعد مباراة سلوفاكيا، كأنها تقول لحارس الريال "لا تقلق، نحن معك، انظر هؤلاء أيضا أخطأوا".
هذه المعاملة الـ"راقية" من قبل الصحافة الإسبانية التي لا ترحم لكاسياس ستظل دائما تثير الشكوك حول صحة ما تردد بخصوص أن أزمته مع مورينيو كانت بسبب تسريبه معلومات وأنباء تخص الفريق لوسائل الاعلام، على الرغم من نفي الحارس أخيرا صحة هذا الأمر بشكل قاطع.
بعض الأشياء في هذا العالم كلما تقدم بها الزمن زادت قيمتها ولكن لا بد من خضوعها للصيانة من أجل الحفاظ على رونقها، عمر كاسياس حاليا 33 عاما وهو ليس كبيرا للغاية بالنسبة لمركز حراسة المرمى، إلا أنه في نفس الوقت ليس في ريعان الشباب.. الجميع يرغب في عودة "القديس" لمعجزاته، ولكن إن ظل الوضع كما هو عليه فلن نشهد أبدا عودة "الشيخ إلى صباه"